الوقت - منذ تلك اللحظة الفارقة في مسار التاريخ، حين أعلن الإمام الخميني(قدس سره) آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس، استحالت هذه المناسبة الجليلة إلى موسم عالمي يُستقبل في كل عام بحفاوة بالغة، تتجلى فيه لحمة الأمة الإسلامية وتآزرها مع الشعب الفلسطيني المكلوم، وتنبعث منه زفرات السخط وصيحات الاستنكار لفظائع الكيان الغاصب للقدس، والاستكبار العالمي المتواطئ معه.
بيد أن يوم القدس في العامين المنصرمين، وفي أتون المجزرة الرهيبة التي يقترفها الصهاينة في غزة، وسط صمت المحافل الدولية المريب ودعم الإدارة الأمريكية السافر، بات يكتسي حلةً مغايرةً ويتنفس عبيراً آخر. ويتأهب مسلمو المعمورة لإحياء يوم القدس هذا العام بزخم هادر، ليفصحوا عن غضبهم المتأجج من تخاذل الدول العربية والإسلامية عن نصرة النساء والأطفال العزل في غزة، ومن الاضطهاد الوحشي الذي يتعرض له الفلسطينيون في الضفة الغربية.
1. تجسيد وحدة الأمة الإسلامية ونصرة المقاومة الفلسطينية الباسلة
يشكّل التدفق الجماهيري الهادر في مواكب يوم القدس 2025، رداً صارماً على مساعي الأعداء لتمزيق نسيج الأمة الإسلامية وبث الفرقة في صفوفها، وفي خضم انتهاك الكيان الصهيوني الصارخ لوقف إطلاق النار، واستئنافه آلة الدمار في غزة وارتكابه فظائع تقشعر لها الأبدان، تغدو هذه المواكب والمسيرات المهيبة بمثابة استفتاء شعبي جارف ضد الاحتلال، ورسالة بليغة لمن تراودهم أحلام التطبيع مع نظام الفصل العنصري الصهيوني والتنكر للقضية الفلسطينية المقدسة، فحواها أن فلسطين لا تزال درة تاج قضايا العالم الإسلامي وجوهرته الثمينة.
2. إذكاء جذوة المقاومة في نفوس الشعب الفلسطيني وأهل غزة الصامدين
برهن أهل غزة الأباة والمقاومة الفلسطينية الباسلة على مدى ما يناهز 18 شهراً من مجابهة الهجمات الصهيونية الغاشمة، على قدرتهم الفائقة على الصمود والثبات، وأنهم استطاعوا بعزيمة لا تلين الوقوف شامخين في ميدان النزال، وإرباك الآلة العسكرية الصهيونية وتحطيم أحلام قادة تل أبيب في هذه المعركة المصيرية، غير أن أهل غزة الميامين بحاجة ماسة إلى سند سياسي ومؤازرة معنوية من الأمة الإسلامية، لدرء استمرار المخطط الخسيس لاستخدام سلاح التجويع واستهداف المدنيين والمخيمات، كما أن مسيرات يوم القدس تبعث برسالة مدوية للمجاهدين الفلسطينيين بأن الأمة الإسلامية قاطبةً تقف خلفهم صفاً واحداً، ولن تسمح بأن تمر هذه الجرائم النكراء دون قصاص عادل.
3. الإدانة العالمية لنقض العهود وتعرية وجه نتنياهو القبيح
قدّم نتنياهو وزمرته الصهيونية، بنكثهم للمواثيق الدولية وإصرارهم على سفك دماء المدنيين في غزة، صورةً جليةً لكيان متغطرس يدوس على القيم الإنسانية بأقدام من حديد، وتمثّل مسيرات يوم القدس فرصةً سانحةً لفضح هذه الفظائع على المنبر الدولي، والضغط على المؤسسات العالمية لاتخاذ موقف حازم لا هوادة فيه إزاء هذه الممارسات البربرية.
4. التأثير في موازين القوى السياسية والدبلوماسية
يضع الحشد الجماهيري المهيب في هذه المناسبة الجليلة، الدول الإسلامية وحتى الدول الغربية تحت وطأة ضغط هائل لمراجعة مواقفها المتخاذلة إزاء الفظائع الإسرائيلية، ويمكن لهذا الحدث المفصلي أن يدفع نحو تبني سياسات أشدّ صرامةً ضد الكيان الصهيوني، وتشديد العقوبات الرادعة، وحتى ملاحقة مجرمي الحرب في أروقة المحاكم الدولية.
5. توجيه رسالة صارخة لداعمي الكيان الصهيوني
سيرغم الحشد الجماهيري الهادر للمسلمين ودعاة العدالة في مسيرات يوم القدس، وسائل الإعلام العالمية على تسليط الضوء على القمع المنهجي للطلاب المناصرين لفلسطين في أمريكا وسائر الدول الغربية، ومن شأن هذا أن يصعّد من ضغط الرأي العام على الحكومات الغربية، ويرفع التكلفة السياسية الباهظة لدعم الكيان الصهيوني.
ستدرك الدول التي لا تزال تمدّ يد العون لـ "إسرائيل"، كالولايات المتحدة وثلة من الدول الأوروبية، حين تشهد الملايين المؤلفة من المسلمين وأحرار العالم يتدفقون في هذه المناسبة العظيمة، مدى مقت الرأي العام وازدرائه لسياساتها المنحازة لتل أبيب.
يوم القدس… منارة عالمية للاحتجاجات المناهضة للصهيونية
ليس يوم القدس مجرد مناسبة عابرة، بل هو بوتقة تنصهر فيها الحركات المناهضة لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي في شتى أصقاع المعمورة.
يُحيى اليوم العالمي للقدس 2025 في ظروف استثنائية بلغت فيها موجة الاحتجاجات المناهضة للصهيونية في ربوع الدول الغربية، وخاصة في صروح الجامعات الأمريكية، ذروتها القصوى.
تواجه هذه الحركات النبيلة، التي يقودها طلاب الجامعات وثلة من طالبي حقوق الإنسان، ضغوطاً عاتيةً من الحكومة الأمريكية، وبالأخص إدارة ترامب المتغطرسة.
تمثّل محاولات اقتلاع الطلاب المؤيدين للقضية الفلسطينية من جذورهم، وتجميد نشاط المجموعات الطلابية المناهضة للصهيونية، وقمع الاحتجاجات الشعبية بوحشية، جزءاً من السياسات المتصاعدة التي تُمارس بضراوة ضد كل صوت يرتفع معارضاً للكيان الصهيوني، بيد أن يوم القدس يتيح فرصةً فريدةً لرصّ صفوف هذه القوى، وتعزيز المقاومة العالمية ضد الاحتلال والقمع الصهيوني.
يستطيع الطلاب والناشطون في ميدان حقوق الإنسان في الغرب، وخاصة في أمريكا، أن يستلهموا من هذا اليوم الأغر روح النضال لتنظيم احتجاجاتهم في صورة مواكب ومسيرات مهيبة وتجمعات حاشدة وأعمال رمزية مؤثرة، تتزامن مع مظاهرات يوم القدس في أرجاء العالم الإسلامي.
إن سياسات ترامب الجائرة لاجتثاث الطلاب المحتجين، تمثّل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، وتكميماً للأفواه، وتقييداً لحرية التعبير وحق الاحتجاج السلمي في أمريكا، التي طالما تشدقت بالحرية، ويمكن ليوم القدس أن يتحول إلى منبر عالمي لإدانة هذه السياسات القمعية، ومن خلال شبكات حقوق الإنسان الدولية، يمكن فضح هذا القمع المنهجي على المستوى العالمي.
بالتزامن مع يوم القدس، تستطيع الحركات الطلابية تصعيد حملات مقاطعة الجامعات المتواطئة مع الكيان الصهيوني، ويمكن لحركة المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية والثقافية لـ "إسرائيل"، المعروفة باسم حركة BDS (المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات)، التي تشهد تنامياً متسارعاً، أن تتخذ من يوم القدس نقطة انعطاف تاريخية لتجديد زخمها، وتوسيع نطاق أنشطتها النضالية.
