الوقت- منذ الوهلة الأولى لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان قبل نحو سنتين ظهرت بودار الخلاف بين أقطاب هذه الحكومة خصوصاً بين ريئسها "أشرف غني أحمد زي" ورئيسها التنفيذي عبد الله عبد الله.
ووصل هذا الخلاف حدّاً جعل عبد الله عبد الله يوجه إنتقادات حادة ولاذعة لأشرف غني كان آخرها قبل أيام عندما إتهمه بالتقصير في أداء مهامه الدستورية وعدم تخصيص الوقت الكافي لإدارة شؤون البلاد في مختلف المجالات السياسية والأمنية والإقتصادية.
وقال عبد الله عبد الله خلال تجمع في كابول إن الإصلاحات الإنتخابية كانت إحدی الوعود التي أطلقت عند تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. وتساءل: لماذا لم يتم إجراء هذه الإصلاحات؟ مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الرئيس أشرف غني لم يستقبله في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وخاطبه قائلاً: بماذا تمضي وقتك؟ متهماً إيّاه كذلك باحتكار السلطة وعدم التشاور معه في شأن تعيينات أساسية في الحكومة. وجاءت تصريحات عبد الله مع إقتراب إنتهاء المهلة التي حددت للحكومة لإحترام إتفاق تقاسم السلطة.
فما هي خلفيات وأبعاد هذا الخلاف وتأثيره على مستقبل البلاد التي تعيش أزمات أمنية وإقتصادية كبيرة منذ مدة طويلة نتيجة هذا الخلاف إلى جانب الصراع المسلح المتواصل بين الحكومة والحركات والتنظيمات المسلحة لاسيّما حركة طالبان والتي إستنزفت طاقات وقدرات البلاد في شتى المجالات وأدت إلى فشل جميع المحاولات الرامية للتوصل إلى إتفاق لإقرار السلام واعادة الأمن والإستقرار إلى ربوع أفغانستان.
للإجابة عن هذا التساؤل لابدّ من الإشارة إلى الأمور التالية:
جذور الخلاف السياسي في حكومة الوحدة الوطنية
إنعكست التركيبة الإجتماعية المعقدة للمجتمع الأفغاني وتعدد طوائفه وقومياته بشكل مباشر على شكل ونوع الحكم الذي سيطر على مقدرات البلاد منذ خروج القوات السوفيتية عام 1989 وحتى الآن. ويعود السبب في الصراعات والتناحرات العرقية التي شهدتها أفغانستان طيلة تلك الفترة إلى وجود حركات وتنظيمات سياسية وعسكرية تسعى للإستحواذ على السلطة وتحقيق أهدافها ومصالحها بأيّ ثمن مهما كان حجم الخسائر البشرية والمادية التي تلحق بالشعب الأفغاني وبناه التحتية ومؤسساته المدنية والخدمية.
وخلال السنتين الأخيرتين سعى الرئيس الحالي أشرف غني المدعوم من قبل أمريكا والسعودية وقومية "البشتون" التي ينتمي لها إلى تجيير الأمور لصالحه وصالح فريقه السياسي وقد ساعده في تحقيق هذا الهدف المرونة الزائدة عن الحد التي أبداها الرئيس التنفيذي للحكومة عبد الله عبد الله في فترات مختلفة والتي قادت بالتالي إلى تهميشه وتقليص دوره في إدارة البلاد إلى حد كبير.
الصفقات والمساومات السياسية
أثبتت التجربة السياسية الأفغانية أن إدارة الأمور في هذا البلد تتم على أساس التوافقات والصفقات والمساومات السياسية. وخير مثال على ذلك الإتفاق الذي حصل بين أشرف غني وزعيم "الحزب الإسلامي الأفغاني" قلب الدين حكمتيار والذي أسفر عن منح الأخير قدرة التصرف وبسط النفوذ في الكثير من الولايات والمدن الأفغانية بينها هلمند وبغلان وقندوز التي إستولت عليها حركة طالبان فيما بعد. كما سعى أشرف غني إلى تقوية علاقته بالإدارة الأمريكية لإقصاء عبد الله عبد الله أو تحجيم دوره على الأقل في إدارة السلطة.
إنتهازية الفريق السياسي لأشرف غني
أدى عدم إلتزام الفريق السياسي لرئيس البلاد أشرف غني بتنفيذ بنود الإتفاق المبرم مع الدكتور عبد الله عبد الله وتحجيم دوره في إدارة شؤون البلاد إلى توسيع الهوّة بين الجانبين والتي نجمت أساساً عن ما يمكن أن نسميه بـ "الإنتهازية السياسية" التي تتحكم في أفغانستان لتنفيذ أجندات خارجية على حساب الشعب الأفغاني وأمن وإستقرار بلاده.
تجاهل قواعد اللعبة السياسية
تعمد قبيلة البشتون ذات التأثير الكبير في أفغانستان والتي ينتمي لها أشرف غني إلى الإستحواذ على كل شيء في البلاد وعندهم أن " الغاية تبرر الوسيلة" لتحقيق أهدافهم وإزاحة منافسيهم عن السلطة وفي مقدمتهم الدكتور عبد الله عبد الله. ولا تأبى هذه القبيلة من اللجوء إلى أيّ وسيلة خارج الأطر الدستورية كتزوير نتائج الإنتخابات أو التنسيق مع القوى الأجنبية وفي طليعتها أمريكا أو اشعال الفتنة القبلية والطائفية والنزاعات الداخلية المسلحة للوصول إلى أهدافها وتحقيق مآربها.
وأدى هذا الأسلوب المتخلف في التعاطي مع الخصوم السياسيين إلى تمزيق وحدة البلاد التي هي الآن بأمسّ الحاجة إلى التعاون والتنسيق التام بين جميع مكوناتها السياسية والقومية والدينية لتخطي الأزمات المستفحلة والعبور إلى شاطئ الأمن في شتى الميادين.
ومن النتائج المؤسفة التي نجمت عن السياسة الإنتهازية التي إعتمدها فريق أشرف غني ودعمتها قبيلته (البشتون) والتي أدت إلى خلخلة الأوضاع الأمنية والإقتصادية والإجتماعية إنعدام الثقة بقدرة الحكومة الوطنية على تجاوز خلافاتها الداخلية والذي أدى بدوره إلى إنعدام الثقة بين مكونات الشعب الأفغاني نتيجة تعدد الولاءات القبلية من جانب وإستغلال بعض الأطراف السياسية للنعرات الطائفية والقومية في تكريس الخلافات بين هذه المكونات من جانب آخر.
الأزمة الأمنية والعسكرية
أدت النزاعات المسلحة بين الحكومة الأفغانية والحركات المناهضة لها وفي مقدمتها حركة طالبان إلى تعميق الأزمة الأمنية والسياسية في البلد خصوصاً في العاصمة كابول وأطرافها والمناطق الشمالية، والتي سعت حكومة أشرف غني لإستغلالها للضغط على المنافسين السياسيين وفي طليعتهم الدكتور عبد الله عبد الله الذي ينتمي لقومية الطاجيك.
خلاصة القول ومن خلال قراءة هذه المعطيات يمكن الإستنتاج بأن الوضع السياسي في أفغانستان لن يجد طريقه إلى الإستقرار ما لم تتخلى الأطراف المتصارعة على السلطة عن طموحاتها الحزبية والقومية وتركز إهتمامها على كيفية إعمار البلاد وإعادة الأمن والسلم إلى ربوعها بعيداً عن أيّ تدخل أجنبي من خلال الوفاق السياسي وسدّ الطريق أمام أيّ فصيل أو جناح قومي أو سياسي يسعى للإستفراد بالسطة. ويعتقد معظم المراقبين بأن الحلّ السياسي والأمني والإقتصادي في أفغانستان يكمن بحل الحكومة الحالية وإختيار حكومة مؤقتة تمهد لإجراء الإنتخابات وتتحرك باتجاه إنقاذ البلاد من الأزمات وتعزيز الوحدة الوطنية بين كافة شرائح المجتمع الأفغاني ونخبه السياسية والدينية والثقافية.