الوقت - بعد الهجمات الإرهابية التي إستهدفت العاصمة البلجيكية "بروكسل" مؤخراً، والتحذيرات المتتالية داخل أوروبا، بات "الأصوليون" العائدون من سوريا والعراق في مركز إهتمام السلطات الأوروبية، حيث تحاول الأجهزة الأمنية إتخاذ تدابير للحد من الخطر القادم.
ففي أحد المراكز لمكافحة الإرهاب في برلين، يجتمع يومياً ممثلون عن 40 وكالة أمن مختلفة من مجالس الولايات. بما في ذلك موظفو دوائر الإستخبارات الألمانية الداخلية، وأقسام الإستخبارات الإتحادية، ودائرة مكافحة التجسس العسكري.
ويتم في هذا الإجتماع عرض جميع المعلومات المتعلقة بـ "الأصوليين" الأوروبيين العائدين، والتي تتحدث في الغالب عن حركة السفر الخاصة بمؤيدي تنظيم "داعش" الإرهابي، وعدد العناصر التي غادرت ألمانيا للإنضمام إلى هذا التنظيم؟ والأهم من ذلك، كم من هؤلاء عاد مرة أخرى إلى البلد؟
ولا يرغب المسؤولون عن هذا المركز بالإفصاح عن تفاصيل الإجتماع وكيف تتدفق المعلومات، وكيف تتم معالجتها، وذلك لأسباب تكتيكية، إلاّ أن خبراء أمنيين يتحدثون عن تحسن أمور المراقبة وتوسع مداها. وتُرجع الأجهزة الأمنية هذا التحسن لعاملين، الأول: توفر المزيد من المعلومات من أجهزة الإستخبارات الأجنبية السريّة، والثاني: إعترافات "الأصوليين" العائدين أثناء محاكمتهم.
من هذه الإعترافات، على سبيل المثال، ما أدلى به المدعو "نيلز. د" أمام المحكمة العليا في "دوسلدورف"، حيث روى كيف إنضم إلى "داعش" وكيف لاحق الهاربين من التنظيم في سوريا، وأَسَرَهم بقوة السلاح وألقاهم في سجون هذا التنظيم. وكذلك إعترافات المدعو "إبراهيم. ب" الذي ذهب إلى شمال العراق وعاد بعدها إلى ألمانيا، والتي تضمنت كيف يتم التحضير للهجمات الإنتحارية والعمليات الخاصة بها.
وتقوم أجهزة الأمن من ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى بتقييم المعلومات الواردة، وتبادلها من أجل الوصول إلى طرق أفضل لمكافحة الإرهاب. ويُعَد هذا الأمر من الأمور الحديثة التي بدأت الأجهزة الأمنية بإتباعها، ومع مرور الوقت نمت المعرفة لديها عن طبيعة العائدين.
وأشار مكتب مكافحة الجريمة في برلين بتاريخ 24 آذار/ مارس 2016 إلى سفر حوالي 800 "أصولي" إلى سوريا، وعودة ثلثهم تقريباً إلى ألمانيا. وذكر المكتب أن مؤشرات السفر الخاصة بهؤلاء قد زادت إلى نحو عشرة أضعاف منذ عام 2011، معرباً عن إعتقاده بأن حوالي 70% منهم تلقوا تدريباً عسكرياً في سوريا أو شاركوا في العمليات الإرهابية بشكل مباشر.
من جانبه أعرب رئيس دائرة الأمن الداخلي الألماني "هانز جورج ماسين" عن قلقه من الأشخاص العائدين، مؤكداً أنهم باتوا الآن أكثر تطرفاً من أي وقت مضى، وأصبح الكثير منهم متمرسون في مختلف صنوف القتال.
وأشار ماسين إلى أن حوالي 470 من هؤلاء الأشخاص هم من الخطرين جداً وتتم متابعتهم بشكل متواصل من قبل أجهزة الأمن الألمانية، وهو ما يخلق لأجهزة الشرطة ولدوائر المخابرات الداخلية مشاكل عديدة، سواء كان المشتبه به فرداً واحداً أو مجموعة قد تصل لأربعة أشخاص.
في هذا الخصوص أشار "تورستن فوس" مدير جهاز الأمن الداخلي في ولاية "هامبورغ" إلى الكثير من المعلومات والأفكار التي يمكن تطويرها لمكافحة الإرهاب، ومنها على سبيل المثال، مراقبة أكثر فعالية للإنترنت، وأيضاً تحليل الشبكات الإجتماعية الخاصة بالعائدين.
وأوضح "فوس" أن مركز مكافحة الإرهاب في برلين لديه قسم خاص لهذا الأمر، مشيراً إلى أن إحدى الملاحظات التي تم التوصل إليها هي أن الأشخاص العائدين من سوريا يبحثون في كثير من الأحيان عن أتباع الحركة السلفية، والذين كانوا على علاقة معهم قبل سفرهم من ألمانيا.
وشخّصت دراسة للمكتب الإتحادي لمكافحة الجريمة في ألمانيا تجارب للعديد من العائدين من مناطق القتال، ولاحظت تناقصاً في القوة لدى تنظيم "داعش" في شمال العراق. كما رصدت الدراسة مستوى التعليم المنخفض للعائدين، مع ميل لإرتكاب الجريمة.
وصنّفت الدراسة أغلب أعمار العائدين إلى فئتين، الأولى: من 27 إلى 30 سنة، بينما الفئة العمرية الثانية: تحت سن 25، حيث أشارت الدراسة إلى أنها تحمل أفكاراً أكثر تطرفاً من الفئة الأولى. ولا تنظر السلطات الأمنية بعين الرضا الى هذا الأمر، إذ أنه توجد إحتمالية أيضاً أن يكون هناك مجرمون من بين هؤلاء العائدين.
ومن المؤسسات الأخرى التي تكافح الإرهاب وتعمل على تجميع إجراءات قانونية ضد الإرهابيين في ألمانيا، هي مكتب النائب العام، الذي يرأسه "بيتر فرانك" الذي إعترف خلال لقاء صحفي بأنه يواجه صعوبات في جمع الأدلة من سوريا أو العراق. ويرى فرانك أنه من الأنسب إقامة مركز أوروبي متكامل لمكافحة الإرهاب على غرار مركز برلين، حيث يقدر مسؤولو أمن أوروبيون وجود نحو 3000 شخص لديهم الإستعداد لممارسة العنف، وهم منضوون تحت لواء جماعات إرهابية في الشرق الأوسط.
"توديع الكراهية والعنف" هو إسم برنامج ألماني لمحاربة التطرف كان موجوداً في السنوات بين 2001 و 2014، وهدف إلى مساعدة المتسربين من المتطرفين على الإنفتاح على المجتمع، إلّا أن هذا البرنامج تم إيقافه في وسط الطريق، فيما عززت وزارة الداخلية من مكافحتها للإرهاب، عن طريق المحاضرات التثقيفية، في المدارس والمعامل، وفي السجون أيضاً.