الوقت- فيما تعتبر تطورات الساحة السورية التي خرجت عن السيطرة بالنسبة للأمريكيين لغزا بالنسبة للادارة الامريكية بسبب رياحها التي تجري بما لا تشتهي سفن البيت الأبيض، بادرت مؤسسة راند الأمريكية للأبحاث والتي تقدم النصائح للقوات الامريكية في العالم الى تقديم 5 مقترحات الى المسؤولين الأمريكيين لحل القضية السورية بعد دراسة قام بها هذا المركز للأوضاع في سوريا، وتعكس مقترحات مؤسسة راند التوجهات الأمريكية في التعامل مع القضية السورية في المرحلة القادمة.
تقول مؤسسة راند في تقريرها التي تتضمن هذه المقترحات "ان سوريا ستصبح بعد هذه الأزمة دولة ضعيفة في منطقة مضطربة وسط غياب حلول بسيطة وسريعة للأزمة، وهناك 5 سياسات اذا تم اتباعها فإنها يمكن ان تحفظ المصالح الامريكية في مكافحة الارهاب وتحول دون انهيار الدولة السورية"، وهذه المقترحات هي التالية:
اولا- يجب ان تقوم امريكا وروسيا بحفظ دورهما في قيادة العملية الدبلوماسية وهذا يعود بالنفع على امريكا لأنها لا تملك أية اداة ضغط دبلوماسية في مواجهة سوريا وايران لكن روسيا تملك مثل هذه الأداة.
ان الشراكة الامريكية الروسية خاصة عبر منظمة الأمم المتحدة تحد من تدخلات القوى الإقليمية في سوريا وتضفي الشرعية على خطة ارساء الاستقرار واعادة بناء سوريا بعد الازمة.
ثانيا- ايجاد تنسيق عسكري واستخباري اكبر بين امريكا وروسيا ضد داعش وجبهة النصرة وهو ما اقترحته ادارة اوباما في عام 2016 ويمكن ان تهتم به ادارة ترامب ايضا، ان التنسيق الامريكي الروسي يسمح باستمرار وتقوية تنفيذ قرارات مجلس الامن الدولي التي تعاقب المؤسسات والاشخاص الداعمين للقاعدة وداعش.
ثالثا- يجب على امريكا ان تأخذ القلق التركي من دور اكراد سوريا بعين الاعتبار، فأمريكا اكتفت حتى الان بالقول انها لا تدعم قيام كيان مستقل على الحدود التركية وهذا يعتبر عدم اكتراث بالهواجس التركية، ولذلك ومن اجل كسب التأييد التركي لحل الازمة السورية، يمكن لواشنطن ان تشجع انقرة على استئناف الحوار مع حزب العمال الكردستاني وتشجع ايضا روسيا وايران على تقليص دعمهما لهذا الحزب وهكذا تثبت واشنطن للجميع انها دعمت وحدة التراب السوري ولم تقبل بأي انفصال للمناطق الكردية في سوريا وتذكر وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا ان امريكا لاتقبل ابدا بوجود قواعد لحزب العمال الكردستاني او نشاطاته في شمالي سوريا.
رابعا- على امريكا ان تعارض اي مشروع لتقسيم او تفكيك سوريا فالحكم الذاتي المحلي الذي يضر بوحدة الدولة السورية سيقضي على أي استقرار طويل الأمد، ان النزاع الجاري في سوريا أخذ صبغة طائفية بسبب دخول المقاتلين الاجانب في الحرب ولذلك فإن نتيجة الحرب لايمكن ان تعكس الحقائق السياسية كما هي واذا أخذنا بعين الاعتبار النزعة الوطنية لدى السوريين فإن انتصار الطائفية سيكون له تأثير مدمر في المستقبل.
خامسا- ان الدولة السورية لا تساوي بشار الأسد، بل ان الدولة السورية مبنية على ارث كبير من المؤسسات المركزية والهوية الوطنية وان هدم هذه الدولة يفتح المجال فورا لداعش والنصرة أو باقي المنظمات الارهابية في المستقبل.
ربما ترغب امريكا بتأجيل قضية مصير الأسد حتى تتبلور صورة التنسيق الامريكي الروسي الذي يرمي الى الحاق الهزيمة بالجماعات الارهابية وانهاء الحرب لكن من المستبعد ان تقبل امريكا قيادة الجهود الدولية لإرساء الاستقرار بعد انتهاء الازمة مع وجود الأسد في السلطة، فلذلك يمكن القول ان التخلي عن الأسد هو الثمن الذي يمكن ان يدفعه البعض من اجل حصول اجماع دولي ويمنح امريكا الأداة اللازمة لقيادة جهود ارساء الاستقرار في سوريا والحفاظ عليه من اجل منع انهيار الدولة السورية وهذا الأمر يعتبر في صالح الجميع.
ونعود ونذكر مرة أخرى بأن ذكر مقترحات مؤسسة "راند" الأمريكية بشأن سوريا لايعني تبنيها او تأييد ما جاء فيها من افكار ومصطلحات، بل الغاية من الامعان في هذه المقترحات هي الاطلاع على طبيعة التوجهات والسياسات الامريكية بشأن سوريا في المرحلة القادمة والتي تبين من خلالها ان المؤسسة تقترح على المسؤولين الأمريكيين تغيير سياساتهم والحصول بالسياسة على ما لم يحققوه في الحرب.