الوقت- تشترك دول مجلس التعاون "الكويت والسعودية وقطر والإمارات والبحرين وسلطنة عمان" بعدة خصائص فيما يتعلق بمحيطها الأمني من أهمها شعورها المستمر بالتهديد من الدول المجاورة لاسيّما العراق وإيران.
وقد زاد هذا الشعور بعد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 لاسيّما لدى السعودية التي تتبنى الفكر الوهابي الذي ينظر إلى الشيعة كمنافس أيديولوجي لها في المنطقة.
وتعتقد السعودية إن الثورة الإسلامية تشكل خطراً على وجودها لأن الفكر الشيعي الذي تتبناه إيران يدعو إلى التحرر من سلطة الحاكم إذا لم يكن يتحلى بالصفات التي يؤمن بها هذا الفكر وفي مقدمتها نصرة قضايا المستضعفين والتصدي للمحاولات الاستكبارية التي تسعى للهيمنة على مقدرات المنطقة.
من جانبها تعتقد إيران بأنّ السعودية التي تحظى بالدعم الخارجي لاسيّما الأمريكي تسعى لضرب وحدة المسلمين وإذكاء النزاعات بين دولهم عبر إثارة النعرات الطائفية بين السنّة والشيعة خدمة للمصالح الصهيوأمريكية في المنطقة.
كما تعتقد طهران بأن الرياض ساهمت بتشكيل الجماعات الإرهابية كـ "داعش" و "القاعدة" من خلال الدعم المالي واللوجستي لتكريس النزعة الطائفية بين المسلمين خدمة للمشروع الغربي الرامي إلى تمزيق دول المنطقة ونهب خيراتها والاستحواذ على مقدراتها.
وتتميز دول مجلس التعاون أيضاً بأنها تفتقد إلى القوة العسكرية المؤثرة والفاعلة رغم النفقات الطائلة التي تخصصها لشراء الأسلحة من مصادر غربية وشرقية. وما جرى في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1984 أثناء قمة مجلس التعاون في الكويت، حيث تم الاكتفاء بالإشارة إلى أن الدول الأعضاء تقوم بإنشاء قوات موحدة ضمن تشكيلات مسلحة رمزية تمثل جيوش البلدان المذكورة كافٍ لبيان هذه الحقيقة. فجيوش هذه الدول لا تتمتع بتجارب كافية تمكنها من التصدي لوحدها لأيّ تهديد خارجي ما لم تستعن بقوى خارجية كما حصل في غزو العراق للكويت عام 1990، حيث إستعانت الأخيرة بالقوات الأمريكية وقوات الدول الحليفة لها لإخراج القوات العراقية من أراضيها.
ومن الأمثلة الأخرى في هذا المجال إستعانة السعودية التي تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة بالكثير من الدول العربية والغربية وعلى رأسها أمريكا في شن العدوان على اليمن دون أن تتمكن من تحقيق أهدافها رغم الفارق الكبير في الإمكانات العسكرية والمادية بين الجانبين.
كما تتميز القوات العسكرية في معظم دول مجلس التعاون باستعانتها بقوى أجنبية لمواجهة أيّ تحرك شعبي ضد أنظمة هذه الدول، كما حصل ويحصل في البحرين التي إستعانت بقوات باكستانية وأردنية ومغربية وقوات "درع الجزيرة" التي تقودها السعودية لقمع ثورة الشعب البحريني المطالبة بالإصلاحات والتغيير السياسي.
ومن أجل التعويض عن ضعفها العسكري عمدت دول مجلس التعاون إلى تشكيل تحالف أمني فيما بينها للدفاع عن أراضيها في حال تعرض أيّ منها لهجوم خارجي. كما أعلنت دول المجلس الستة عن تشكيل تحالف أمني آخر ضمّ أيضاً سوريا ومصر والذي عرف باسم "إعلان دمشق" أو إتفاق "6+2".
وعقدت بلدان مجلس التعاون إتفاقيات عسكرية ضخمة مع الدول الغربية لاسيّما مع أمريكا وبريطانيا وفرنسا وقامت كذلك بشراء أسلحة بمئات المليارات من الدولارات طيلة العقود الماضية. كما وضعت أجزاء من أراضيها تحت إختيار الدول الغربية لإنشاء قواعد عسكرية، وأجرت مع هذه الدول الكثير من المناورات العسكرية المشتركة في مختلف الصنوف البريّة والبحريّة والجويّة.
وتسببت الخلافات الحدودية بين العديد من دول مجلس التعاون باندلاع أزمات سياسية وعسكرية بين هذه الدول كما حصل بين السعودية وقطر، والسعودية والإمارات، والتي كادت أن تتحول إلى حروب كارثية لولا تدخل أطراف أخرى لتهدئة الأوضاع بين هذه الدول. ويعد إلتجاء البحرين وقطر إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لحل الخلاف الحدودي بينهما مؤشراً كافياً على مدى عمق هذه الخلافات.
وتعتقد معظم بلدان مجلس التعاون بأن أيّ إتفاق أمني أو عسكري بين دولتين من داخل المجلس أو خارجه سيكون على حساب أمنها واستقرارها، ولهذا تعارض عقد مثل هذه الاتفاقات لخشيتها من تداعياتها على أرض الواقع. وهذا الأمر ساهم إلى حد كبير في زعزعة الثقة بين دول المجلس إلى المستوى الذي دفعها لعقد إتفاقيات عسكرية منفصلة مع قوى من خارج المنطقة وإبرام صفقات أسلحة ضخمة معها لاسيّما مع أمريكا وبريطانيا وفرنسا. وهو ما أدى بدوره أيضاً إلى زعزعة الأمن والاستقرار في عموم المنطقة.
ويمكن القول بأن جوهر الخلل الأمني في عدم قدرة دول مجلس التعاون في الدفاع عن نفسها وتأمين حمايتها عسكرياً يتمثل في أن كلاً منها يجد أمنه في التحالف مع دول عظمى، وإعطائها تسهيلات عسكرية دون النّظر إلى مصالح الدول الأخرى في المنطقة، أو النظر إليها على أنها علاقة صداميّة تشهد أحياناً قدراً من التقاطع، وأحياناً أخرى تمرّ بظروفٍ متنافرة لا تنفع في تحقيق مصالح مشتركة. ولم يكن مجلس التعاون في يوم من الأيام يعبر عن حالة من أنماط التعاون الإقليمية، بل على العكس فإنه يمثل نمطاً إنعزالياً، ولهذا فإن التنسيق معه في المجال الأمني أمر غير وارد في ظل الظروف الحالية والحقائق المتعلقة بطبيعة الأنظمة السياسية التي تحكم دول المجلس. ومن هنا ينبغي التأكيد على أن عدم التفكير بأيّ خطوة تعاونية ذات مغزى وهدف بمثل ما يحصل في بعض التكتلات العالمية الأخرى سيشكل خطراً وتحدياً على مستقبل هذه الأنظمة خاصة في ظل التهديدات التي تواجهها المنطقة بشكل عام وفي مقدمتها خطر الإرهاب.