الوقت- تزامن الإحتفال الإماراتي مؤخراً في العيد الوطني الثالث والأربعين لاتحاد إماراتها السبع مع حديث للعديد من المراقبين والمهتمين عن وجود "طفرة" سياسية للإمارات في سياستها الخارجية، خاصةً أنه لم يعد يخفى دورها السياسي المتعاظم على أي متابع للشأن الإقليمي في الأعوام الأخيرة.
إمتازت العقود الثلاثة الأولى من عمر دولة الإمارات- مرحلة التأسيس – بـ"التروي" والرقص على تناقضات المنطقة الغنية بالنفط والتجاذبات الدولية المعقدة، وإقتصر حضورها الخارجي على الصعيد الإنساني والإغاثي، لكن بعد وفاة الشيخ زايد، وتولى الشيخ خليفة بن زايد رئاسة الدولة، اتخذت الإمارات سياسة أكثر "صقورية"، ما أتاح الفرصة للشيخ محمد بن زايد ولي العهد أن يمسك بزمام الملفات الاستراتيجية على صعيد إمارة أبوظبي والدولة الإماراتية بشكل عام.
دولة الإمارات التي لا تتجاوز مساحتها 86716 كلم مربع وبعدد سكان يبلغ حوالي 8.3مليون نسمة بينهم 948 ألف مواطن اماراتي فقط، وصل الناتج المحلي الإجمالي فيها إلى أكثر من 412 مليار دولار. القوة المالية الكبيرة انعكست على دورالإمارات وسياستها الخارجية في المنطقة، خاصة بعد تراجع دور القوى التقليدية إثر "ثورات الربيع العربي"، وهنا الحديث عن الدور المصري وبدرجة أقل الدور السعودي.
كذلك لعبت الأحداث التي مرت بها المنطقة دورا في تسريع "الصعود السياسي" لدور أبو ظبي وحضورها الإقليمي العربي والدولي على حد سواء، وتحدثت مصادر في الكونغرس الأمريكي عن رغبة الإمارات في تبني مشروع تشكيل “محور اعتدال إسلامي” يضم القاهرة وأبوظبي وجماعات التصوف السني إضافة إلى رموز التصوف الشيعي، وقد كان تدشين "مجلس حكماء المسلمين" في أبوظبي، خطوةً أولى على طريق إستهداف الدور الديني للسعودية(الوهابي) الذي تستمد منه الشرعية في الحكم من ناحية، وجماعة الإخوان المسلمين"الإهابية" لدى الإمارات من ناحية آخرى. فما هي حقيقة الدور الإماراتي التي تتقاذفه التهم من كل حد وصوب؟ هل هو حيوي مهم كما يصفه البعض، أم تآمري مشبوه؟
لم يمكن حصر الدور الإماراتي في بلدهنا، أو منطقة هناك، بل شمل العديد من دول المنطقةً بدءاً من مصر وليبيا، مروراً باليمن وسلطنة عمان وصولاً إلى مواجهة الإخوان وضرب تنظيم داعش الإرهابي.
مصر الحليف الأقوى..وحفتر
تعتبر مصر الحليف الاقوى للإمارات حالياً في المنطقة، تقدم الأخيرة مساعدات للقاهرة تقدّر بمليارات الدولارات، حتى ان التقارب الإماراتي –المصري غدى يتفوق على نظيره الإماراتي الخليجي بأضعاف مضاعفة، وعند الحديث عن العلاقة بين الإمارات ومصر لا يمكن تجاهل دور أبوظبي في دعم السيسي وعزل الرئيس السابق محمد مرسي وضرب الإخوان المسلمين. الصقر الإماراتي أيضاً رحل بعيداً وحط في الآونة الأخيرة على ليبياً، حيث يؤكد مسؤولون أمريكيون قيام سلاح الجو الإماراتي بشن غارات دعما للواء المنشق خليفة حفتر(قائد أركان الجيش الليبي حالياً) ضد أطراف ليبية أخرى.
دور بن زايد في اليمن
لم يغب "صقر" الإمارات محمد بن زايد عن اليمن، حيث أشارت مصادر خليجية إلى أن رئيس الديوان الملكي، ووزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، واجه ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد خلال زيارته للسعودية، بمعلومات تفيد رفض أبوظبي أكثر من مرة لطلب الرئيس عبدربه منصور هادي، إجراء لقاءات مع مسؤولي الإمارات ، إلا أنه فشل في ذلك، بسبب تعنت المسؤولين الإماراتيين وطرحهم شروطًا تعجيزية لمقابلته كانت تصب أساسًا في مصلحة"أنصار الله".
التهمة السعودية لأبوظبي حمّلت الاخيرة مسؤولية ما آل إليه الوضع باليمن، حيث يؤكد المصدر نفسه أن الرياض لديها أدلة موثقة تثبت مشاركة مسؤولين سياسيين وأمنيين من دولة الإمارات في دعم السفير اليمني لديهم أحمد نجل علي عبدالله صالح، للقيام باستقطابات في الجيش والأمن اليمنيين، وبناء شبكات إعلام، واستمالة واستقطاب وجهاء القبائل، الأمر الذي ساهم في إسقاط الدولة اليمنية وتسلّم أنصار الله مقاليد الحكم في اليمن، حسب رأي السعودية.
الجارة سلطنة عمان
السياسة الإماراتية الجديدة التي يقودها ولي عهد إمارة أبوظبي محمد بن زايد، حطت رحالها عند الجارة "سلطنة عمان" للمرة الثانية على التوالي في أقل من 5سنوات، فبعد أن اتُهم بن زايد بمحاولة تدبير انقلاب كاد أن يطيح بقابوس عام ۲۰۱۱، قبل أن تتصدى لها الأجهزة الأمنية العمانية، عادت مسقط مؤخراً لإتهامه بشراء أراض وولاءات قبلية من المحافظات العمانية المحاذية لحدودها أبرزها مدحاء التي تقع بالكامل داخل الأراضي الإماراتية، ومسندم التي تقع على مضيق باب المندب الإستراتيجي، مستغلاً بذلك سفر السلطان قابوس لتلقي العلاج في الخارج.
العداء للإخوان
تخشى الإمارات من أي تعزيز لدور الإخوان في المنطقة، لأنه سيكون على حساب حكام الإمارات نظراً لتواجد هذه الجماعة في الداخل بقوة تحت مسمّى دعوة الإصلاح(جمعية الإصلاح)، لذلك شكّل العداء لجماعة الإخوان المسلمين ركيزةً أساسية في سياسة الإمارات الخارجية خشية من تهديدها للحكم، فعندما نطالع أي دور إماراتي في المنطقة نرى أنه يقف بالكامل في وجه الجماعة وإخوانها حتى لو كان الكيان الإسرائيلي طرفاً في المواجهة. تصريحات وزير خارجية الكيان الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان تؤكد هذا الواقع، حيث أوضح ليبرمان أن بلاده حظيت إبان العدوان الإسرائيلي على غزة الصيف الماضي، بدعم الإمارات للحملة العسكرية الإسرائيلية ضد غزة بهدف القضاء على حماس.
يبدو أن الدور الإماراتي تدرج صعوداً فتصعيداً خلال فترة ما يسمى بـ"الربيع العربي"، ولا تزال المؤشرات على الرغبة في استمرار هذا الدور تظهر شيئاً فشيئا خاصةً أنها تشارك بقوة في التحالف الدولي فيما يسمى "الحرب على الإرهاب" ضد تنظيم داعش، وهو ما يؤكد أن الصعود السياسي للإمارات لا يزال قابلاً للاستمرار ووصول مديات أكثر خطورة وتصعيدا مما هي عليه الآن وبالتحديد بعد وفاة عبدالله وعزل محوره المقرّب من الإمارات.الآن علينا إنتظار الساحة الجديدة في سياسة الإمارات الجديدة، والسعودية قد تكون حلقتها الاخيرة. باختصار الإمارات تريد أن تلعب دور قوة عظمى في الشرق الأوسط ..على شاكلة قطر.
