الوقت- تزامناً مع المفاوضات النووية بين الجانبين الايراني والاميركي في مدينة زيورخ السويسرية، وبعد دعوة رئيس وزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى فرض عقوبات جديدة على طهران، قدم 11 عضواً بمجلس الشيوخ الأميركي، مشروع قرار يدعم المفاوضات الدولية بشأن برنامج إيران النووي ويعارض تشريعاً لتشديد العقوبات،الذي تعهد الرئيس باراك أوباما باستخدام حق النقض لإبطاله.
القرار الجديد جاء رداً على تأييد عدداً من أعضاء الكونغرس الاميركي الذي يهمين عليه الجمهوريون تبني عقوبات إضافية ضد طهران بخلاف الرئيس الأميركي باراك أوباما وحلفائه الأوروبيين، لأن "تنفيذ عقوبات جديدة قبل انتهاء فترة العقوبات سيقوض بشدة جهودنا للتوصل لاتفاق مع إيران"، حسب وصف السناتور الديمقراطية ديان فاينشتاين.
اذاً، بعد الخلاف بين الرئيس أوباما والكونغرس الأمريكي، وبين أعضاء الكونغرس أنفسهم، فتح الملف النووي السلمي لطهران آفاق خلاف جديد بين مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكي، حتى أن الرئيس الامريكي أكد أنه سيستخدم حق النقض لإبطال أي قرار عقوبات جديدة.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا هذا الإختلاف بين القوى الثلاثة(الرئيس-الكونغرس- مجلس الشيوخ) في أمريكا؟
لا شك أن كل القوى في أمريكا سواء الرئيس أو الكونغرس أو مجلس الشيوخ تريد مصلحة البلاد وايران "تهديد" للجميع هناك، ولكن الخلاف الأخير جاء بسبب اختلاف وجهات النظر في مقاربة الأمور، فلا مجلس الشيوخ يريد مساندة طهران، ولا الرئيس أوباما يسعى لتأمين مصالح ايران.
دعم دولي للمفاوضات
في خطابه السنوي الأول الذي القاه امام الكونغرس الذي كان يسيطر عليه الحزب الجمهوري، تطرق الرئيس الاميركي باراك اوباما الى المفاوضات النووية مع ايران قائلاً: ان ثمة فرصة من الان وحتى الربيع للتوصل الى اتفاق "شامل يمنع ايران من التحول الى دولة نووية، الامر الذي سيضمن امن اميركا وحلفائنا، بما في ذلك اسرائيل، وفي الوقت عينه تفادي نزاع اخر في الشرق الاوسط". لكنه استدرك قائلا انه "لا توجد هناك ضمانات بأن المفاوضات ستنجح، وانا احتفظ بجميع الخيارات الموجودة على الطاولة لمنع ايران من التحول دولة نووية".
وهنا انتقل اوباما الى المواجهة المتوقعة بينه وبين الكونغرس حول ايران خلال الاسابيع المقبلة، قائلاً: "ولكن اذا أقر هذا الكونغرس عقوبات جديدة، في هذا الوقت، فان ذلك سيضمن اخفاق الديبلوماسة، وابعاد اميركا عن حلفائها، كما سيضمن معاودة ايران لبرنامجها النووي. هذا امر لا معنى له، ولهذا السبب سوف استخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي مشروع قرار يفرض العقوبات التي تهدد بتقويض هذه العملية".
في السياق نفسه دعا وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي الكونغرس الاميركي إلى عدم تبني عقوبات جديدة ضد إيران وذلك لإعطاء فرصة للدبلوماسية في المفاوضات حول برنامج إيران النووي.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" إن الوزراء فرانك فالتر شتاينماير ولوران فابيوس وفيليب هاموند وفيديريكا موغيريني أكدوا ضرورة إبقاء الضغط على إيران عبر العقوبات القائمة دون إضافة أي عوائق جديدة في هذه المرحلة الدقيقة من المفاوضات لعدم عرقلة الجهود التي يتم بذلها داعين إلى منح الدبلوماسية كل فرص النجاح.
وأشار الوزراء إلى ضرورة تعزيز الموقف التفاوضي للسداسية الدولية وعدم تبني المزيد من العقوبات ضد ايران في المرحلة الراهنة لأن ذلك سيؤدي إلى تراجع المفاوضات.
اسرائيل تعرقل ونتنياهو "مجرم"
في مقابل الدعم الدولي لاستئناف المفاوضات يسعى الكيان الاسرائيلي عبر فرض عقوبات جديدة على طهران لإفشال أي اتفاق نووي، ولا يمكن فصل قرار الكونغرس الأمريكي عن دور اللوبي الصهيوني الذي يستخدم سياسة وضع العصي في الدواليب، لكن الرياح الأمريكية لم تجر كما تشتهي سفن نتنياهو.
رداً على مشروع العقوبات تعرض بنيامين نتنياهو وجون باينر، رئيس مجلس النواب الامريكي، في الايام الاخيرة لانتقاد جماهيري وإعلامي غير مسبوق، ليس فقط من قبل الصحفيين والمحللين الليبراليين الذين يعتبرون متعاطفين مع الكونغرس، بل ايضا من مصادر محافظة مثل شبكة "فوكس"، الذين يعتبرون بشكل عام كخصوم للرئيس وكأصدقاء لنتنياهو.
المحلل كريس فالس قال: إن الاجراء الذي قام به نتنياهو"مجرم" المتمثل بتجاهل الرئيس اوباما و "مخجل"، كما وصف ذلك شبرد سميث، "ماذا يعتقدون؟ أننا أغبياء؟"
وهناك ايضا سيناتورات واعضاء كونغرس لا ينتقدون بشكل عام الكيان الاسرائيلي، تمادوا هذه المرة واعترضوا على دعوة نتنياهو الى الكونغرس في مثل هذا الوقت. السناتورة ديان فاينستن من كاليفورنيا قالت أمس لـ "هآرتس" إن "دعوة نتنياهو بدون التشاور مع الادارة الامريكية هي خرق واضح للبروتوكول وتجاوز غير مقبول للسياسة الحزبية والسياسة الخارجية لنا".
وأضافت فاينستن إن "فرض عقوبات جديدة ضد ايران خلال المفاوضات – وهو الموضوع الذي سيحاول نتنياهو الحديث عنه – سيؤدي الى انهيار الاتصالات وتدمير الفرصة الدبلوماسية التاريخية، وفرض العقوبات الآن هو عمل غير مسؤول وخطير".
ايران تهدّد
رداً على تهديدات الكونغرس، بدأ البرلمان الايراني بصياغة مشروع قانون يتيح للعلماء تكثيف عمليات تخصيب اليورانيوم، وأوضح المتحدث باسم اللجنة البرلمانية للأمن القومي والسياسة الخارجية حسين نقوي حسيني أن مشروع القانون "سيسمح للحكومة بمتابعة التخصيب باستخدام أجهزة طرد مركزي من الجيل الجديد.
في السياق نفسه أكد رئیس مجلس الشوری الإيراني علي لاریجاني، إن إیران سترد علی أي إجراء للکونغرس الأمريکي بقفزة نوعیة في مجال التقنیة النوویة.
وأضاف: أن إيران لا یعنیها ما یجري في الداخل الأمريکي وأن علی أوباما ألا یقحم ذلك في القضایا النوویة الإیرانیة، مضيفا أن بلاده قد وضعت كل السیناریوهات المختلفة بشكل جاد.
وأشار لاریجاني إلى أن إيران قد أبدت مرونة كبيرة لمعالجة الأمر والوصول إلى حل جذري للأزمة عن طريق المفاوضات السیاسیة، مؤكدا أن الولايات المتحدة لا يجب أن تقحم مشاكلها الداخلية في المفاوضات الحالية.
الى ذلك، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في كلمة له أمام منتدى دافوس الاقتصادي العالمي الـ45 في سويسرا: ان أي عقوبات جديدة للكونغرس ضد إيران ستقضي على برنامج العمل المشترك الذي تم الاتفاق عليه العام الماضي في جنيف،محذراً من أن «الشورى» قادر أيضاً على الرد بالمثل على عقوبات الكونغرس.
ختاماً، في ظل تأكيد إيران على سلمية برنامجها النووي وسعيها الجاد إلى اتفاق يؤدي لرفع العقوبات الاقتصادية، استطاعت طهران اثبات نفسها كقوة حقيقية على الساحة الدولية، وما الإختلاف الأخير بين السلطات الثلاثة في واشنطن الاّ خشيةً من رد ايران على العقوبات الأمريكية.كما لا يمكن تجاهل الاعلام الأمريكي والرأي العام الذي بدأ ينحاز الى الحل الدبلوماسي، فمصداقية طهران وقدرتها جعلتهم جعلت القادة الايرانيين يقفون بوجه أي قرار"متهور" لا يصب في مصلحة بلادهم.
