الوقت - يعد قرار "وقف إطلاق النار"، حالة مؤقّتة من وقف أو تعليق الحرب والعمليات القتالية تحت عنوان "إستراحة محارب" بين طرفي النزاع. ويتمّيز قرار "وقف إطلاق النار" بكونه يُعلن لفترة محددة وداخل نطاقٍ جغرافي معيّن، بما يؤدي لتأمين الأوضاع الإنسانية عبر وصول المساعدات وإجلاء المدنيين والجرحى من جبهات القتال، وقد يمهّد لإرساء تسوية سلمية.
ويغلب الطابع الإنساني على وقف إطلاق النار، إلا أن هناك خلافاً جوهرياً بينه وبين اتفاق السلام، بإعتبار أن الأول يختص بنطاق جغرافي وزمني معين قد يدوم أكثر مما اتُفق عليه مبدئيا، إضافةً إلى إمكانية أن يتضمّن هذا القرار بندا يحدد نوع الأسلحة المستخدمة في القتال، أو يكون من طرف واحد إبداء لحسن النية أو من أجلِ إتاحة الوقت اللازم للعملية السياسيّة.
إذاً، يبدو واضحاً أن وقف إطلاق النار في الحروب يهدف بشكل رئيسي لإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين، بالتوازي مع العمل على إنهاء الحرب بشكل كامل. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، أين الأزمات الإقليمية من هذه المصطلحات العسكرية؟، بعبارة أخرى، شهدنا في الأزمتين السورية واليمنية عناوين عسكرية مختلفة تارةً تحت شعار وقف إطلاق نار وأخرى تحت عنوان الهدنة، فهل تمّ الإلتزام بالشروط المستلزمة لهذه القرارات؟ وهل إستفاد المحور الغربي- العربي من هذه "الحيلة" لتمرير أمور لاإنسانية؟
في سوريا، عندما نجحت عملية "نصر 2" في السيطرة على مناطق واسعة في الشمال السوري، وبالتزامن مع نجاح إستراتيجية الجيش السوري وحلفائه وتقهقر الجماعات الإرهابية هناك، سارعت واشنطن لإيجاد ضجيج إعلامي يُبرز الجماعات الإرهابية بأوضاع إنسانية صعبة، حتّى أنها تنازلت حينها، إعلامياً، عن شرط رحيل الرئيس الأسد مقابل وقف إطلاق النار والدخول في عملية سياسيّة في جنيف تبيّن لاحقاً أنها لا تعدو عن كونها حيلة سياسية تهدف لتزويد الجماعات المسلحة بالدعم العسكري عبر الحدود التركية وإعادة تنظيم صفوف هذه الجماعات بما يتلائم مع المرحلة. تفاصيل هذا المشهد شاهدناه في تلّ العيس وإسقاط الطائرة السورية، إلا أن المحور الآخر أثبت صحوته سواء في الرد المقابل أو الإنتصار الإستراتيجي في مدينة تدمر. الإستراتيجية الأمريكية تكمن في إشغال الجيش السوري على الجبهات الغربية والجنوبية في ريف حلب بغية الحد من المعارك الجارية مع تنظيم داعش الإرهابي بإعتبار أن إستعادة الرقّة تمثّل نكسة إستراتيجية للمشروع الأمريكي في سوريا.
ولم يكن الأمر على الجبهة اليمنية عن سوريا ببعيد حيث طرحت السعودية مشروع الهدنة الحدودية عبر وساطات قبلية بغية وقف تقدّم الجيش واللجان الشعبية في الجنوب السعودي، إلا أنه تبيّن لاحقاً أن هذه الحيلة العسكرية تهدف للإنقضاض على الجيش اليمني واللجان سواءً في ميدي التي خسرت فيها الرياض، خلال الزحف الأخير فقط، أكثر من 130 جندي، أو في محافظة الجوف، فضلاً عن إشعال الجبهة الجنوبية بشكل أكبر من السابق عبر القاعدة وتنظيم داعش الإرهابيين.
لا شكّ في أن هذه الخدع لا تنطلي على الجيش السوري وحلفائه أو على الجيش واللجان الشعبية في اليمن، إلا انها تأتي في إطار سياستهم الداعية إلى الحل السياسي بعيداً عن الميدان، ولعل الجانب الإنساني يقف خلف هذه الموافقة التي كلّفتهم الكثير وفق بعض الخبراء العسكريين. فلو إستمرت عملية "نصر2" في حلب وريفها لكان الجيش السوري اليوم مجتمعاً على جبهة الرقّة، إلا أن الموافقة أتت لتمهيد الحل السياسي ورفع أي ذرائع ممكنة قد تستفيد منها واشنطن لاحقاً. في اليمن كذلك، تدرك حركة أنصار الله وحلفاؤها في المؤتمر الشعبي وبقية القوى الوطنية أن ورقة "الجنوب السعودي" تعطي اليمنيين يداً عليا خارج حدودهم فضلاً عن الداخل، وتدرك هذه القوى أن السعودية تخشى تكرار حادثة 2009 حيث بقيت تفاوض حينها أنصار الله ستّة أشهر للخروج من الأراضي السعودية لذلك حاولت مؤخراً نقل الجبهة من الشمال اليمني-الجنوب السعودي إلى الشمال والجنوب في اليمن.
في الخلاصة، هناك بعض القوى تستفيد من قرار وقف إطلاق النار الإنساني لتحقيق غايات سياسية وميدانية بغية تغيير المعادلة، إلا أن هذه الذرائع فشلت في تحقيق أهدافها وباتت منتهية الصلاحيّة.