الوقت - نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً حول ظاهرة التطرف في أوروبا، عازية إنتشار هذه الظاهرة إلى سببين أساسيين؛ الأول: تهميش المهاجرين في الكثير من دول الإتحاد الأوروبي، والثاني: فسح المجال للجماعات السلفية لنشر الفكر الوهابي المتطرف في أوساط هذه الدول.
وقالت الصحيفة في مقال بقلم "روجر كوهين" إن جذور الإرهاب موجودة في الحقيقة في قلب أوروبا وليس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأشار التقرير إلى أن العجلات العسكرية والجنود المدججين بالسلاح ينتشرون الآن في شوارع العاصمة البلجيكية "بروكسل" خصوصاً قرب حي "مولنبيك" الذي إنطلق منه المتطرفون لتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في دول أوروبية مختلفة أدت إلى مقتل وجرح المئات من الأشخاص. ويعتبر "مولنبيك" من أكثر الأحياء فقراً في بروكسل، حيث تصل نسبة البطالة فيه إلى أكثر من 36 % لاسيّما في أوساط الشباب تحت سن الـ 25.
وأضاف كاتب التقرير إن حي "مولنبيك" الذي كان يختبئ فيه صلاح عبدالسلام العضو الوحيد المتبقي من الجماعة الإرهابية التي نفّذت هجمات باريس والذي تم القبض عليه في 18 آذار/مارس، كان هذا الحي في ذات الوقت الملاذ الآمن للعقل المدبر لتلك الهجمات، المغربي الأصل "عبد الحمید أباعود" المشهور بلقب "أبو عمر سوسي"، مشيراً كذلك إلى أن 14 إرهابياً على الأقل على صلة بهجومي باريس وبروكسل كانوا يعيشون أيضاً في بلجيكا وفي عاصمتها على وجه التحديد.
ومن بين الذين تم إعتقالهم قبل أيام في بروكسل هو البلجيكي ذو الأصول المغربية "محمد العبریني" الذي ترعرع أيضاً في "مولنبيك" والذي إعترف خلال إستجوابه من قبل الشرطة بأنه الشاب الذي كان يضع قبعة على رأسه عندما ظهر في شريط فيديو سجّلته كاميرات المراقبة في مطار بروكسل، وهو ذات الشخص الذي رافق مرتكبي تفجيرات مطار "زفنتيم" في بروكسل في 22 مارس / آذار الماضي، حسبما أعلنت النيابة البلجيكية. وفي وقت سابق كشفت الصور التي إلتقطتها كاميرات المراقبة أيضاً بأن العبریني كان قد شارك في هجمات باريس في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي.
ويعتقد المراقبون إن بلجيكا لاسيّما "بروكسل" باتت تمثل المعقل الرئيسي للجماعات الإرهابية في أوروبا بسبب ضعف أجهزتها الأمنية من جانب، وتغلغل الإرهابيين في صفوف النازحين إليها من مختلف دول العالم من جانب آخر.
وتجدر الإشارة إلى أن الهجرة إلى أوروبا بدأت قبل أكثر من نصف قرن خصوصاً من تركيا وشمال أفريقيا، ومذ ذلك الوقت بدأ أتباع الفكر الوهابي بخداع الشباب المهاجرين وجرّهم إلى التطرف خصوصاً في الأحياء الأوروبية الفقيرة والتي ترتفع فيها نسبة البطالة. وقد حذّر رئيس الوزراء الفرنسي "مانويل فالس" مؤخراً من خطورة ما أسماه الأيديولوجيات والثقافات التي تحملها الأقليات المتطرفة على الأمن والإستقرار في عموم أوروبا وفي فرنسا على وجه الخصوص.
وخلال العامين الأخيرين شهدت العديد من الدول الأوروبية نشاطات واسعة من قبل أتباع الفكر الوهابي تهدف إلى تجنيد الشباب العاطل عن العمل وترغيبه بالإلتحاق بالجماعات الإرهابية في مناطق أخرى لاسيّما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خصوصاً في سوريا والعراق وليبيا، والذي قرر الكثير منهم العودة إلى البلدان الأوروبية، ما شكّل تهديداً حقيقياً لأمن وإستقرار هذه البلدان.
ويرى العديد من المراقبين بأن معركة أيديولوجية فعليّة بدأت منذ فترة تلوح بالأفق في الكثير من الدول الأوروبية، ولهذا لابدّ من إتخاذ إجراءات سريعة ومؤثرة لمواجهة خطر الإرهاب والتطرف الذي يقوم بنشره أتباع الفكر الوهابي في أوساط الشباب لاسيّما المهاجرين الجدد إلى هذه الدول. كما يشدد هؤلاء المراقبون على ضرورة إضطلاع الأقليات الإسلامية المعتدلة في كافة الدول الأوروبية بدور فّعال في هذا المجال من خلال فضح الأفكار المنحرفة والهدّامة التي يروّج لها الوهابيّون في هذه الدول.
وتسببت موجة النزوج غير المسبوقة للاجئين والنازحين من الشرق الأوسط بخلق متاعب وصعوبات كثيرة للدول الأوروبية في كافة الجوانب الأمنية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية، وقد أدى هذا الوضع إلى خلق حالة من الغموض والإرتباك باتت تهدد مستقبل الوحدة الأوروبية برمتها وتبدد حلم شعوبها بالعيش بأمان وتقيّد حريّتهم بالتحرك والتنقل بين بلدانها كما كانوا ينعمون في السابق في إطار إتفاقية "شنغن" التي تضم 26 دولة أوروبية.