الوقت- أدى إعطاء الأولوية للعلاقات الاقتصادية مع الجيران في التجارة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى نمو تدريجي في حجم الصادرات والواردات مع الدول المجاورة في السنوات الأخيرة وتطورات في العديد من مجالات العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف لإيران مع هذه الدول.
وفي الوقت نفسه، شهدت العلاقات الاقتصادية بين إيران والعراق، باعتبارهما دولتين متجاورتين تربطهما علاقات تاريخية وثقافية ودينية، تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، وكان لهذه العلاقات تأثير ليس فقط على المبادلات التجارية، بل أيضا على مجالات الطاقة والاستثمار والتعاون النقدي والمصرفي والبنية التحتية، وخاصة النقل والممرات العابرة.
ورغم التأثيرات الإيجابية والمهمة لتعزيز هذه الشراكة الاقتصادية الواسعة في تخفيف المؤامرات الأمريكية والضغوط السياسية والاقتصادية على البلدين، فإن قادة واشنطن واستراتيجييها خططوا في أوقات مختلفة لتخريب وتعطيل هذه العملية.
والآن، بعد نحو شهرين من عودة ترامب إلى البيت الأبيض وشن حرب اقتصادية ضد الدول المنافسة، وخاصة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما كان متوقعا، أصبح العراق أحد المراكز الأولى لسياسة ما تسمى "الضغوط القصوى" ضد إيران، ووفقا لوزارة الخارجية الأمريكية، أنهى البيت الأبيض إعفاء العراق من العقوبات لشراء الكهرباء من إيران اعتبارا من أمس.
إحصائيات وحجم التجارة الإيرانية مع العراق في عام 1403 هـ
تعتبر إيران والعراق الشريكين الاقتصاديين الرئيسيين لبعضهما البعض، حيث يعد العراق ثاني أكبر شريك اقتصادي لإيران.
وحسب الإحصائيات فإن صادرات إيران غير النفطية إلى العراق بلغت 10.650 مليارات دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، وبناء على هذا الاتجاه، فمن المتوقع أن تصل صادرات إيران إلى العراق بحلول نهاية عام 1403 إلى نحو 12.5 إلى 13 مليار دولار، ويمثل هذا زيادة كبيرة مقارنة بالعام السابق.
العراق، باحتياطيات من النقد الأجنبي تبلغ نحو 85 مليار دولار، واحتياطيات من الذهب تزيد على 130 طناً، واحتياطيات مؤكدة من النفط تعادل 147 مليار برميل، وسكان مستهلكين كبيرين يبلغ عددهم 45 مليون نسمة يتطلبون الاستيراد في كل القطاعات الاقتصادية تقريباً، بما في ذلك الزراعة والأغذية والأدوية والآلات الصناعية والمعادن والبتروكيماويات ومواد البناء، وقطاع الخدمات، يشكل سوقاً جذابة للغاية لشركائه الاقتصاديين، وفي الوقت نفسه، تتمتع إيران بميزة نسبية في هذا الصدد، وذلك بفضل العلاقات التاريخية، والتقارب الثقافي، والتحالف السياسي، والحدود البرية الأطول مع هذا البلد.
ومن أهم الصادرات الإيرانية إلى العراق هو الغاز الطبيعي، بلغت قيمة صادرات الغاز الطبيعي الإيراني إلى العراق 1.210 مليون دولار في الربع الأول من عام 2024، ويعتبر العراق أيضًا مستوردًا للكهرباء من إيران.
وتبلغ واردات العراق من الكهرباء من إيران أيضاً نحو 1200 ميغاواط، ولكن في عام 2023 انخفضت هذه الكمية إلى 625 ميغاواط بسبب احتياجات إيران المحلية، حيث توفر إيران حوالي 4% فقط من استهلاك العراق من الكهرباء.
وتأتي في المرتبة التالية صادرات قضبان الحديد والصلب بقيمة 176 مليون دولار، والبلاط السيراميكي بقيمة 55 مليون دولار.
وفي عام 2024، وقعت إيران والعراق اتفاقيات عديدة في مختلف المجالات بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي وزيادة حجم التجارة. وتشمل هذه الاتفاقيات تطوير البنية التحتية للطاقة، وزيادة التبادلات التجارية، والتعاون المصرفي والمالي، وتسهيل العمليات الجمركية، الهدف الرئيسي من هذه الاتفاقيات هو الوصول إلى حجم تجارة يبلغ 40 مليار دولار بين البلدين في المستقبل القريب.
تأثير إلغاء الإعفاءات من العقوبات الأمريكية على العلاقات الاقتصادية الإيرانية العراقية
في الـ 9 من مارس 2025، ألغت إدارة ترامب الإعفاءات من العقوبات التي سمحت للعراق بشراء الكهرباء والغاز من إيران، وقد يكون لهذا الإجراء آثار سلبية على العلاقات الاقتصادية بين البلدين ويخلق تحديات للحكومة العراقية، لأن العراق يعتمد على استيراد الطاقة من إيران، وقد أدت المزايا الاقتصادية والأمنية والسياسية لتلبية احتياجات الطاقة عبر إيران إلى فشل كل خطط الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين للقضاء على حاجة بغداد إلى استيراد الطاقة من إيران.
وبالإضافة إلى الطاقة، تتمتع السلع الإيرانية بمكانة مهمة في السوق العراقية بسبب قربها الجغرافي وانخفاض أسعارها وتنوعها. وحتى أثناء العقوبات، استمر تصدير البضائع الإيرانية إلى الأسواق العراقية.
وبالتالي فإن إلغاء الإعفاءات قد يؤدي إلى نقص الطاقة وزيادة أسعار السلع والخدمات في العراق، ما يزيد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على البلاد.
وبناء على ذلك، أثارت التحركات الأمريكية الجديدة في الأيام الأخيرة قلق المسؤولين في الحكومة العراقية، حيث أعلن رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي عطوان العطواني، أن الحكومة أبدت في لقاء مع القائم بأعمال السفارة الأمريكية، معارضتها لهذه الخطوة، لأن وقف استيراد الغاز ستكون له عواقب كارثية على الشعب العراقي، وخاصة في فصل الصيف، حيث سيؤدي هذا الأمر إلى انهيار منظومة الكهرباء الوطنية، في ظل نقص البدائل حاليا.
ودعا الحكومة الأمريكية إلى إعادة النظر في العقوبات المستمرة المفروضة على البنوك المحلية العراقية بما يتلاءم مع سياسة الضغط التي تمارسها وزارة الخزانة الأمريكية على القطاع المالي والمصرفي العراقي.
في هذه الأثناء، هناك قضية مهمة للغاية وهي تأثير الضغوط السياسية والعقوبات الأمريكية على المعاملات النقدية والمصرفية بين البلدين، والتي أدت إلى عدم قدرة العراق على دفع ثمن الطاقة المستوردة من إيران في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تراكم الديون بمليارات الدولارات، ولم يعرف المبلغ الدقيق لهذا الدين، لكن بعض التكهنات وضعت ديون الغاز العراقي لإيران بين 9 و11 مليار دولار منذ العام الماضي.
منذ عام 2003، وبناء على قرار مجلس الأمن رقم 1483، تم وضع عائدات النفط العراقي في حساب خاص يسمى صندوق تنمية العراق، وهو تابع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ومن ثم يتم توفير هذه المبالغ للبنك المركزي العراقي، وقد أدت هذه العملية إلى الهيمنة المالية الأمريكية واعتماد العراق النقدي الدائم على الدولار، كما وفرت للحكومات الأمريكية المختلفة نفوذاً كبيراً لفرض سياساتها المرجوة وإجبار بغداد على تنفيذها، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك عدم قدرة الحكومات العراقية على سداد ديونها لإيران.
وللحفاظ على هذه العلاقات وتطويرها، من الضروري أن يتجه البلدان نحو تحقيق الأهداف المشتركة من خلال تعزيز التعاون الثنائي، وخاصة في القطاع المصرفي لاستخدام العملات المحلية، واتفاقيات المقايضة (أكثر من 35 في المئة من الاقتصاد العالمي يعتمد حاليا على المقايضة)، وتنويع المبادلات التجارية، وتقليل الاعتماد على العوامل الخارجية.