الوقت - تصاعدت التوترات بين السودان والإمارات في الأيام الأخيرة بعد أن اتهمت الخرطوم أبوظبي بإنشاء "قاعدة عدوان" في جنوب السودان تحت غطاء مستشفى ميداني، وتفاقمت الأزمة مع رفع السودان دعوى أمام محكمة العدل الدولية، متهمًا الإمارات بالتواطؤ في الإبادة الجماعية بسبب دعمها لقوات الدعم السريع، وبينما نفت الإمارات هذه الاتهامات ووصفتها بـ"الحيلة الدعائية"، تتزايد الضغوط الدولية، مع تحركات أمريكية لتعطيل مبيعات الأسلحة إلى أبوظبي.
اتهم وزير المعادن السوداني، محمد بشير أبو نمو، حكومة جنوب السودان بالسماح للإمارات بإنشاء قاعدة عسكرية في منطقة أويل الشرقية، على بعد 64 كيلومترًا من الحدود السودانية، وأشار إلى أن هذه القاعدة تأتي تحت غطاء مستشفى ميداني افتتحه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان.
في منشور عبر فيسبوك، شكك أبو نمو في الدوافع الإماراتية وراء بناء المستشفى في هذه المنطقة الحدودية، مشيرًا إلى منشآت مشابهة في تشاد يقال إنها تُستخدم لعلاج مقاتلي الدعم السريع وتخزين الأسلحة، كما اتهم أبوظبي بالتدخل في الشؤون الداخلية للسودان ودعم الميليشيات المسلحة، معتبرًا أن الهدف الرئيسي من هذه المنشأة هو تزويد الدعم السريع بالمعدات العسكرية تحت غطاء الهلال الأحمر الإماراتي.
الدعوى السودانية أمام محكمة العدل الدولية
رفعت الحكومة السودانية دعوى رسمية أمام محكمة العدل الدولية، متهمة الإمارات بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية، ومطالبة بتعويضات عن الأضرار الناجمة عن التدخل الإماراتي في الصراع السوداني، وزعمت الخرطوم أن الدعم العسكري والمالي الذي تقدمه الإمارات لقوات الدعم السريع ساهم في عمليات القتل والتهجير القسري، وخاصة في إقليم دارفور.
وأكدت المحكمة الدولية تسلمها الشكوى السودانية، والتي تركز بشكل خاص على الانتهاكات التي تعرضت لها قبيلة المساليت، متهمة قوات الدعم السريع بارتكاب مجازر وصفت بأنها تطهير عرقي.
الإمارات تنفي والولايات المتحدة تفرض ضغوطًا
سارعت الإمارات إلى نفي الاتهامات السودانية، ووصفتها بأنها "ادعاءات باطلة"، وقالت وزارة الخارجية الإماراتية إن السودان يحاول تصدير أزمته الداخلية عبر تحميل أبوظبي مسؤولية النزاع المستمر، كما أكدت أنها ستتخذ خطوات قانونية لإبطال الدعوى أمام محكمة العدل الدولية.
لكن الاتهامات السودانية وجدت صدى في واشنطن، حيث كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن تحركات رسمية لمعاقبة الإمارات على دعمها للميليشيات السودانية، وذكرت الصحيفة أن النائب الديمقراطي غريغوري ميكس قام بتجميد مبيعات الأسلحة إلى أبوظبي منذ أواخر العام الماضي بسبب دورها في الحرب الأهلية السودانية.
كما يخطط أعضاء في الكونغرس، مثل السيناتور كريس فان هولين والنائبة سارة جاكوبس، لتقديم تشريعات تهدف إلى حظر مبيعات الأسلحة الأمريكية للإمارات، وأكد فان هولين أن مسؤولين أمريكيين أبلغوه بأن الإمارات تزود قوات الدعم السريع بالأسلحة، ما يتناقض مع التصريحات الرسمية لأبوظبي.
انعكاسات القضية على العلاقات الدولية
يمثل التحرك السوداني أمام محكمة العدل الدولية تحولًا كبيرًا في موقف الخرطوم من أبوظبي، بعد سنوات من التعاون الوثيق بين البلدين، ويبدو أن السودان يسعى لانتزاع إدانة دولية للإمارات، بينما تحاول أبوظبي التهرب من المسؤولية بأي ثمن.
وفي ظل الضغوط الأمريكية المتزايدة، قد تواجه الإمارات تحديات قانونية وسياسية تعيد رسم تحالفاتها في المنطقة، الأيام القادمة ستحدد ما إذا كانت محكمة العدل الدولية ستتخذ خطوات فعلية ضد الإمارات، أم إن نفوذها السياسي والاقتصادي سيمنع محاسبتها.
القضية بين السودان والإمارات تكشف عن تعقيدات الصراع الإقليمي في القرن الأفريقي، حيث تتداخل المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبينما تتزايد الدعوات الدولية لتحقيق شفاف في دور الإمارات في السودان، تبقى التساؤلات مطروحة حول مدى قدرة المجتمع الدولي على محاسبة القوى الإقليمية المتورطة في النزاع.