الوقت - عقدت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) إجتماعها الأخير يوم الخميس الماضي في فيينا وسط أجواء ملتهبة ألقت بظلالها على مجريات الإجتماع.
وأشاد بعض الوزراء بالإجتماع، حيث قال وزير النفط الكويتي بالوكالة "أنس الصالح" إن الإجتماع كان إيجابياً، بينما وصفه وزير الطاقة السعودي بالممتاز.
من جهته أوضح وزير النفط الإيراني "بيجن زنغنة" أنه سعيد بشكل عام بنتائج الإجتماع، حيث لم تصدر أيّ إشارات من باقي أعضاء (أوبك) على رغبتهم في زيادة الإنتاج بشكل حاد.
واعتبر "زنغنة" أن (أوبك) لا يمكنها السيطرة على أيّ شيء ما لم تحدد حصصاً لإنتاج كل دولة، وأكد أن طهران تستحق حصة مرتفعة إستناداً إلى الإنتاج التاريخي، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الحصة العادلة لإيران ينبغي أن تكون 14.5% من إجمالي إنتاج (أوبك).
من جانبه أبدى وزير الطاقة السعودي "خالد الفالح" قلقاً إزاء أسعار النفط المنخفضة، لكنه أكد أن بلاده تتعهد بعدم إغراق السوق بمزيد من النفط ولن تتسبب بصدمة في سوق الطاقة.
وتظهر البيانات التي تقدمها السعودية لـ (أوبك) أن إنتاجها إقترب من مستوى قياسي مرتفع عند 10.26 مليون برميل يومياً في أبريل/ نيسان الماضي.
وأضاف "الفالح" الذي يشارك للمرة الأولى في إجتماع (أوبك) بصفته وزيراً أن بلاده ستستمع لأيّ شيء تضعه إيران على طاولة الإجتماع.
وأظهر وزير الطاقة السعودي رغبة بلاده في أن تكون أكثر توافقاً مع إيران التي خفف وزيرها من إنتقاداته للرياض في إجتماع فيينا.
من جهته أعلن وزير الطاقة القطري "محمد السادة" إن إجتماع (أوبك) في فيينا كان ناجحاً، وإتسم بكثير من التوافق بين الأعضاء، مشيراً إلى أن المنظمة ناقشت بتعمق وضع العرض والطلب في سوق النفط وأن الأسوأ قد إنتهى على حد تعبيره.
بدوره إقترح وزير النفط الفنزويلي "إيولوخيو ديل بينو" الإتفاق على نطاق لإمدادات النفط من أعضاء (أوبك)، وقال إن مثل هذا النطاق يمكن أن يحل محل أيّ محادثات بشأن وضع سقف للإنتاج.
وتضخ (أوبك) 32.5 مليون برميل يومياً، وهو ما يمنح إيران حصة قدرها 4.7 ملايين برميل يومياً، أيّ أعلى من مستوى إنتاجها الحالي البالغ 3.8 ملايين برميل يومياً.
وفشلت (أوبك) في وضع سياسة للإنتاج خلال إجتماعها السابق في ديسمبر/كانون الأول 2015، بما في ذلك وضع سقف رسمي لمستوى الإنتاج، ما سمح فعلياً لأعضائها البالغ عددهم 13 دولة بضخ كميات من الخام كل حسب رغبته، ما عزز السوق بكميات كبيرة من النفط.
ونتيجة لذلك هبطت الأسعار إلى 27 دولاراً للبرميل في يناير/كانون الثاني الماضي، مسجلة أدنى مستوى في أكثر من عشر سنوات، لكنها تعافت منذ ذلك الحين لتصل إلى نحو خمسين دولاراً للبرميل بفعل تعطل بعض الإنتاج العالمي.
وفي أبريل/نيسان أجهضت السعودية خططاً لتثبيت الإنتاج العالمي كانت تهدف إلى تحقيق الإستقرار في سوق النفط خلال إجتماع في العاصمة القطرية "الدوحة". وأخفقـت (أوبك) بإتخـاذ قرار بشأن إستراتيجيـة طويلـة الأمـد لأن السعـودية تعتـرض على إقتـراح إيران بـأن تستهـدف المنظمـة إدارة فعّالـة للإنتـاج.
من جهة أخرى إتفق وزراء نفط (أوبك) خلال إجتماعهم الـ 169 في فيينا على إختيار النيجيري "محمد باركيندو" أميناً عاماً جديداً للمنظمة للسنوات الثلاث المقبلة. وسيخلف "باركيندو" الرئيس الحالي المستمر في منصبه منذ فترة طويلة الليبي "عبد الله سالم البدري" إعتباراً من أغسطس/آب المقبل.
ورغم أن منصب الأمين العام ليس ذا أهمية كبيرة في إتخاذ قرارات المنظمة البترولية، إلاّ أن إختياره يعني أن المنظمة لازالت قادرة على الحوار والإتفاق، وبالتالي التأثير على السوق.
ومن المنتظر أن تعقد (أوبك) إجتماعها المقبل في الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل تحت إشراف الأمين العام الجديد.
وبشكل عام يمكن القول إن الجبهة الموحدة والايجابية التي ظهرت في ختام إجتماع (أوبك) في فيينا بعثت إشارة مشجعة بخصوص حالة المنظمة. ويعتقد المراقبون أن معضلة العام المنصرم الشائكة التي واجهت (أوبك) توشك على الزوال ولو من وجهة النظر النفطية المحضة. وأصبح مستقبل (أوبك) على المحك، فيما يعتقد خبراء بأن المنظمة تسعى لعقد إجتماع بسيط دون تعهدات ملزمة ودون خلافات علنية.
ودأبت إيران طويلاً على السعي لإتخاذ إجراءات لدعم أسعار النفط، ووضعها هذا الموقف في خلاف مع السعودية التي قادت رفض (أوبك) خفض الإنتاج. لكن يبدو أن أيام تفكير السعودية في خفض أو زيادة الإنتاج من جانب واحد قد ولّت بعد إجتماع فيينا الأخير .
وبالمجمل لايمكن القول أن إجتماع فيينا لم يفض إلى شيئ، خاصة أن العزم لدى أغلب الدول الأعضاء في المنظمة إنعقد على عدم تجميد الإنتاج أو تحديده، وهو أمر يؤخذ بالحسبان نظراً لخطة إتبعتها (أوبك) بزيادة الإنتاج تشجيعاً لمنتجاتها النفطية والتي تنافس بها الخام الأمريكي والكندي، وهو ماتم فعلاً إستناداً إلى تحسن أسعار النفط "50 دولار" للبرميل الواحد.
هذه المؤشرات تدل على أن المنظمة ستعود إلى لعب دورها في السوق النفطية، وإن كان هذا الدور سيكون أقل تأثيراً من الدور الذي كانت تلعبه قبل إنهيار أسعار النفط قبل عامين.
على صعيد مستقبل الأسعار، يرى خبراء أن الطلب العالمي بدأ في التحسن، خاصة في الأسواق المستهلكة الكبرى مثل أمريكا والصين والهند. ويعتقدون إن إرتفاع الطلب على المشتقات النفطية في هذه الدول سينعكس إيجاباً على تحسن أسعار النفط، لكنهم يتوقعون إرتفاعاً ضئيلاً فوق مستوى 50 دولاراً للبرميل خلال الصيف الجاري، ويستبعدون في الوقت ذاته تحليق النفط نحو 60 دولاراً للبرميل، إلاّ إذا حدثت مستجدات جيوسياسية في الشرق الأوسط الغني بالنفط الذي يعج في الوقت الحاضر بالنزاعات السياسية والحروب، التي قد تتفجر خارج نطاق السيطرة وتؤثر على الإنتاج النفطي بشكل عام.