الوقت- يثير الوضع القائم في منطقة الشرق الأوسط قلقاً عميقاً اثر تصاعد العنف والأزمات الإنسانية، ما يدعونا الى التمعن والتدقيق بهوية الفاعل والمستفيد من وراء افتعال الأزمات، في ظل غياب شبه تام لمجلس الأمن والمجتمع الدولي.
يعتبر حفظ الأمن والسلم الدوليين من أهم التبعات الملقاة على عاتق مجلس الأمن الدولي، لأن أعضاء منظمة الأمم المتحدة هم الذين عهدوا اليه، بمقتضى المادة 24 من الميثاق، بالتبعات الرئيسية في هذا الخصوص، ولتمكين مجلس الأمن من القيام بواجباته وتبعاته الرئيسية فقد خوله ميثاق الأمم المتحدة بسلطات خاصة مبينة في الفصلين السادس والسابع.
كيفية معالجة مجلس الأمن لقضايا الشرق الأوسط
لا يمكن اعتبار تجربة الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلم والأمن الدوليين ناجحة على الإطلاق، خاصة فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. أمام هذا الواقع يطرح السؤال عن كيفية تعاطي الأمم المتحدة، خاصة مجلس الأمن الدولي، مع هذه القضايا. قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد لنا من التطرق إلى دور الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، في حفظ الأمن والسلم الدوليين.
لمعرفة دور مجلس الأمن في القضايا الدولية لا بد من تناول مختلف قضايا المنطقة وأبرزها :القضية الفلسطينية والإعتداءات المتكررة على لبنان، إحتلال العراق، النووي الايراني وقضية ما يسمى بالربيع العربي.
القضية الفلسطينية وإعتداءات لبنان:
فشلت الأمم المتحدة في أولى القضايا التي لا زالت تواجهها الى يومنا هذا، القضية الفلسطينية. وتكمن أهمية هذه القضية باعتبارها سبب كل الاحداث التي جرت وتجري في الشرق الأوسط والقضايا الناتجة عنها، حيث كان إنشاء الكيان الإسرائيلي في فلسطين عام 1948 فاتحة لكل الاحداث في الشرق الأوسط.
لعل اكثر دولة تم استخدام حق "الفيتو" لصالحها ولحمايتها هو "الكيان الإسرائيلي"، بل يبدو عند تتبع استخدام واشنطن لحق الفيتو انها طالبت بوجود هذا الحق لحمايةهذا الكيان حصراً، فمن ضمن 77 مرة استخدمت فيها واشنطن حق الفيتو كان اكثر من النصف (تقريبا 40 مرة) لصالح منع قرارات تدين او حتى تلوم آلة الإجرام الإسرائيلية، وهذا عندما نستثني الحالات التي رفضت فيها واشنطن قرارات تدين الكيان دون الاضطرار للجوء لحق الفيتو، مثل رفض مشروع انهاء الاحتلال.
"الفيتو" الامريكي يرفض ادانة "الكيان الإسرائيلي" بحرق المسجد الاقصى او احتلال الأراضي الفلسطينية أو حتى إدانة المجازر التي ترتكبها آلة الإجرام الإسرائيلية في عدوانها على الاراضي الفلسطينية، والاغرب من ذلك ادانة الاستيطان "الاسرائيلي" حتى عندما وافقت عليه جميع الدول الاعضاء في مجلس الامن وقفت واشنطن لتمنع ارادة العالم.
موقف مجلس الأمن تجاه الإعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على لبنان، لم يكن أشفى حالاً من موقفه تجاه القضية الفلسطينة، وإن اضطر في كثير من الأحيان ورغم أنف الكيان الاسرائيلي وأمريكا من خلفه، الى التراجع أو"تمييع" قراراته بفعل ضربات المقاومة، إلا أن تجاهل إنتهاكات وجرائم الكيان الإسرائيلي بحق الشعب اللبناني، كان السمة المميزة لهذا المجلس والسبب أمريكا لعيون الكيان.
إحتلال العراق:
تحت ذريعة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وبعد ان فشلت أمريكا في اقناع أعضاء مجلس الأمن بتأييد مشاريع القرارات الداعية لإستخدام القوة ضد العراق، تصرفت هي، ودون إذن من المجلس، وشنت مع حلفائها(40دولة) حربها على العراق، فغزته وإحتلته في العام 2003. وبعد مرور سنوات على الإحتلال وتدمير العراق ونهب ثرواته فضلاً عن حصيلة أولية قدّرت بألاف القتلى ومئات ألاف الجرحى وملايين المشردين، عادت أمريكا نفسها لدحض حجتها السابقة معلنةً أن العراق لا يمتلك أي من أسلحة الدمار الشامل، ولكن ماهي حصيلة هذا الإحتلال؟ وماذا قدّم مجلس الامن لأبناء الشعب العراقي المظلوم؟
البرنامج النووي الإيراني:
من الملاحظ من مسار الأحداث أن موقف الأمم المتحدة من البرنامج النووي الإيراني السلمي لا يتناسب مع موقفها من السلاح النووي الذي يملكه الكيان الاسرائيلي. فبرغم حيازته للسلاح النووي، وإمتناعه من التوقيع على معاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية، فإن الامم المتحدة وخاصة مجلس الأمن لم يقم بأي عمل تنفيذي ضده، وهذا الموقف يتناقض مع قرارات الأمم المتحدة بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. بالمقابل فإن مجلس الأمن لم يتوان عن التدخل في البرنامج النووي الإيراني رغم سلميته، وفق التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفرض العقوبات على إيران.
الثورات العربية:
يتجسد موقف مجلس الأمن الدولي تجاه الثورات العربية في حفظ مصالح الدول الدائمة العضوية، وقد اتخذ قرار بتشكيل حلف دولي للهجوم على ليبيا مخلفاً وراءه مئات القتلى وألاف الجرحى، والسبب طبعاً النفط، أما في البلدان الأخرى فإماالمجلس تجاهل حق الشعوب في تقرير مصيرها ولم يطرح أي اجراء لحل الأزمة(البحرين مثلاً)، وإما لم ينجح في استصدار قرار دولي بسبب تضارب مصالح أعضائة الدائمين العضوية(سوريا)، أو أنه "وقف على التل" بإيعاز من الدول الكبرى. لم يستطع مجلس الأمن الوقوف والحد من ظهور تنظيم داعش الإرهابي، فضلاً عن تجاهله للدول التي صنعت، وربّت، ودعمت هذا التنظيم، وما الحلف الدولي الذي تشكل أخيراً لمحاربة داعش الارهابي الاً "فزاعة" لعودة أمريكا وحلفائها الى المنطقة تحت ذريعة حفظ الأمن والسلام الدوليين.
أسباب الفشل
اذاً، لا يمكن وصف طريقة معالجة الأمم المتحدة، خاصة مجلس الأمن الدولي لقضايا الشرق الأوسط بالناجعة، لأنه لم يتمكن المجلس من التوصل إلى حل للقضايا الساخنة في الشرق الأوسط، واما الأسباب فهي كالتالي:
أولاً- طبيعة منظمة الأمم المتحدة: إن المنظمة هي "تجمع دول" تستمد قوتها وصلاحياتها من تلك الدول. فهذه الطبيعة تبقي المنظمة رهينة الدول الأعضاء، وعرضة لأهواء ومصالح هذه الدول. وهذا ما يقيد ويحد المنظمة من أن تكون الأداة الدولية المستقلة عن إرادة أعضائها.
ثانياً- تركيبة مجلس الأمن الدولي وحق النقض: إن إنقسام الدول الكبرى وخلافاتها وتضارب مصالحها هي وراء إستخدام هذه الدول لحق النقض الذي هو سبب رئيسي يعيق عمل الأمم المتحدة، ويؤدي إلى فشل هذه المنظمة في تحقيق السلم والأمن الدوليين بصورة مرضية وعادلة.
ثالثاً- إنحياز أمريكا للكيان الإسرائيلي: تمارس أمريكا سياسة الكيل بمكيالين في التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط، فهي منحازة بالكامل مع الكيان الإسرائيلي وتمنع مجلس الأمن من أن يصدر أي قرار ضده، فيما تسهل صدور أي قرار يخدم مصالح هذا الكيان أو يصب في مصلحته، وتجربة تعاطي مجلس الأمن مع قضايا الشرق الأوسط أكبر برهان ودليل على سياسة الكيل بمكيالين.
في الخلاصة، نرى أن مجلس الأمن الدولي لا يتصرف بموضوعية في معالجته لقضايا الشرق الأوسط، بل لإعتبارات مصالح دوله الكبرى، فإذا كان لهذه الدول مصلحة بالتدخل تدخلت، وإذا لم تر مصلحة لها منعت مجلس الأمن من التدخل والقيام بمسؤوليته، للأسف هذ واقع التجربة المريرة لأبناء الشرق الأوسط مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن.