الوقت- قامت روسيا والصين باستخدام حق الفيتو في مجلس الإمن ضد إصدار قرارٍ يدين جماعة أنصار الله في اليمن. جاء ذلك بعد محاولة دول الخليج الفارسي دعوة مجلس الأمن، لوضع اليمن تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك سعياً منها للحصول على قرارٍ دولي يدين حركة "أنصار الله" ويحملهم مسؤولية تدهور الأوضاع باليمن، ويتهمهم بالانفراد بالسلطة من خلال الإعلان الدستوري الذي تم بموجبه حل مجلس النواب وبالسعي لحكم اليمن من خلال اللجنة الثورية. فما هي مجريات هذه الدعوة التي قوبلت بالفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن؟ وهل يمكن وضع اليمن تحت الفصل السابع، في الوقت الذي تعتبر فيه حركة أنصار الله حركةً وليدة الشعب اليمني؟
أولا: الدعوة الخليجية والرد بالفيتو:
لا شك أن النقطة الأهم التي وردت في بيان إجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون، والذي انعقد يوم السبت الماضي في مطار قاعدة الرياض الجوية، وهي النقطة التي يجب التوقف عندها، هي عندما أكد المجتمعون على استئناف العملية السياسية في اليمن وفقا للمبادرة الخليجية، ثم حذروا من أنه في حال عدم التوصل الى اتفاق فسوف تتخذ دول المجلس الإجراءات التي تمكنها من الحفاظ على مصالحها الحيوية في أمن واستقرار اليمن. كلامٌ يحمل الكثير من الدلالات والذي جاءت دعوة مجلس الأمن لوضع اليمن تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ترجمةً عمليةً له. وهو الأمر الذي أثار ردود أفعال شعبية يمنية غاضبة باعتبار الدعوة الخليجية الأخيرة، دعوةً تهدد السيادة اليمنية وتتيح لمجلس الأمن التدخل العسكري فيه. في المقابل دعت اللجنة الثورية، التابعة لجماعة "أنصار الله"، دول مجلس التعاون إلى مراجعة مواقفها تجاه الشعب اليمني. في حين أبدت اللجنة الثورية استغرابها من المواقف السلبية لدول الخليج الفارسي، مضيفةً أن "ما صدر عن الثورة من إجراءات لا تستهدف الأشقاء في مجلس التعاون لا في الحال ولا في المستقبل". وثمَّنت اللجنة "الموقف الروسي والصيني الإيجابي ومواقف كل الدول المحبة للسلام والرافضة لإذلال الشعوب". وكان مجلس الامن الدولي قد اصدر فجر اليوم قراراً يدعو حركة "أنصار الله" الذين يسيطرون على السلطة بصنعاء الى التخلي عنها والافراج عن الرئيس عبد ربه منصور هادي والموضوع تحت الاقامة الجبرية والتفاوض "بحسن نية" حول حل سياسي للخروج من الازمة. في الوقت الذي أكدت مصادر حركة "أنصار الله" أن السبب من اعتقال الرئيس هادي، هو سعيه لتقسيم اليمن، ونقضه "إتفاق السلم والشراكة" الذي وقعته الأطراف اليمينة.
ثانياً: بناءاً لما تقدم، حقائق يجب الوقوف عندها:
في ظل هذه الدعوة من دول الخليج الفارسي، والفيتو الروسي، عدد من الأسئلة يمكن طرحها، وهي على الشكل التالي: هل يمكن وضع اليمن تحت الفصل السابع لمجرد صعود حركة أنصار الله وهي الحركة الشعبية المحقة؟ وما حقيقة الدور الذي طالما مارسته دول الخليج الفارسي ولا سيما السعودية بحق اليمن؟ فيما يلي نبيِّن التالي:
- لا يوجد في الحقيقة سياسة خليجية موحدة أساساً، وانما "مناكفات" وردود فعل لا أكثر. وبالنسبة لليمن فإنه لا يوجد "مشروع خليجي موحد"، وهو حال هذه الدول فيما يتعلق بكل دول الوطن العربي. فكل مشاريع دول الخليج الفارسي هي مشاريع مساندة للآخرين. وقد تصل الأمور بينهم، الى مواقف متضاربة، وهو ما وصلت اليه بين قطر والسعودية فيما يتعلق بالشأن السوري، وكذلك بين قطر والأمارات فيما يتعلق بليبيا. من هنا نجد أن هذه الدول لا تمتلك الحكمة في إدارة الشؤون السياسية المتعلقة بدول المنطقة، الى جانب أنها لا تمتلك وحدة الرؤية ووضوحها. ومن هنا فهي غير مؤهلةٍ لتقرر مصير شعوب المنطقة ومن بينها الشعب اليمني. مع الأخذ بعين الإعتبار أن لكل شعبٍ حق تقرير مصيره.
- إن موقف السعودية صاحبة "المبادرة الخليجية" في اليمن والتي تريد من مجلس الأمن الدولي إقرارها وفق البند السابع، هو ردة فعل على الواقع الذي تعيشها هذه الدولة اليوم. فهي وجدت نفسها وبعد ثمانين عاماً، دون أي حلفاء في هذا اليمن، لا القبائل، ولا حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) ونواته الصلبة آل الأحمر وقبيلة حاشد، ولا "أنصار الله"، ولا الحراك الجنوبي، رغم انها استثمرت الكثير في اليمن منذ اليوم الأول لقيامها. لكن سياساتها بحق اليمن نجحت في اضعاف اليمن وتقسيمه بل تفتيته فعلاً، فقد تحول اليمن الى دولة بلا سلطة، أو يمكن القول بسلطة مركزية ضعيفة، مما أوجد فراغاً ملأته "القاعدة" طوال السنوات العشر الماضية، وهي الحركة الأكثر خطورة. أما اليوم فقد أستغلت حركة "أنصار الله" هذا الفراغ وهي التيار اليمني، بل أحد أبرز المكونات الديمغرافية اليمنية، فهو ليس غريباً أو طارئاً، بل هو حركةٌ محقة، إستطاعت الإستفادة من أخطاء السياسات السعودية والخليجية والتي تخلت عن المقاومة الفلسطينية وتحالفت مع امريكا، فإن سر قوة هذا التيار شعبياً، همُّه الوطني على الصعيد المحلي ورفع شعار العداء لإسرائيل وأمريكا على الصعيد الدولي.
- عبر التاريخ، لم تتدخل جيوش دولة إلا وهُزمت، او لم تنتصر على الاقل في اليمن. فصنعاء ظلت عصيةً على الإمبراطورية العثمانية، ومن قبلها الإمبراطورية البريطانية التي حصرت وجودها في عدن وجوارها الجنوبي، وكانت النصيحة الأبرز للملك عبد العزيز آل سعود لنجله الامير (الملك) فيصل بالعودة فورا عندما توغلت القوات التي كان يرأسها في العمق اليمني، حتى لا يقع في هذه المصيدة التي لا ينجو منها احد. وما ذكره التاريخ عن تجربة الحرب السعودية المصرية في اليمن في الستينات، يعتبر أحد الأمثلة التي تفيد في هذا الصدد، وهي الحرب التي قادت الى الهزيمة العربية الكبرى عام 1967، ولم يصلح حال العرب من حينها. وبالتالي على من يطالب بالتدخل العسكري في اليمن من خلال قواتٍ تحت الفصل السابع، أن يلتفت لهذه الحقيقة.
إذاً، لا يمكن أن ينجح أي تدخل عسكري في اليمن، فاليمنيون معروفون بشراستهم القتالية. ولا يمكن أن ينجح أي قرار لوضع اليمن تحت الفصل السابع لمجرد صعود حركة "أنصار الله"، لأنها ليست سوى حركةٍ وليست دولة. والأجدر بالدول التي تريد مساعدة اليمن أن تنظر لحال الشعب اليمني الذي له الحق في تنفيذ مطالبه والصعود ببلده الى دولةٍ تؤمن لمواطينيها حقوقهم المدنية. ولكن لا بد أن هناك، من يُظهر حُسن النية ولكنه يعمل على تخريب اليمن من الداخل. فهل يستطيع الشعب اليمني التغلب على هذه المؤامرات والتي كان ومازال أول من يحيكها أنظمة دول الخليج الفارسي؟؟