الوقت- يبدو أن موسم الحصاد التركي من الأزمة السورية قد اشتدّ وعلى أكثر من صعيد. حصاد جعل أردوغان يحسب ألف حساب للصلاة في جامع السلطان أحمد في اسطنبول أو ما يعرف شعبيا باسم المسجد الأزرق، بعد أن كان يريد الصلاة في المسجد الأموي في دمشق.
لسنا في وارد الدخول في الخسائر السياسيّة للرئيس التركي رجب طيّب أردوغان من سياسته تجاه سوريا وجيرانها، بعد أن حوّلها من صفر مشاكل إلى صفر حلول، بل يقتصر بحثنا في هذه السطور على خسائر تركيا الاقتصاديّة، وتحديداً في القطاع السياحي بسبب الأزمة الأمنيّة التي تشهدها البلاد.
فلتان أمني
لا يمكن فصل الأمن عن الاقتصاد والسياحة حيث يعدّان وجهان لعملة واحدة أي تتأثر جميع القطاعات الاقتصادية سلبياً مع أي هزّة أمنية، فكيف الحال بهزات ضربت قلب العديد من المدن التركية وجعلتها في دائرة الإستهداف المباشر بدءاً من رمز تركيا السياسي، العاصمة أنقرة، مروراً بالعاصمة السياحيّة اسطنبول وليس انتهاءً بمدينة ديار بكر الحدوديّة التي تقرع طبول الحرب يوميّاً بين الأكراد وأردوغان.
تركيا "الهشّة" ترى في التفجيرات الإرهابية رسائل سياسيّة بنكهة أمنيّة تسعى لضرب استقرار البلاد وإظهارها على هيئة الدولة الفاشلة، إلاّ أنّها لم تنجح حتى الساعة في إظهار العكس لاسيّما مع تفجير ملهى "رينا" الليلي بإسطنبول والذي خلف نحو 39 قتيلاً وعشرات الجرحى، وقبله حادثة اغتيال السفير الروسي في تركيا.
وبين هذا وذاك، ألقى الوضع الأمني المتردّي بظلاله على الوضع الاقتصادي في تركيا، وفي مقدّمته القطاع السياحي الذي سجّل أكبر انخفاض منذ بدء تسجيل البيانات في عام 1994.
انهيار اقتصادي
ربّما يرى البعض أن الحديث عن انهيار اقتصادي يعدّ أمراً مبالغاً فيه، إلا أن التدقيق في الأرقام الصادر عن الجهات المختصّة تؤكد أن القطاع الذي يدرّ أكثر من 30 مليار دولار على الخزينة التركية، لم يعد كذلك، لاسيّما بعد أن أرخى انعدام الأمن بثقله على القطاع السياحي في البلاد، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: إن التفجيرات الأخيرة جاء في الوقت الذي تترقب فيه أسواق السياحة بنفاد صبر عودة الحركة السياحيّة إلى سابق عهدها، لاسيّما أن التقارير التي صدرت قبل أشهر أظهرت انخفاض عدد السيّاح الذين استقبلتهم تركيا إلى أدنى مستوى له خلال 22 عاما على الأقل، حسب البيانات الرسمية.
ثانياً: التراجع السياحي الذي ناهز الـ26 بالمئة مرجّح للإرتفاع خلال الأشهر المقبلة، لاسيّما بعد إطلاق العديد من الدول لسلسلة تحذيرات إلى مواطنيها من قضاء عطلاتهم في المنتجعات السياحية التركيّة، ليكون ذلك سببا في تغيير الكثير من السياح لوجهتهم السياحية المفضلة لديهم لأعوام طويلة. كشفت تقارير إعلاميّة عن مغادرة الكثير من السياح بعد التفجير الأخير عائدين إلى بلادهم عقب الذعر الذي انتابهم من الهجوم الإرهابي.
ثالثاً:لم تفلح التطمينات التركيّة حتى الساعة في إقناع الكثير من السياح، خاصّة بعد تهديد تنظيم داعش الإرهابي باستهدافهم، الأمر الذي دفع بإجراءات أردوغان الأمنيّة لتأمين المرافق السياحية ودعم قطاعها المنهك إلى أن تذهب أدراج الرياح، "فنحن لا نفضّل مشاهدة رجال الأمن والشرطة في رحلاتنا، إنها تعيدينا إلى مشاهد التفجيرات في رحلة أردناها للاستجمام والترفيه"، وفق أحد السيّاح. في الحقيقة إن السياحة في تركيا باتت مجازفة لا يقدم عليها إلى أصحاب المجازفة، وقد حرم إنعدام الأمن الفنادق نزلائها ما أدّى إلى طرح أكثر من 13000 فندق سياحي للبيع، لكنّ هشاشة قطاع السياحة غيّب الإستثمارات الداخلية حتّى، "إنها حرب من نوع جديد"، يعلّق أحد أصحاب المحلات التجاريّة في اسطنبول.
رابعاً: معاناة القطاع السياحي ليست بالأمر الجديد، بل يعود لأكثر من عام حيث تسبّبت الهجمات الإرهابيّة في تراجع إقبال السياح الأجانب، واستمرار انخفاض الرحلات السياحية إلى البلاد. فعلى سبيل المثال، توقعت تقارير اقتصادية انخفاض حجز رحلات الطيران إلى تركيا، بنسبة 52% نهاية العام 2016، مقارنة بالفترة ذاتها من العام.
خامساً: إن أحد أسباب تقدّم تركيا بالاعتذار إلى روسيا يرتبط بالوضع الاقتصادي، لاسيّما بعد تراجع عدد السائحين الروس بنسبة91.8 في المئة، فهل سيتنازل أردوغان لتنظيم داعش الإرهابي، بغية إعادة الاستقرار الاقتصادي إلى القطاع السياحي الذي خسر أكثر من 8 مليار دولار!
لا نعتقد أن تطمينات أردوغان أو تنازله لداعش سياسياً مقابل الاقتصاد سيعيد السيّاح الذين أفزعتهم التفجيرات، فخسارة ثلث عدد السياح ليس بالأمر السهل، خاصّة أن الكثير منهم بحث عن وجهة سياحيّة جديدة، لا تقطعها التفجيرات الإرهابية، ولا تعرقلها سرقة سائقي التاكسي، فهل تعلم أن الحذر من سرقة سائقي التاكسي في مدينة اسطنبول غدت إحدى النصائح العشر للسياح الذين يريدون الإقامة في المدينة!
اللافت اليوم أن الرئيس أردوغان بعد كل ما حدث بدءاً من الإنقلاب الفاشل وليس انتهاءً بالتفجيرات الإرهابية والفشل في الرهان العسكري على مسلّحي حلب، لا زال يراهن على الكسب السياسي الذي طال حصاده لأكثر من خمس سنوات رغم أنّه كان قريباَ وفق أردوغان نفسه في العام 2012، فهل سيلقي الحصاد الاقتصادي بظلاله على الحصاد السياسي؟