الوقت- إستطاع العراق أن ينتصر بوحدته. هكذا يمكن وصف حقيقة الأحداث السياسية في العراق. فمن ينظر الى الأحداث المتسارعة اليوم في المنطقة، والعراق جزءٌ مهمٌ منها، يجد حجم المؤامرة التي حيكت لها. ولعل من أهم أوجه هذه المؤامرة، الفتنة المذهبية، التي لطالما سعت لها أمريكا وأدواتها في المنطقة، والمتمثلة في دول الخليج الفارسي وفي مقدمتها السعودية. فكيف سعت أمريكا وأدواتها، لإشعال نار الفتنة المذهبية؟ وماذا أثبتت أحداث العراق الأخيرة، لا سيما معركة تكريت؟
أولاً: كيف سعت أمريكا وأدواتها للفتنة في العراق؟
تُعتبر القبائل العراقية جزءاً أساسياً من المشكل السياسي والديمغرافي في العراق. لذلك تعتبر من جهةٍ أخرى، جزءاً من الحل للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي. ولذلك قامت أمريكا وأدواتها في المنطقة، بوعد هذه العشائر، بمدها بالمساعدة للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي. لكنها وعلى عكس ذلك، ولأنها تعلم حساسية الوضع العراقي، قامت بمدِّ تنظيم داعش الإرهابي بالدعم العسكري واللوجستي. فكانت وعود الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حبراً على ورق سياسي، يتحول الى دمٍ يسفك لتغذية نار الفتنة في العراق. ولا شك أن هذا الدعم الخفي لأمريكا وأدواتها، ساعد الإرهاب على التمدد وغزو ثلث البلاد.
ولكن هذه العشائر وبعد ثلاثة أشهر فقط، من العيش الإجباري تحت راية الخلافة الداعشية، بدأت القبائل فيها تنظيم هجمات مضادة، ضد مواقع تنظيم داعش الإرهابي، وقد تبنى ذلك العديد من شيوخ هذه العشائر. فقد هاجمت الكتائب العسكرية في مدينة القائم (وهي مدينة في محافظة الأنبار) مواقع تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي. هذه الكتائب شكّلها السكان المحليون. وهنا يسجل للقبائل والعشائر أنها ومنذ ذلك الوقت، إنطوت تحت لواء مكافحة الإرهاب، والذي كانت القبائل، ضحيةً له، كأمثالها من أبناء الشعب العراقي، الذين كانوا معاً، ضحية السياسات والرهانات الخاطئة لأمريكا وأدواتها في المنطقة.
ثانياً: أحداث العراق الأخيرة:
أثبتت أحداث العراق الأخيرة وحدة الشعب العراقي بأطيافه الكافة. فالجميع سنة وشيعة واكرادا وعرابا، توحدوا للعمل معاً من أجل القضاء على هذا الإرهاب. وهنا يُسجل لإيران أنها وعلى عكس أمريكا وادواتها، إستطاعت دائماً أن تعمل لمصلحة الشعب العراقي أجمع. فكان الهدف الرئيسي لسياستها الخارجية مع العراق، وحدة أراضيه و والمساعدة في طرد المحتل الأمريكي، والقضاء على تنظيم داعش الإرهابي. بينما تخاذلت أمريكا وأدواتها، وفي مقدمتهم السعودية، عن القيام بذلك. وهذا ما أظهرته عملية تكريت الأخيرة، والتي أزاحت الستار عن الوجه الحقيقي لأمريكا وأعوانها. وهنا لا بد من الأشارة الى الدور الإيراني الساعي لوحدة العراق وأرضه، والذي كان آخرها ما تجلى في عملية تكريت الأخيرة، بينما إتضح أن الإدعاءات الأمريكية الخليجية ليست إلا نفاقاً سياسياً فيما يتعلق بالخطر الداعشي. لذلك نشير للتالي:
- إن العملية الهجومية الأخيرة في تكريت والتي تعتبر أكبر عملية هجومية في العراق لقتال تنظيم داعش الإرهابي، ضمت ما يقارب ثلاثين ألف مقاتل، ثلثهم من الفرقة الخامسة في الجيش العراقي، أما الثلثان الباقيان فمن قوات الحشد الشعبي. وهذه الفرقة هي التي أسست ضمن مشروعٍ قامت إيران بدعمه، حين قررت حكومة العبادي العراقية دمج أبناء القبائل، في الجيش وقوات الأمن والإدارات الرسمية.
- هذا الدور الإيراني ليس بجديد، فقد عملت إيران في الماضي، على حث الحكومة العراقية الأخيرة للعمل مع العشائر والأكراد من أجل التخلص من التهديد الذي يشكله تنظيم داعش الإرهابي. وهذا الدور تُرجم عملياً عندما قام وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي، بإعادة بناء قيادة القوات الأمنية العراقية، وإعطاء العشائر سلطاتٍ أوسع، داخل الحرس الوطني. على عكس ما كانت تقوم به أمريكا وأدواتها من دعمٍ للإرهاب، وتغذيةٍ للفتنة المذهبية.
- تجلت المواقف الإيرانية الداعمة لوحدة العراق وشعبه، من خلال محاولة إيران الضغط باتجاه عدم تقسيم العراق، على عكس ما كانت تسعى له أمريكا وأدواتها، من محاولةٍ لتقسيم العراق على أساسٍ مذهبي. فطالما أكدت وزارة الخارجية الإيرانية، تقديمها مساعدات سياسية ونصائح الى الحكومة العراقية والأكراد العراقيين لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، والمحافظة على وحدة العراق. في الوقت الذي كانت فيه رؤوس الأموال الخليجية، تتدفق، لدعم هذا التنظيم الإرهابي، وتغذية النزاع بين العراقيين. فحين دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العام الماضي، الأكراد للإستقلال عن العراق، رد عليه مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان، قائلاً "إن من يتكلم عن تفكيك العراق لا يدرك تداعيات ذلك". وقال حينها في تصريح نقلته وكالة الأنباء الإيرانية إرنا، إن بلاده "تؤكد على ضرورة احترام استقلال العراق وسيادته ووحدته الوطنية وسلامة أراضيه في إطار الدستور".
إذاً، كشفت عملية تكريت الأخيرة اللثام عن الأدوار الحقيقية للأطراف السياسية الإقليمية في العراق. ففي ظل دعمٍ أمريكي خليجي مستمر، لتنظيم داعش الإرهابي في العراق والمنطقة، أثبتت الأحداث أن أمريكا وأدواتها راهنت ومازالت تراهن على هذا التنظيم للقضاء على وحدة الدول وبالنتيجة السيطرة عليها. أما في المقابل، عملت إيران ومازالت على دعم وحدة الشعوب وبالتحديد المسلمين. ومهما حاولت الأبواق الإعلامية التابعة لأمريكا ودول الخليج الفارسي، تشويه سمعة إيران وسعيها للوحدة الإسلامية، فقد إستطاعت السياسة الخارجية الحكيمة لإيران، إثبات موقعها ودورها الإقليمي والدولي، في الوقت الذي يبحث فيه الآخرون عن دورٍ لهم. وما الأحداث الأخيرة في تكريت، والدعم الإستشاري الإيراني، في ظل غيابٍ مفاجىءٍ لما سمي بالتحالف لقتال تنظيم داعش الإرهابي والذي تقوده أمريكا، إلا دليلٌ واضح على حسن النوايا الإيرانية بحق الشعب العراقي بمجمل أطيافه. ومن جهةٍ أخرى، إنه لديلٌ واضحٌ على إستياء أمريكا وأدواتها، من نهاية الإرهاب في العراق. فهل من يسأل بعد، عن أسباب تنمية الإرهاب في المنطقة، ومن الذي يقف بوجهه؟؟؟