شهدت الأحداث الميدانية في سوريا، تطورات كبيرة خلال الأيام الماضية، صبّت بشكل عام في صالح النظام السوري، فيما تفاعلت هذه التطورات بسرعة لتخلّف العديد من التداعيات على المشهد المحلي والاقليمي والدولي.
وقد احتلت حلب العنوان الأبرز على الساحة السورية، سواء لجهة التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش السوري والقوات الحليفة على الجبهة الجنوبية الغربية، والنجاح في إعادة الطوق على حلب الغربية ومحاصرة المسلحين فيها، أو لجهة التطورات في الريف الشمالي، واستمرار توغل القوات التركية في الأراضي السورية.
احكام الطوق حول حلب الشرقية
فبعد أن بسطت القوات السورية والقوات الحليفة سيطرتها على كامل الكليات العسكريةَ جنوب غرب حلب الأحد 4 سبتمبر/أيلول، وأعادت فرض الطوق على الجماعات المسلحة في حلب الشرقية، واصل الجيش السوري تقدمه على جبهة الراموسة وجبهة غرب الكليات العسكرية، واستعاد السيطرة على تلة المقالع وكتيبة الدفاع الجوي ومنطقة البرادات والزيوت جنوب المشرفة، كما تمكن من السيطرة على كامل بلدة المشرفة، فيما تدور اشتباكات حول تخوم مستودعات خان طومان أقصى جنوب الريف الحلبي.
ورافق التقدّم البري لقوات الجيش غطاء جوي ومدفعي كثيف، حيث دمّر الطيران الحربي السوري مستودعات خان طومان، في الريف الجنوبي لحلب، بالتوازي مع قصف طاول خطوط إمداد المسلحين وتجمعاتهم، جنوبي المدينة، والريف المحيط.
وتؤكد مصادر ميدانية أن الجيش وحلفاءه يريدون استعادة كل ما خسروه منذ بداية آب الماضي، وتوسيع رقعة الأمان حول مدينة حلب، بهدف فرض حل مشابه لما حدث في مدينة حمص، ومدينة درايا في ريف دمشق، تؤدي إلى انسحاب المسلحين من المدينة وفق تسوية ما.
نزاعات المسلحين واضطرابات ما بعد الهزيمة
هذا الإنجاز العسكري للجيش السوري والحلفاء أصاب الجماعات المسلحة والفضائيات والأطراف الداعمة لها بصدمة كبيرة حيث أقرت جميعها بالهزيمة في الكليات العسكرية، لتنطلق بعدها حملات تخوين متبادلة حول المسؤولية عن هذه الهزيمة واتهامات بين الفصائل المسلحة بشأن التقصير والخذلان في المعركة.
حيث أن الكلفة الباهظة التي دفعها المسلحون لفك الحصار عن حلب الشرقية، منذ اعلانهم عن ما أسموها "ملحمة حلب الكبرى" في 31/7، ذهبت جميعها سدى، حيث بلغ عدد قتلى "جيش الفتح" والمسلحين المتحالفين معهم أكثر من 1300، بينهم 40 مسؤول ميداني وعسكري، الأمر الذي انعكس بشكل كبير على معنويات المسلحين والدول الداعمة لهم، وسط تقاذف للاتهامات حول مسؤولية الهزيمة.
واتهمت "حركة فتح الشام" (جبهة النصرة)، فصائل "الجيش الحر" بسحب مجموعات مسلحة تابعة لها من جبهة جنوب حلب والزج بها في المعارك الدائرة مع تنظيم داعش والوحدات الكردية في منطقة جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي وذلك بعد تلقيه أموالاً من قبل الحكومة التركية.
وفي ريف إدلب، تخيم أجواء التوتر على بلدة أريحا بعد الاشتباكات التي حصلت بين "أحرار الشام" المدعومة تركياً و "جند الأقصى" المدعومة سعودياً، والتي خلفت قتلى وجرحى بين الطرفين وبالرغم من مساعي المصالحة بينهما، إلا أن الأجواء ما تزال مشحونة، على وقع التنافس على النفوذ والدعم الخارجي.
كما شهدت حركة "أحرار الشام" انشقاقاً هاماً، بعد أن انفصلت بعض كتائب ما يسمى بـ"ألوية صقور الشام" بقيادة المدعو "أبو عيسى الشيخ" عن الحركة، ووفق ما نقله ناشطون معارضون، فإن سبب الانشقاق يعود إلى اتهام قيادة "ألوية صقور الشام" لـ "أحرار الشام" بتهميش دورها، خصوصاً بعد قرار اعفاء "أبو عيسى الشيخ" من منصبه كنائب لمسؤول الحركة للشؤون السياسية، وتعيينه مسؤولاً على ادلب، كمسؤول منزوع الصلاحيات، كون جبهة النصرة استحوذت على إدارة المدينة، بعد اتفاق مع قيادة الحركة.
تعثر في الاتفاق الروسي الأمريكي حول حلب
وعلى الصعيد الدولي، يبدو أن نجاح الجيش السوري وحلفائه بإعادة الطوق على حلب، دفع القيادة الأمريكية لعرقلة الاتفاق الروسي- الأمريكي حول حلب، والذي كان من المقرر الاعلان عنه قبل قمة العشرين في الصين، حيث اتهم الأمريكييون الروس بالتراجع عن الاتفاق، فيما وصف الرئيس الروسي العقدة بأنها نتيجة "خلافات تقنية" أملاً بالتوصل إلى اتفاق قريب. وتصر أمريكا وفق مسودة الاتفاق بين الروس والأمريكيين التي نشرتها وسائل الاعلام على تحييد "جبهة النصرة" عن الضربات الجوية الروسية، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح شمالي حلب وطريق الكاستيلو، مما يعني منع الجيش السوري وحلفائه من استثمار انتصاره في حلب.
أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فقد صرحت في ختام قمة العشرين بأن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين دورا رئيسا في تحديد ما إذا كان يمكن التوصل إلى هدنة للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى مدينة حلب، الأمر الذي يشير إلى شبه اذعان دولي بالدور الروسي في القضية السورية.
ريف حلب الشمالي: حلم "روج آفا" يتبدد
أما في ريف حلب الشمالي، وتحديداً على الحدود السورية- التركية، فتواصل القوات التركية توغلها في المنطقة بمساندة، فصائل مسلحة محسوبة عليها من "الجيش الحر"، وتمكنت هذه القوات من السيطرة على الشريط الحدودي بين جرابلس واعزاز والممتد على طول 90 كيلومتر، بعد أن انسحب "تنظيم داعش" منها، وتزامن ذلك مع عبور دبابات وآليات عسكرية تركية الحدود باتجاه بلدة الراعي السورية، بالإضافة إلى قصف جوي ومدفعي نفذه الطيران التركي على مناطق نفوذ داعش.
وبذلك يكون حلم الأكراد في تحقيق مشروع "روج آفا" قد تبدد، على الأقل على المدى المنظور، بعد أن أصبح هدف وصل منطقة كوباني بعفرين أمراً بالغ الصعوبة، في ظل التدخل التركي، والحديث عن نيته مواصلة التوغل حتى السيطرة على مدينة الباب إلى الجنوب من الشريط الحدودي، ليقطع بذلك أي أمل للأكراد بالوصل بين الكانتونات.
من جهتها أكدت طهران على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية بهرام قاسمي أن لا تركيا ولا غيرها من الدول يمكنها المساس بسيادة الآخرين دون طلب من الحكومة المركزية السورية.
انكفاء غزوة المسلحين في ريف حماه
سيطرت وحدات الجيش على قرية خربة الحجامة، شمال غربي بلدة قمحانة، في ريف حماه الشمالي، إثر مواجهات عنيفة ضد مسلحي "جند الأقصى" وحلفائه. وتأتي المواجهات القائمة بين الطرفين عقب انكفاء هجوم مسلحي "الأقصى"، المسمّى "غزوة مروان حديد"، واستعادة القوات لعددٍ من القرى والمناطق التي خسرتها في الأيام القليلة الماضية.
كذلك سيطرت الوحدات، أيضاً، على تل المزرعة جنوب غربي جسر معردس، عقب مواجهات عنيفة، أوقعت عدداً من القتلى والجرحى في صفوف المسلحين، بالتوازي مع استهداف الجيش لتجمعات المسلحين وخطوط إمدادهم في المنطقة.
تفجيرات انتحارية تهز المحافظات السورية
بإزاء عمليات الجيش السوري، وتقدمه في أغلب المحاور على طول الجغرافية السورية، لم تجد الجماعات الارهابية، للانتقام والتنفيس عن احتقانها، سوى تنفيذ سلسلة من التفجيرات الارهابية طالت المناطق المدنية في 4 محافظات سورية، حيث تبنى تنظيم داعش الارهابي التفجيرات التي ضربت ريف العاصمة دمشق، إضافة إلى مدن طرطوس وحمص والحسكة.
وخلفت التفجيرات الارهابية أكثر من 50 شهيد وعشرات الجرحى، ونالت طرطوس النصيب الأكبر من الضحايا حيث سقط فيها 30 شهيدا و45 جريحاً. و أفادت قيادة شرطة طرطوس "أن إرهابيا انتحاريا فجر سيارة مفخخة كان يقودها عند جسر أرزونة على الأوتستراد الدولي بريف طرطوس قبل أن يفجر إرهابي انتحاري آخر نفسه بحزام ناسف بعد تجمع المواطنين لإسعاف الجرحى".
كما جرى تفجير إرهابي آخر بسيارة مفخخة عند دوار باب تدمر قرب مدخل حي الزهراء في مدينة حمص وسط سوريا، مخلفا قتيلين وعددا من الجرحى، وأفاد نشطاء بأن التفجير استهدف حاجزا للجيش السوري عند مدخل حي الزهراء، ما أسفر عن مقتل عنصرين من الجيش وإصابة آخرين، بينهم مدنيون.
وأفادت وسائل إعلام سورية بوقوع تفجيرين على طريق الصبورة -البجاع في ريف دمشق أسفرا عن قتيل، بالإضافة إلى تفجير إرهابي بدراجة نارية عند دوار مرشو في الحسكة خلف 5 قتلى وعددا من الجرحى.