الوقت - لم يكن القرار سهلاً، ولم يكن الطريق واضحًا. في المخيمات والمناطق الحضرية بالأردن، تدور الأحاديث بين العائلات السورية عن العودة إلى الوطن، لكن الأسئلة تظل معلقة: هل تغيّر شيء هناك؟ هل يمكننا بناء حياتنا من جديد؟ وما الذي ينتظرنا في الطرف الآخر من الحدود؟
على الجانب الأردني، كانت الحكومة تتخذ خطوات واضحة لتشجيع اللاجئين على العودة طوعًا، محاولةً جعل هذه الرحلة أسهل ما يمكن. أعلن مجلس الوزراء عن إعفاء اللاجئين العائدين من بعض الرسوم الجمركية، في محاولة لتخفيف الأعباء المالية عنهم. كما سمحت السلطات بعودة السوريين من دول أجنبية عبر الأردن، ونسّقت مع مفوضية اللاجئين لجمع تمويل لدعم العائدين، على أمل أن تُسرِّع هذه المبادرات عملية العودة.
ورغم كل هذه الجهود، كانت أرقام العائدين صادمة للسلطات الأردنية. 44 ألف لاجئ فقط عادوا إلى سوريا منذ سقوط النظام السوري السابق—رقم صغير جدًا مقارنة بتوقعات الحكومة، وأصغر من أن يُحدث فارقًا في أعداد اللاجئين الذين لا يزالون في الأردن، والذين يزيدون عن 1.3 مليون لاجئ.
لماذا لا يعودون؟
يجيب اللاجئون أنفسهم عن هذا السؤال، ليس بكلماتٍ واضحة، بل بترددهم، بحذرهم، وبالقصص التي يتناقلونها عن سوريا. في المقاهي والمحال التجارية والشقق الصغيرة التي تأويهم في عمان وإربد والزرقاء، يتحدثون عن الوضع هناك—عن المدن التي ما زالت بلا كهرباء، عن البيوت التي هُدّمت، عن المدارس التي لم تفتح أبوابها بعد.
يقول أحمد الجوهر، أحد العائدين حديثًا إلى حمص: "خرجت من حمص وأنا في الثامنة والعشرين من عمري، وعدت إليها بعد ثلاثة عشر عامًا... كل شيء مختلف، ليس كما كنت أتذكره."
لم يكن وحده من شعر بهذه الصدمة. كثير من السوريين الذين عادوا وجدوا أنفسهم في واقع أصعب مما توقعوه. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحدثت عن تحديات كثيرة يواجهها العائدون: فقدان وثائق الملكية، تدمير المنازل، ضعف البنية التحتية، وانعدام الخدمات الأساسية.
ورغم هذه الظروف، فإن الرغبة في العودة بدأت تنمو بين اللاجئين. تقرير المفوضية الأخير كشف أن 80% من اللاجئين السوريين في المنطقة يريدون العودة إلى بلادهم، مقابل 57% فقط في العام الماضي. في الأردن وحده، بلغت نسبة الراغبين في العودة 40%، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بدول أخرى مثل لبنان والعراق.
لكن حتى بين الراغبين في العودة، هناك حذر. يقولون إنهم يريدون القيام بـ"رحلات معاينة" قبل اتخاذ القرار النهائي، لأنهم ببساطة لا يعرفون ما ينتظرهم هناك. 60% من اللاجئين يرغبون في زيارة سوريا لفترة قصيرة، لرؤية الوضع بأعينهم قبل اتخاذ خطوة العودة النهائية.
الضغوط تتزايد، ولكن…
في الوقت نفسه، تتزايد الضغوط الاقتصادية على اللاجئين في الأردن. تكلفة المعيشة أصبحت مرتفعة، وفرص العمل محدودة. المفوضية تحدثت عن صعوبة أوضاع الكثير من اللاجئين، خاصة الذين لم يتمكنوا من تأمين دخل مستقر. البعض بدأ يفكر في العودة فقط لأن الوضع في الأردن أصبح صعبًا، وليس لأن الأوضاع في سوريا تحسنت.
لكن العودة ليست قرارًا فرديًا فقط، إنها قرار عائلي. في كثير من الأحيان، يجلس الآباء والأمهات مع أبنائهم الكبار، يناقشون الاحتمالات، يقارنون بين ما يعرفونه عن الأردن وما يسمعونه عن سوريا. البعض يقرر البقاء، بينما آخرون يقررون المجازفة، أملاً في بداية جديدة رغم كل الصعوبات.
ما الذي يحمله المستقبل؟
لا أحد يستطيع الجزم. الحكومة الأردنية ستستمر في تقديم التسهيلات، والمفوضية ستواصل محاولاتها لتأمين الدعم للعائدين. على الجانب الآخر، ستظل سوريا وجهة غير مؤكدة للكثيرين، حتى يروا بأنفسهم أنها أصبحت مكانًا يمكن العيش فيه من جديد.
وفي كل مساء، في أحد شوارع عمان أو الزرقاء، ستظل هناك عائلة سورية تجلس في منزلها، تنظر إلى صور قديمة لوطن غادرته منذ سنوات، وتسأل نفسها السؤال ذاته الذي حيّر الآلاف: هل حان الوقت للعودة؟