الوقت - تحوّلت شبه الجزيرة الكورية إلى واحدة من أكثر المناطق توتراً في العالم منذ بداية العقد السادس من القرن الماضي. وكانت هذه المنطقة خاضعة لليابان حتى أواسط عام 1948. وبعد استقلال كوريا عن اليابان بدأ التوتر يتصاعد في هذه المنطقة وتواصل حتى الآن.
وتعتبر الحرب الكورية التي بدأت عام 1950 واستمرت ثلاث سنوات أول حرب بالنيابة بين أمريكا والاتحاد والسوفيتي السابق إبان الحرب الباردة التي استمرت حتى مطلع تسعينات القرن الماضي. حيث كانت موسكو تدعم النظام الشيوعي في كوريا الشمالية فيما كانت واشنطن تدعم النظام الليبرالي في كوريا الجنوبية.
وتسببت هذه الحرب في سباق تسلح غير معهود بين الكوريتين طيلة العقود الستة الماضية وهيأت الأرضية لتدخل القوى الأجنبية في عموم المنطقة لاسيّما من قبل أمريكا.
وعلى الرغم من الضغوط الدولية وخصوصاً من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن لازالت كوريا الشمالية تواصل تجاربها الصاروخية والنووية، فيما عمدت كوريا الجنوبية إلى عقد تحالفات عسكرية وتسليحية مع واشنطن، في حين برزت الصين ومنذ سنوات طويلة كقوة اقتصادية عظمى ومنافسة رئيسية لأمريكا في هذا المجال سواء في هذه المنطقة أو في عموم العالم.
وفي السنوات الأخيرة من وجودها في البيت الأبيض انتهجت إدارة الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" استراتيجية جديدة حيال دول شرق آسيا لاسيّما بشأن الكوريتين والصين واليابان.
وبعد تسلمه مهام عمله قبل شهرين واصل الرئيس الأمريكي الجديد "دونالد ترامب" سياسة سلفه "أوباما" تجاه هذه الدول حيث بقيت واشنطن تكن العداء لنظام الحكم في كوريا الشمالية وتواصل في الوقت ذاته تحالفاتها مع كوريا الجنوبية واليابان في شتى المجالات لاسيّما في المجالين الأمني والعسكري.
في هذا السياق هدد وزير الدفاع الأمريكي الجنرال "جيمس ماتيس" باتخاذ إجراءات قاسية ضد بيونغ يانغ في حال واصلت تجاربها النووية والصاروخية.
ورداً على هذا التهديد قامت كوريا الشمالية بإطلاق أربعة صواريخ بعيدة المدى باتجاه بحر اليابان، فيما أجرت القوات الأمريكية مناورات مشتركة مع القوات اليابانية والكورية الجنوبية، الأمر الذي اعتبرته بيونغ يانغ بأنه يمثل تهديداً جديّاً لأمنها، متهمة واشنطن وحلفائها بالسعي لتدمير بناها التحتية والتخطيط لشن هجوم عليها للإطاحة بنظام حكم الرئيس "كيم جونغ أون".
وعلى الرغم من أن الصين تقف إلى جانب كوريا الشمالية في أزمتها مع جارتها الجنوبية إلاّ أنها مع ذلك أعربت عن قلقها إزاء مواصلة بيونغ يانغ لتجاربها الصاروخية الباليستية باعتبارها تشكل انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن الدولي وتتسبب بتوتر خطير في عموم منطقة شبه الجزيرة الكورية.
ومن الأسباب الأخرى التي أثارت حفيظة كوريا الشمالية قيام أمريكا بمطالبة مجلس الأمن الدولي بتشديد الحظر الاقتصادي على بيونغ يانغ. كما قررت واشنطن نشر منظومات صواريخ ثاد "THAAD" في أراضي كوريا الجنوبية واليابان.
ويعتقد المراقبون بأن تفاقم الأوضاع الأمنية في شرق آسيا لن يصب إلاّ بصالح أمريكا ولهذا تسعى لإبقاء التوتر بين الكوريتين بشتى السبل، ومن أجل توظيف هذا التوتر لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية تقوم واشنطن بين الحين والآخر بتعزيز تواجدها العسكري في هذه المنطقة الحساسة والمهمة من العالم خصوصاً في بحر الصين الجنوبي وشرقه بذريعة مواجهة الخطر النووي والصاروخي لكوريا الشمالية.
ويتوقع المحللون أن تواصل الإدارة الأمريكية هذه الاستراتيجية خلال السنوات القادمة بهدف مواصلة التلويح بإمكانية استخدام القوة ضد كوريا الشمالية من جهة، والضغط على الصين لتغيير سياستها تجاه بيونغ يانغ من جهة أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية وحسبما أعلن ترامب نفسه تعتزم استيفاء تكاليف تواجد قواتها العسكرية في شرق آسيا من كوريا الجنوبية واليابان مقابل التعهد بالدفاع عنهما في حال تعرضهما لهجوم محتمل من قبل كوريا الشمالية وذلك من أجل تخفيف الضغط على الميزانية العسكرية الأمريكية المثقلة بتكاليف باهظة نتيجة نشر قوات كبيرة وأسلحة متطورة في الكثير من مناطق العالم لاسيّما في الشرق الأوسط وشرق وجنوب آسيا.
ومن خلال قراءة هذه المعطيات يمكن الاستنتاج بأن التوتر في شبه الجزيرة الكورية سيتواصل خلال المرحلة القادمة طالما أصرت أمريكا على اتخاذ إجراءات استفزازية ضد كوريا الشمالية بهدف ابتزاز اليابان وكوريا الجنوبية وباقي دول المنطقة بحجة الدفاع عنها ضد أي خطر محتمل من جانب بيونغ يانغ، وبالتالي تحقيق استراتيجية واشنطن في التوسع نحو الشرق التي أعلنها أوباما ويعتزم ترامب مواصلتها في السنوات المقبلة.
ومع ذلك يعتقد معظم الخبراء العسكريين بأن احتمال حصول مواجهة عسكرية مباشرة بين أمريكا وحلفائها من جهة وكوريا الشمالية من جهة أخرى يبقى ضئيلاً بسبب المخاطر الجمّة التي يمكن أن يتحملها الجانبان والتي يرجح أن تتوسع رقعتها إلى مناطق أخرى من العالم لوجود قوى إقليمية ودولية لا يمكن التكهن بردود أفعالها في الوقت الحاضر، ويبقى الوضع في شبه الجزيرة الكورية أشبه بالنار تحت الرماد إلى أمد غير معلوم ما لم يسرع المجتمع الدولي ومنظماته المؤثرة باتخاذ قرارات وإجراءات فاعلة لنزع فتيل هذه الأزمة.