الوقت- تتوالى الأحداث العراقية فصولاً في الميدان والسياسة حيث تكشف التطورّات الأخيرة حساسيّة المرحلة التي تمرّ بها البلاد في ظل مراهنة أمريكا على "معركة الموصل" لاستعادة العراق، وسعي تركيا لإعادة أمجاد السلطنة العثمانية عبر التدخّل العسكري والمنطقة العازلة التي تحدّث عنها رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، فصلاً عن الأطماع الداعشية القائمة في ظل "دولة الخلافة"، والتي تتقاطع معها بعض أصوات الداخل، أصحاب العزف على الأوتار الطائفية والمذهبية والعراقيّة.
رغم أن فوّهات السلاح تتّجه نحو الجماعات التكفيرية في نينوى، إلا أن المشهد العراقي العام يؤكد أن "داعش" يُعد، فقط، أحد أضلع المثلّث الذي يسعى لضرب العراق. ففي حين تسعى أنقرة "لإقامة منطقة خالية من الإرهابيين داخل العراق بالتعاون مع حكومة الإقليم الكردي، على غرار ما قامت به في الأراضي السورية المتاخمة للحدود التركية"، وفق ما أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، كشفت زيارة وزير الدفاع آشتون كارتر، لأنقرة وبغداد وأربيل، خلال اليومين الماضيين سعي أمريكا لإعادة التموضع في المنطقة عبر ترسيخ حضور أقوى لها في العراق والمنطقة. هذا ما أوضحه الدبلوماسي السابق جيمس جيفري ــ الذي شغل منصب السفير الأميركي في تركيا بين عامي 2008 و2010 وفي العراق بين عامي 2010 و2012 ــ في مقال نشره "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" أن "الانتصار في الموصل، بقيادة الولايات المتحدة، سيؤدي إلى الفوز بالحملة الاستراتيجية الأولى، وتحديداً استعادة أميركا سمعتها كاللاعب العسكري الأكثر فعالية".
لكن الزخم الميداني والإنتصارات العسكرية المتتالية، تقف عائقاً بارزاً أمام تقدّم المشاريع الخارجية نحو العراق. وقد انتقل هذا الزخم إلى الشقّ السياسي الذي بدا صلباً خلال الأيّام الأخيرة حيث رفض رئيس الحكومة حيدر العبادي خلال لقائه كارتر، القبول بمشاركة تركيا في المعركة، كما جدّد معارضته بالأمس لمشاركة تركيا في معركة تحرير الموصل، محذّراً، من "مشروع تركي" يهدف إلى إشغال الجيش التركي في معارك خارج الحدود بسبب "ثقل الحدود على قلب"، الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان.
اليوم، لسنا في وارد الحديث عن خطر "داعش" على العراق، نظراً لوضوحه كالشمس في كبد السماء، وبالتالي يمكن الحديث عن الوضع التركي من منظورين مختلفين: الأول تركي-كردي والآخر أمريكي-كردي، حيث من الصعب حالياً اعتبار الأكراد لاعباً مستقلاً نظراً للظروف القائمة في المنطقة، إلا أن تقاطع مصالحهم، الحاليّة، مع بعض الدول يسمح لهم بإظهار أنفسهم بهيئة اللاعب المستقل، لكن "اللعب" على أوتار الخلافات، لا يمكن تفسيرها بالاستقلاليّة.
الموقف التركي-الكردي
تتقاطع المصالح التركية الكردية اليوم في معركة الموصل، ففي حين تخشى "أربيل" من أي ردّ فعل تركي في محيط "غير مشجّع"، تسعى أنقرة لاستغلال نقطة الضعف الكردية للدخول إلى الساحة العراقيّة، إلا أن العلاقة بين الطرفين هي "عضّ أصابع" لا أكثر، حيث يرى الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في أي مشروع للاستقلال الكردي خطراً يوازي "داعش"، إن لم يفقه في بعض الأحيان.
تركيا، وبغية الإلتفاف على اعتراض بغداد، تعمد اليوم للتستّر بالرداء الكردي الذي ستخلعه عند أول مفترق طريق. هذا ما يفسّر رفع الصوت التركي بالأمس إثر "قصف المدفعية التركية مواقع للمتشددين في مدينة بعشيقة القريبة من الموصل بشمال العراق بعد أن طلبت قوات البشمركة الكردية الدعم"، وفق ما أوضح يلدريم.
في المقابل، لم يكن السكوت الكردي بالمجان، حيث تسعى القوّات الكردية عبر إدخال أردوغان إلى العراق، لغض طرفه عن التوسّع الكردي الذي سيبقى في المناطق التي يحرّرها من "داعش"، فقد رفضت البيشمركة في وقت سابق طلب بغداد بسحب قواتها من المناطق التي تسيطر عليها في محافظة نينوى لأنها "جزء من إقليم كردستان".
الموقف الأمريكي-الكردي
بالتوازي مع علاقات "أربيل" مع أردوغان، يسعى الأكراد في المنطقة، سوريا والعراق على حد سواء، للعب دور "حصان طروادة" أمريكي يجعل من الإقليم قاعدة أمريكية متقدّمة نحو دول الجواء بدءاً من ايران وليس انتهاءً بتركيا.
الإهتمام الأمريكي بالمنطقة سمح لبرزاني لعب دور يفوق حجمه السياسي، وهذا ما يفسّر لقاء وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر في زيارته الأخيرة مع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، وكذلك قادة الوحدات الكردية المشاركة في عملية الموصل. هنا لا يقتصر الإهتمام الأمريكي على الشخصيات الحكومية أو العسكرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر أجرى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، المؤثر في قرارات واشنطن الإقليمية زيارة إلى الجبهات الكردية رافقه خلالها رئيس جهاز الاستخبارات في كردستان العراق مسرور بارزاني، فضلاً عن الدعم العسكري واللوجستي التي تتلقّاه قوّات سوريا الديمقراطيّة.
لا يقتصر اللعب الأمريكي على حبال الأكراد، بل خفّض التحالف الدولي طلعاته فوق الموصل بنسبة 63% ضغطا على بغداد لتقبل بمبادرة كارتر حول مشاركة تركيا في معركة الموصل.
تبقى لبغداد الكلمة الفصل في المعركة الجارية، كلمة قد تسمح لها بتكريس معادلة جديدة تمسح غبار العام 2003. معادلة جديدة كتبت بدماء مئات الألاف من العراقيين عنوانها" في بلادنا الأمر لنا"، ولكن بشرطها وشروطها "والوحدة" أبرز شروطها.