الوقت- عندما وصف كيث كيلوج، المبعوث الخاص للبيت الأبيض إلى أوكرانيا وروسيا، القرار الأمريكي بقطع التعاون الاستخباراتي والمساعدات العسكرية عن أوكرانيا بأنه "ضرب لحيوان مزرعة"، شاهد العالم أجمع بعيون مندهشة انهيار التحالف الأمريكي الأوكراني، وقد كانت الولايات المتحدة أكبر داعم مالي وتسليح لأوكرانيا في حربها ضد روسيا حتى شهرين فقط، واليوم تخلت الولايات المتحدة عن أوكرانيا، كان انهيار العلاقات الأمريكية الأوكرانية واضحا بعد اللقاء بين زعيمي البلدين ترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض، والآن أظهر انهيار هذه العلاقات آثاره على ساحة المعركة.
تقدم روسيا على جبهة القتال
وذكرت وزارة الدفاع الروسية، أنه خلال الـ48 ساعة الماضية، أصبحت عدة مدن وبلدات مهمة على جبهة كورسك، وكذلك الجزر ودلتا نهر دنيبر بأكملها في منطقة خيرسون، تحت سيطرة القوات الروسية، تحاول القوات الروسية منذ العام الماضي طرد القوات الأوكرانية من منطقة كورسك في البلاد، سيطر الجيش الأوكراني على أجزاء كبيرة من كورسك خلال العام الماضي.
وتظهر الخرائط الجوية أن المواقع الأوكرانية تدهورت بشكل حاد في كورسك، حيث أصبحت قواتها محاصرة تقريبا من قبل القوات الروسية، وكتب مدون الحرب الموالي لروسيا، رودسكوي، على تيليجرام يوم السبت أن القوات الروسية شنت هجوما على سودزا، وهي بلدة كبيرة تبعد حوالي 9.5 كيلومترات عن الحدود، وأن وضع الجنود الأوكرانيين في كورسك أصبح على وشك الأزمة، وفي مقابلة مع صحيفة "كراسنايا زفيزدا"، أكد رودسكوي أن روسيا تسيطر الآن على 75 في المئة من مناطق دونيتسك وزابوريزهيا وخيرسون وأكثر من 99 في المئة من منطقة لوغانسك في أوكرانيا.
استغلال الولايات المتحدة للحرب الأوكرانية
ورغم أن أمريكا تخلت الآن عن أوكرانيا في الحرب ضد روسيا، فإن التقارير والإحصائيات تشير إلى أن الحرب في أوكرانيا لم تكن خالية من نعمها بالنسبة للأمريكيين في السنوات القليلة الماضية، وحسب تقرير صدر مؤخرا عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ساهمت الحرب في أوكرانيا في نمو هيمنة الولايات المتحدة على صناعة الأسلحة العالمية.
ارتفعت صادرات الأسلحة الأمريكية بأكثر من الخمس بين عامي 2020 و2024 مقارنة بالفترة الخمسية السابقة، لتصل إلى 43% من إجمالي الصادرات العالمية، ويعتقد ماثيو جورج، مدير برنامج نقل الأسلحة في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أن الولايات المتحدة في وضع فريد من نوعه فيما يتعلق بصادرات الأسلحة، حيث تزيد حصتها من صادرات الأسلحة العالمية عن أربعة أضعاف حصة ثاني أكبر مصدر للأسلحة، وهي فرنسا.
صدع عميق على جانبي المحيط الأطلسي
من جهة أخرى، أشار موقع "كورتهاوس نيوز" في تقرير تحليلي إلى الخلاف العميق والمتنامي بين واشنطن وحلفاء أمريكا الأوروبيين بشأن الحرب في أوكرانيا، والذي تم الكشف عنه وانكشافه بشكل دراماتيكي خلال الأحداث المتعلقة بالذكرى الثالثة للهجوم العسكري الروسي، ورغم إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إنهاء الحرب من خلال تطبيع العلاقات مع موسكو وخفض المساعدات العسكرية لكييف، فإن الأوروبيين، من ناحية أخرى، ليسوا سعداء للغاية بالطريقة التي انتهت بها الحرب الأوكرانية، نظرا لتمكن روسيا من الاستيلاء على جزء من أوكرانيا.
وأظهرت رحلة زيلينسكي إلى أوروبا بعد التوتر الأخير بينه وبين ترامب في البيت الأبيض أيضًا وجود العديد من الاختلافات بين أوروبا والولايات المتحدة حول كيفية دعم أوكرانيا، ومن المنظور الأوروبي، يسعى ترامب فعليا إلى إجبار أوكرانيا على الاعتراف بالهزيمة والتنازل عن أراض لروسيا، ومن خلال تنفيذ هذه الاستراتيجية، أثار غضب الزعماء الأوروبيين والأوكرانيين من خلال تهميشهم في المفاوضات مع روسيا بشأن الحرب.
ولقد واصل الحلفاء الأوروبيون موقفهم العدواني ضد موسكو رداً على النهج الجديد للإدارة الأميركية تجاه الحرب في أوكرانيا بعد تولي دونالد ترامب منصبه، وأكد الزعماء الأوروبيون أيضًا التزامهم بتقديم الدعم العسكري والسياسي والمالي الشامل لكييف، ومن المتوقع أن يعلن زعماء الاتحاد الأوروبي خلال الأيام المقبلة عن حزمة مساعدات جديدة لدعم أوكرانيا، ويعكس هذا الاختلاف في النهج بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي انقساما عميقا ظهر في السياسات الغربية تجاه الحرب في أوكرانيا، في حين تواصل أوروبا التأكيد على دعم أوكرانيا والضغط على روسيا، تحول نهج إدارة ترامب نحو المفاوضات المباشرة مع روسيا وتقليص الدعم لأوكرانيا.
المأزق الأوسع
موقف ترامب من حرب أوكرانيا يعكس في الواقع رؤيته المعروفة عن التزامات بلاده الأمنية في أوروبا، خصوصاً الغربية، فهو يدأب منذ سنوات على انتقاد تلكؤ الدول الحليفة الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) في الاضطلاع بمسؤولياتها وإنفاق ما يكفي على موازناتها العسكرية لكي تضمن أمنها وتعزز قدراتها الدفاعية، وتردد حديثاً كلام جديد - قديم عن أنه ينوي سحب القوات الأميركية من ألمانيا التي لا تبذل برأيه الجهد الكافي لتقوية جيشها، بل تتكل على بطاقة هويتها الأطلسية والقوة العسكرية الأمريكية.
وقد خيّم هذا الواقع - كما أورد عدد من وسائل الإعلام - على قمة بروكسل في ظل القلق من انسحاب عسكري محتمل للولايات المتحدة أو إعادة هيكلة لوجودها العسكري في أوروبا، بحيث تركّز أكثر على حماية دول أوروبا الشرقية التي كانت ضمن دائرة نفوذ الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، ووصل الكلام إلى حد اعتبار التحولات في السياسة الأمريكية في أوروبا واحدة من أكبر الأزمات الجيوسياسية التي تضرب القارة منذ عقود.
بالتالي، تحوّلت قمة بروكسل في السادس من مارس (آذار) إلى البحث في هاجس فقدان الضمان الأمني الأميركي، بينما تراجع تعزيز موقف أوكرانيا في ساحة المعركة إلى المرتبة الثانية، كأن ثمة تسليماً بأن الحرب ستنتهي بعد ثلاث سنوات من القتل والتدمير إلى نتيجة لا مهرب منها
ويتصرّف دونالد ترمب على أساس أن الدولة الأصغر حجماً التي تشكل محور الحرب الدائرة في أوروبا لن تشارك في المحادثات حول مستقبلها، بل سيتولى «الأقوياء» تحديد المصير، وهكذا سيكون عليه أن يحاور بوتين الذي جزم بأنه لن يقبل بوقف إطلاق النار إذا لم يؤدِّ إلى التوسع الإقليمي لروسيا، وعملياً خضوع كييف سياسياً وعسكرياً لموسكو.
إعادة التسلح
على وقع تجميد المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين عن خطة ضخمة من خمسة أجزاء أو مقترحات لحشد نحو 800 مليار يورو للدفاع الأوروبي، وتتيح تقديم دعم عسكري فوري لأوكرانيا، مُحذرة من مغبة أن مستقبل أوكرانيا حرة ذات سيادة وأوروبا آمنة ومزدهرة، على المحك، ومن أن أوروبا تواجه خطرا واضحا وحاضرا بحجم لم يشهد أي منا مثله في حياتنا، ويتمثل الجزء الأول من هذه الخطة التي وافق عليها قادة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في ختام قمة استثنائية ببروكسل مساء يوم الخميس الـ 6 من آذار/مارس، تعليق الاتحاد الأوروبي قواعد الموازنة المتشددة للسماح لدوله الأعضاء بزيادة إنفاقها على الدفاع بشكل كبير من دون إجبار الحكومات على خفض مستويات العجز لديها حال خرقها القواعد، وفق أورسولا فون دير لايين، أما الجزء الثاني من الخطة، فيتعلق بأداة جديدة توفر قروضا بقيمة 150 مليار دولار للدول الأعضاء للاستثمار في مجال الدفاع.
وهنا، أوضحت رئيسة المفوضية الأوروبية أن الأمر يتعلق أساسا بالإنفاق الجماعي بشكل أفضل في مجالات الدفاع الجوي والصاروخي وأنظمة المدفعية والصواريخ ومسيرات الذخيرة والأنظمة المضادة للمسيرات، وهو ما سيسمح، حسبها، بتكثيف الدعم لأوكرانيا. في حين، يشمل الجزء الثالث استخدام ميزانية الاتحاد الأوروبي الحالية لتخصيص مزيد من التمويل للاستثمارات المرتبطة بالدفاع، بما في ذلك السّماح للدول الأعضاء بإعادة توظيف ما تسمى صناديق التماسك الهادفة للمساعدة في تنمية الدول الأوروبية الأكثر فقرا واستخدامها في الدفاع.