الوقت - دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لمساءلة جميع المسؤولين والأفراد الإسرائيليين المتورطين في جريمة القتل العمد لـ15 مسعفًا ومستجيبًا أول من الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني، وموظفًا تابعًا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، في إطار الهجوم المنهجي واسع النطاق الذي تشنّه إسرائيل ضد الكوادر الطبية والإنسانية والأممية المحمية بموجب القانون الدولي.
ووصف المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي الجريمة بـ”أكبر عملية إعدام جماعي لعاملين إنسانيين في تاريخ الحروب الحديثة”، مؤكدًا أنّ الأدلة الميدانية تشير إلى أنّ القوات الإسرائيلية أعدمت ميدانيًا جميع الضحايا، وهم 8 مسعفين من الهلال الأحمر الفلسطيني، و6 من طواقم الدفاع المدني، وموظف تابع لـ”أونروا”، ثم دفنت معظم جثثهم في حفرة عميقة طُمرت بالرمال، بعد أن دَمّرت مركباتهم بالكامل، في مشهد مروّع يشكّل انتهاكًا جسيمًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، وجريمة مركزية في صلب الإبادة الجماعية المتواصلة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ هذه الجريمة تأتي امتدادًا لسلسلة من الاعتداءات المتعمدة التي استهدفت الكوادر الطبية والإنسانية منذ 7 تشرين أول/ أكتوبر 2023، إذ قتلت إسرائيل 111 من عناصر الدفاع المدني، و27 من مسعفي الهلال الأحمر، وأكثر من 1400 من أفراد الطواقم الطبية، ضمن حملة منظّمة تستهدف شلّ البنية الصحية والإغاثية في قطاع غزة، كوسيلة لتدمير الفلسطينيين في غزة وتفكيك مقومات بقائهم.
وفي تفاصيل الجريمة وفق البيان، توجهّت صباح يوم الأحد 23 آذار/ مارس 2025 مركبة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني إلى منطقة “الحشاش” في رفح لإجلاء الجرحى والمصابين جراء الهجمات الإسرائيلية، إلا أنّها تعرّضت لوابل كثيف من نيران قوات الاحتلال، ما أسفر عن إصابة أفراد الطاقم الطبي داخلها. ومع تفاقم الوضع، تم إرسال ثلاث مركبات إسعاف إضافية لإجلاء المصابين، بما في ذلك أفراد الطاقم الذين أصيبوا في الهجوم الأول. ومع ذلك، فرضت قوات الاحتلال طوقًا أمنيًا محكمًا على المنطقة بشكل مفاجئ، مما أدى إلى انقطاع الاتصال بالكامل مع جميع أفراد الطواقم الطبية منذ ذلك الحين.
وفي صباح اليوم نفسه، تلقّى طاقم إنقاذ تابع للدفاع المدني في حي تلّ السلطان برفح نداءات استغاثة عاجلة للتوجّه إلى منطقة الحشّاش، عقب توغّل مفاجئ لقوات الاحتلال ووقوع عشرات الشهداء والجرحى، فضلًا عن محاصرة الطواقم الطبية في الموقع. استجاب للنداء فريق مكوّن من ستة من رجال الدفاع المدني، إلا أنّ الاتصال انقطع بهم كذلك بعد وقت قصير.
وفي مساء اليوم نفسه، أفرجت قوات الاحتلال عن أحد أفراد الطواقم بعد تعرّضه للضرب المبرح، فيما بقي مصير تسعة من مسعفي الهلال الأحمر، وستة من عناصر الدفاع المدني، وموظف تابع لـ”أونروا”مجهولًا.
وفي يوم الجمعة 28 آذار/ مارس، وبعد تنسيق عبر جهات دولية، تمكّنت طواقم الإسعاف والدفاع المدني من دخول المنطقة، حيث عُثر على جثة مسؤول المهمة، الضابط في الدفاع المدني “أنور عبد الحميد العطار”، وقد تمزقت إلى أشلاء. كما اكتشفت الطواقم أنّ مركبات الإسعاف والإطفاء والهلال الأحمر كانت قد دُمّرت بالكامل، وتحولت إلى كتل من الحديد المحترق.
وفي موقع الجريمة، عُثر على بقايا ممزقة من أدوات السلامة الخاصة بالمسعفين، ما يشير إلى استهدافهم المباشر رغم تمتعهم بالحماية التي يكفلها القانون الدولي الإنساني. كما أظهرت الأدلّة أنّ قوات الاحتلال لم تكتفِ بقتلهم، بل عمدت إلى طمس معالم الجريمة من خلال إخفاء جثث الضحايا ودفنها باستخدام الجرافات والآليات الثقيلة.
وفي أول أيام عيد الفطر، يوم الأحد 30 آذار/ مارس 2025، تمكّنت الطواقم من انتشال جثث ثمانية من مسعفي الهلال الأحمر، في حين ما يزال أحد أفراد الطاقم في عداد المفقودين، ويُعتقد أنه محتجز لدى الجيش الإسرائيلي. كما عُثر على جثث ستة من عناصر الدفاع المدني، إلى جانب جثة موظف “أونروا”.
وأوضح أنّ الضحايا من الهلال الأحمر الفلسطيني هم: “مصطفى خفاجة”، “عز الدين شعت”، “صالح معمر”، “رفعت رضوان”، “محمد بهلول”، “أشرف أبو لبدة”، “محمد الحيلة”، و”رائد الشريف”.
أما الضحايا من الدفاع المدني فهم: زهير عبد الحميد الفرا (سائق إطفاء)، سمير يحيى البحابصة (ضابط إطفاء)، إبراهيم نبيل المغاري (ضابط إطفاء)، فؤاد إبراهيم الجمل (سائق إسعاف)، يوسف راسم خليفة (ضابط إسعاف). وأما موظف “أونروا” فهو “كمال محمد شحتوت”.
في إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال “سفيان أحمد”، أحد أفراد الدفاع المدني المشاركين في مهمة استخراج جثامين الضحايا: “بعد الحادثة مباشرة، دخلنا برفقة طواقم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى موقع الحادثة غربي رفح، حيث أبلغ الجيش الإسرائيلي “أوتشا” أنّ جثامين الضحايا توجد إلى جانب عامود كهرباء بجوار سيارة الإطفاء. باشرنا أعمالنا، وأجرينا أعمال حفر بواسطة جرّاف صغير في الموقع الذي حدده الجيش فوجدنا جثة واحدة، وبعد معاينتها تبيّن أنها جثة قائد المهمة “أنور عبد الحميد العطار”.
وأضاف “أجرينا من خلال “أوتشا” اتصالًا بالجيش وسألنا عن مكان الجثث الأخرى، وردّ أنّها موجودة بجانب عامود الكهرباء في نفس الحفرة التي أخرجنا منها جثة “العطار”. واصلنا البحث وعمّقنا الحفرة ولم نجد شيئًا، وانتهى الوقت الممنوح لنا من الجيش فاضطررنا إلى مغادرة المكان”.
وتابع “توجّهنا في اليوم التالي إلى المكان وانتظرنا بموقع قريب في انتظار موافقة الجيش لدخول المكان، وبعد خمس ساعات تقريبا، أُبلغنا برفض الدخول فغادرنا المكان. توقّعنا بعدها بيوم السماح لنا بدخول المكان، ولكن أيضا لم تصلنا الموافقة، ومكثنا عدة أيام حتى جاءت الموافقة أمس الأحد ودخلنا المكان، وأُبلغنا أنّ الجيش سيكون برفقتنا حتى يبلغنا عن مكان دفن الجثث ونباشر عملية الحفر”.