الوقت- تقف حرية الرأي والتعبير في الغرب عند حدود الصهاينة، فللجميع الحق بالتعبير عن أرائهم وتوجهاتهم وتطلعاتهم وعلى الحكومات إحترام هذه التطلعات وتأمين الظروف المناسبة لحفظ الحق في التعبير، ولكن لذلك استثناء واحد وهو انتقاد الصهيونية، حيث تُشوه سمعة كل من تسول له نفسه التطرق للصهيونية وقضاياها، فيتهم بمعاداة السامية ويلاحق وقد يخسر موقعه السياسي والاجتماعي على غرار ما حصل لرئيس بلدية لندن الأسبق "كين لفينغستون".
حيث أن الأخير كان آخر ضحايا اللوبي الصهيوني في بريطانيا، وهو من رموز حزب العمال البريطاني الذي اتهمه الصهاينة بمعاداة السامية فتم بناء على هذه التهمة تعليق عضويته في الحزب العمالي، كما تم فتح ملف تحقيق حول التصريحات التي صدرت عنه، والعجيب أنه (أي لفينغستون) لم يتطرأ بتصريحاته للصيونية بل قام بالدفاع عن زميلته المسلمة في الحزب وعضو مجلس العموم البريطاني "ناز شاه"، التي جمدت عضويتها هي الأخرى، والسبب حديث عن تأييدها لكلام قديم لبعض الساسة يدعو إلى نقل الكيان الاسرائيلي إلى أمريكا.
أما عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الادعاءات الصهيونية فقد يكون السبب المعركة التي يخوضها اللوبي الصهيوني دعما لمرشحه "جاك غولدسميث" لرئاسة بلدية لندن في الانتخابات البلدية المقررة الخميس المقبل، و"غولدسميث" يهودي بريطاني من عائلة ثرية ومتوزج من آل روتشيلد.
وإضافة إلى ذلك والأهم أن المنافس الأقوى "لغولدسميث" في هذه الانتخابات هو "صادق خان" عضو حزب العمال والبريطاني المسلم من أصول باكستانية، حيث يسعى إذا اللوبي الصهيوني إلى أشعال مواجهة مع حزب العمال ودفعه إلى التراجع عن ترشيح "نازشاه" هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذا الكلام يضرم الكراهية في نفوس غير المسلمين ضد المسلمين في بريطانيا وهو الهدف الدائم للحركة الصهيونية حول العالم.
أما عن استهداف لفينغستون تحديدا، فيعود إلى دفاعه عن الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، واستخدموا ضده تصريحا لاذاعة لندن يدافع فيه عن "نازشاه" على اعتبار أن موقفها لا يختلف عن موقف الحركة الصهيونية ابان تأسيس الكيان الاسرائيلي التي وافقت في حينها على نقل اليهود الألمان إلى فلسطين، وهنا كانت الطامة الكبرى إذ أن الحديث عن علاقة اليهود بهتلر يعني المساس بأفكار مقدسة لدى اللوبي اليهودي من قبيل الهولوكوست التي يشكك الكثيرون بحقيقتها.
هذا وقد تظاهر بعض الصهاينة البريطانيون أما منزل لفينغستون في شمال غرب لندن وعلقوا العلم الاسرائيلي على مدخل منزله. كما هاجم النائب عن حزب العمال البريطاني جون مان لفينغستون في الشارع وأهانه وكاد يعتدي عليه بالضرب. ومان من أشد العماليين المؤيدين للكيان الاسرائيلي وهو حائز على أوسمة وتقديرات عديدة من الصهاينة حول العالم.
هذا وفي مقال لصحيفة "الغارديان" البريطانية المؤيدة لاللوبي الصهيوني أشارت فيه إلى أن كل وسائل الاعلام البريطانية مقرؤة كانت أو مسموعة ومرأية وقفت ضد ليفنغستون، وفي هذا اشارة واضحة إلى التباهي الصهيوني بقدرتهم الكبيرة على التأثير في الاعلام الذي يخشى نقمة الصهاينة الذين يسيطرون على الاعلام الغربي بشكل عام.
هذا وكان رئيس حزب العمال البريطاني "جيرمي كوربن" وخشية منه من تفاقم الوضع قد خضغ للضغوط الصهيونية وعلق عضوية "ناز شاه "و"ليفنغستون" من الحزب، مع أن الأخير كان من أبرز الداعمين للقضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين وذلك قبل توليه رئاسة الحزب، حيث كان ينتقد سياسات تل أبيب ولكن اختلفت وجهة نظره تماما أو اضطر إلى تغييرها بعد تسلمه رئاسة حزب العمال ويبدو أنه يتحاشى أي صدام مع الحركة الصهيونية ومستعد لاتخاذ أي قرار في سبيل الحفاظ على التهدئة معهم، خاصة أن داخل حزبه الكثير ممن يدعمون الكيان الاسرائيلي بكافة السبل.
نعم هذا حال بريطانيا التي تدعي احترام الحريات والدفاع عن حقوق الانسان حول العالم، فلطالما هتكت الحرمات الاسلامية ودافعت عمن ارتكب الجرائم بحق المسلمين، كما أنها حمت شخصيات كسلمان رشدي الذي تطاول على الاسلام تحت مسميات حرية الرأي والتعبير، هذا دون أن ننسى ما قامت به الحكومة البريطانية مؤخرا من مواجهة المظاهرات التي تدعو إلى تغيير النظام الراسمالي العالمي الحاكم والذي يتيح لواحد بالمئة من سكان الكرة الأرضية امتلاك مقدرات بقية سكان المعمورة. واليوم تفتح بريطانيا المجال واسعا للحركة الصهيونية للعب كيف شائت في الداخل البريطاني دون حيب أو رقيب، وهذا يؤدي بالكثيرين مم معارضي الكيان الاسرائيلي ليصبحوا في معرض التهديد الداخلي بازالتهم من الساحة السياسية وتعريض مستقبلهم وأعمالهم لأخطار تجعلهم يعيدون التفكير في اعتقاداتهم ومجبرين على تغيير قناعاتهم المحقة.