الوقت - المعركة بين الحروب هي جزءٌ من الإستراتيجية العسكرية التي تتبعها القيادة العسكرية الإسرائيلية. ففي ظل الحديث عن حربٍ قد تنفجر بين حزب الله والكيان الإسرائيلي، تجري في الخفاء معركةٌ تسلحٍ وتحضيرٍ لدى الطرفين، هي ليست بجديدة، لكنها دخلت اليوم دائرة الإهتمام. فالحرب بالنسبة للإسرائيليين ظرفية، لكن التفوق في المعارك التي تحصل بين الحروب هو أمرٌ مهم بالنسبة للقيادة الإسرائيلية. والمعركة الأساسية اليوم بالنسبة لتل أبيب، تهدف لإيجاد تفوقٍ عسكريٍ قادرٍ على التأكد من نتيجة أي حرب مستقبلية. فما هي المعركة الخفية الدائرة بين الطرفين؟ وكيف تُديرها تل أبيب؟ ولماذا دخلت القوة العسكرية البحرية لتُصبح جزءاً أساسياً فيها؟
معركة بين حروب: الحرب الخفية الدائرة!
لم تكن المعركة الحالية والتي يقودها سلاح البحر الإسرائيلي ظاهرة. بل إن ما يتعلق بالقوة البحرية التابعة للطرف الإسرائيلي وحزب الله، كانت بعيدة عن النقاش الإعلامي، قبل أن تدخل معادلات الأمين العام لحزب الله، في دائرة الحرب اليوم. وهو ما طرح نقاشاً جديداً حول سيناريوهات الحرب ومكامن قوة وضعف الطرفين.
من جهتها تمارس تل أبيب سياسة شبه معروفة في إدارة المعركة الخفية بين الحروب وعلى كل الأصعدة. وهي سياسة قائمة على مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأولى: جمع معلومات عسكرية وأمنية دقيقة عن نشاطات وقدرات حزب الله، في الدوائر القريبة والبعيدة لفهم نواياه. ويُركز الجيش الإسرائيلي على محاولته معرفة نوعية وكمية الوسائل القتالية التي بحوزة الحزب. بالإضافة الى سعيه لجمع معلومات مؤكدة حول مكانها.
الهدف من هذه المرحلة، التخطيط لإيجاد الرد وصياغة معادلات تتلاءم مع تعاظم القوة العسكرية لحزب الله.
المرحلة الثانية: تتضمن ما يُعرف بـ "سياسات الخط الأحمر" والتي أعلنت عنها بشكل علني القيادة السياسية في الكيان الإسرائيلي وتحديداً منذ اندلاع الأزمة في سوريا. وهي تقوم على مبدأ أن تل أبيب لن تسمح بتهريب الوسائل القتالية الى حزب الله.
الهدف من هذه المرحلة، هو منع التعاظم وإبطال مصادر القوة.
في ظل المعركة الحاصلة: تل أبيب تواجه صعوبات!
عدة نقاط يمكن الإشارة إليها فيما يخص المعركة الخفية الدائرة بين الطرفين والتي تخص سلاح البحر أو القوات البحرية. وهي على الشكل التالي:
أولاً: يُتابع سلاح البحر الإسرائيلي تحسين قدراته العسكرية ضمن خطةٍ وضعتها القيادة الإسرائيلية لخلق التفوق العسكري. يقوم التطور على الدمج بين أجهزة في المؤسسة الأمنية، ووحدات سريَّة في الجيش الإسرائيلي.
ثانياً: تعتبر تل أبيب أنه وعلى الرغم من تحسينها لقدراتها العسكرية البحرية، فإن مصدر قلقها ينبع من التكامل العسكري بين حزب الله وإيران. حيث تتطوَّر القدرات العسكرية السرية لحزب الله، فيما يخص سلاح البحر، بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني. وهو ما أوجد مشكلات جديدة لدى الأجهزة التخطيطية في تل أبيب، والتي تحاول معرفة أسرار هذه القوة وكيفية عملها.
ثالثاً: دفع هذا التطور، جهازي "الموساد" و"الشاباك" وشعبة الإستخبارات البحرية للإهتمام بجمع المعلومات المتعلقة بالحلبة البحرية. لكن المفاجأة كانت أن المعلومات الموجودة، لم تكن بمستوى التهديد الذي أوجدته تصريحات نصر الله الأخيرة!
رابعاً: تعيش القيادة الإسرائيلية اليوم، حالة من الصدمة، نتيجة الواقع العسكري الجديد الذي أوجدته إمكانيات حزب الله العسكرية فيما يخص قوته البحرية. فعلى الرغم من سعي الجيش الإسرائيلي لإيجاد تفوقٍ بحري يهدف لخلق حرية على الساحة البحرية من الشاطئ وحتى عمق الحدود البحرية الإسرائيلية، إلا ان هذا التفوق لم يحصل بسبب تهديدات حزب الله الأخيرة.
ما هي أهم الهواجس التي تعيشها تل أبييب؟
عدة هواجس تعيشها تل أبيب يمكن ذكر بعض منها فيما يلي:
أولاً: حصول هجوم مُباغت من حزب الله. وهو الأمر الذي قد يبدأ بشكل مفاجئ تماماً من دون معلومات مسبقة. الأمر الذي يُعرِّض خط الدفاع الأول لخلل كبير. ويتكون خط الدفاع الأول من جنود السرية 914 وسرية الأمن البحري التابعة لسلاح البحر على الحلبة الشمالية.
ثانياً: وجود حاجة ملحة لتعزيز عمل الجنود في البحر وقدرتهم على تشخيص أي هجوم أو التعافي بسرعة من هجوم مركّز له وزن حاسم في قلب المعركة. وهو ما يتعلق بكيفية تأمين الدعم البحري وإخراج باقي القوات من المرافئ الى قلب البحر، الأمر الذي يتم درسه من قِبل ضباط سلاح البحر بشكل معمّق لما يُشكله ذلك من ضرورة للحفاظ على التفوق البحري.
إذن تعيش تل أبيب هواجس جديدة مُضافة الى الحرب البرية مع حزب الله. فالمعركة الخفية والتي تجري ضمن سلسلة من الحروب، تُعتبر أساسية في ظل واقع عسكري تعيشه المنطقة يقوم على التفوق في التسليح. لكن المعركة الحاصلة بين حزب الله وتل أبيب، أدخلت الى جانب التسليح نقطة قوة جديدة تقوم على التخطيط السري والتعتيم الإعلامي. الأمر الذي جعل حزب الله متفوقاً مرة أخرى!