الوقت - قبل نحو 16 عاماً وتحديداً في 19 أيلول / سبتمبر عام 2000 ذكر "أمبروز إيفانز بريتشارد" المحرر في صحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية بأن الوثائق السرية التي أفرجت عنها واشنطن في وقت سابق تشير إلى أن المخابرات المركزية الأمريكية الـ "CIA" كانت تهيء الأرضية لتشكيل الإتحاد الأوروبي منذ خمسينات وستينات القرن الماضي، وقد خصصت ميزانية مالية كبيرة لهذا الغرض.
وكشفت هذه الوثائق إن أمريكا كانت تسعى خلال تلك الفترة ومن خلف الكواليس لإقناع بريطانيا بالإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي في حال تشكيله.
وفي 26 تموز/يوليو من عام 1950 أصدرت أمريكا مذكرة تشتمل على تعليمات تدعو إلى تمهيد الطريق لتشكل البرلمان الأوروبي.
وهذه المذكرة تحمل توقيع الجنرال "وليام جي. دانوان" رئيس مكتب الخدمات الإستراتيجية أثناء الحرب العالمية الثانية وهي وكالة إستخبارات أمريكية سابقة تعرف إختصاراً بـ (OSS). وعقب إنتهاء الحرب تم حل هذه الوكالة رسمياً وإستبدالها بوكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية التي تعرف بـ "السي أي ايه".
وتعتقد واشنطن إن السيطرة على الإتحاد الأوروبي أسهل بالنسبة لها من السيطرة عن دول أوروبية متفرقة تديرها حكومات مستقلة عن بعضها البعض.
ولهذا السبب توجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخراً إلى لندن لإبلاغ رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" بأن بريطانيا لا يمكن أن تكون خارج الإتحاد الأوروبي، رغم وجود طيف واسع من البريطانيين يؤيد هذا الأمر.
فالموقف الأمريكي غير مرحب به من قبل أنصار خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي الذين يؤكدون بأن أوباما لا علاقة له بهذا الموضوع، واصفين حديثه بهذا الشأن بأنه يمثل تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية البريطانية.
وحسب مجلة "إيكونوميست" البريطانية، يعتقد مؤيدو خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بأن قسماً كبيراً من الإستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاعي الخدمات المالية وصناعة السيارات ناجم عن عضوية بريطانيا في الإتحاد. ويرى هؤلاء إن من نتائج الخروج من الإتحاد سيكون قوانين أقل تشدداً، وإحتواء قضية المهاجرين.
وتشير الإستطلاعات حول الإستفتاء بشأن البقاء أو الخروج من الإتحاد الأوروبي الى أن نسبة مؤيدي الخروج من الإتحاد في بريطانيا قد إزدادت منذ 6 آذار / مارس الماضي. ففي ذلك التاريخ كانت هذه النسبة لا تتجاوز الـ 58 بالمئة، لكنها إرتفعت الآن الى حدود 85 بالمئة. ومن المقرر إجراء الإستفتاء في 23 من حزيران/ يونيو القادم.
من جانب آخر تسعى الإدارة الأمريكية جاهدة إلى توظيف ما تسميه التهديد الروسي لخداع الدول الأوروبية التي تطالب شعوبها بالإستقلال عن الإتحاد الأوروبي وفي مقدمتها بريطانيا، وذلك من خلال الإيحاء بأن الإستقلال يهدد أمن هذه الدول ويجعلها ضعيفة أمام روسيا، في حين يعتقد الكثير من المراقبين بأن الهدف الرئيسي الذي تسعى واشنطن إلى تحقيقه من وراء هذا التوظيف هو تأمين مصالحها في القارة الأوروبية على حساب شعوبها ودولها.
إلى جانب ذلك تسعى واشنطن إلى إظهار نفسها على أنها لا تشكل أيّ خطر على الإتحاد الأوروبي باعتبارها جزء من حلف شمال الأطلسي (حلف الناتو) الذي يضم الدول الأوروبية بالإضافة إلى أمريكا، في حين تشير كافة المعطيات العسكرية على أرض الواقع، ومن بينها تواجد القوات الأمريكية في البحر الأسود وبحر البلطيق والقواعد الصاروخية الأمريكية في بولندا وغيرها من دول أوروبا الشرقية القريبة من الحدود الروسية إلى أن أمريكا هي من يمثل في الحقيقة تهديداً بالقوة على دول الإتحاد الأوروبي وليست روسيا.
وكل هذه المعطيات تؤكد أن أمريكا بصدد تأمين مصالحها فقط ولا تعير أهمية لمصالح الدول الأوروبية، وتسعى بكل الوسائل لتحقيق هذا الهدف وعندها إن "الغاية تبرر الوسيلة" طالما تؤمن لها هذه المصالح.
وقد أثبتت التجارب السابقة أن أمريكا تخشى كافة الدول المستقلة لاسيّما إيران وروسيا والصين وتروج من خلال وسائل الإعلام المرتبطة بها على أن هذه الدول تمثل تهديداً لأمنها القومي بحجج وذرائع مختلفة، ولهذا تسعى واشنطن بكل جهدها لمنع أيّ محاولة من قبل أيّ دولة أوروبية تهدف إلى الإستقلال عن الإتحاد الأوروبي، حتى وإن كان شعب تلك الدولة يريد الإنفصال عن الإتحاد.
ومن الجدير بالذكر إن أمريكا ومن أجل تحقيق الهدف المذكور أعلاه قد جنّدت الكثير من وسائل الإعلام في الدول الأوروبية وغيرها من الدول الغربية لإفشال أيّ مسعى يرمي إلى تفكيك الإتحاد الأوروبي من جهة، أو يهيء الأرضية لإستقلال بعض دوله لاسيّما الدول المهمة والمؤثرة كبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا من جهة أخرى، لأن واشنطن تدرك جيداً إن ذلك سيؤدي بالنتيجة إلى فقدان سيطرتها على تلك الدولة، وبالتالي إلى عدم قدرتها على التحكم في قراراتها الإستراتيجية، في حين يضمن بقاء هذه الدول في إطار الإتحاد الأوروبي للإدارة الأمريكية مثل هذه السيطرة، وذلك من خلال التحكم بقرارات حلف شمال الأطلسي الذي يضم معظم الدول الأوروبية وأمريكا وكندا وتركيا.
بول كريغ روبرتس
المصدر: ttp://www.paulcraigroberts.org/2016/05/05/somnolent-europe-russia-and-china-paul-craig-roberts/
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
* Paul Craig Roberts؛ المساعد الأسبق لوزير المالية الأمريكي لشؤون السياسة الإقتصادية، وأحد المحررين السابقين في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية