الوقت- عاد موضوع تسليح الجيش اللبناني إلى الواجهة من جديد، وبحلّة جديدة، عنوانها وقف الهبتين الموقوفتين أساساً من قبل الرياض. الخطوة الجديدة تأتي في سياق خطوات مماثلة تندرج في إطار السياسة السعودية الإقليمية سواءً في اليمن، سوريا وحالياً لبنان.
لم تقتصر خطوة السعودية الجديدة التي تأتيً، إعلاميا، ردّاً على موقف حزب الله من الأزمة السورية والعدوان على اليمن ، بل تترافق وهجمة إعلامية شرسة تسعى لإستهداف حزب الله لبنانياً بشكل عام، وشيعياً على وجه الخصوص. لسنا هنا بوارد الدخول في تفاصيل الهجمة الإعلامية السعودية الشرسة التي تستخدم فيها بعض مرتزقة الإعلام، إلا أنه بالتأكيد سيحاول "آل سعود" مواجهة موقف حزب الله من خلال خطوات "ناعمة" عدّة أبرزها الهجوم الإعلامي على الصعيدين العربي واللبناني والضغط داخلياً عبر طرد الشيعة البنانيين من دول مجلس التعاون، بإعتبار أن المواجهة الخشنة معروفةً النتائج مسبقاً والرياض تدرك خطورة الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع حزب الله.
التقشف السعودي الجديد تجاه لبنان يقطع الطريق على الحريري الذي عاد قبل سنوات إلى مطار بيروت بحجّة متابعة "الهبة السعودي" للوصول إلى مبتغاه في رئاسة الحكومة، إلا أن ذلك يعني أيضاً وصول نار التقشف السعودي إلى ثوب الحريري نفسه الذي سيضطر إلى التنازل في العديد من الملفات السياسية اللبنانية بغية الوصول إلى رئاسة الحكومة، وتأمين جزءاً من موارده المالية.
لا ريب في أن الرياض لو نجحت في تمرير مشاريعها في اليمن من خلال العدوان، أو في سوريا، لكان الرد السعودي مختلفاً، إلا أن هذا لا يعني عدم وقف الهبة تحت ذرائع آخرى تبدأ بمحاولة إتهام الجيش بالتحيّز نحو الحزب، ولا تنتهي بفرض جملة من الشروط التي تصل لحد تعيين رئيسيين للجمهورية والحكومة سعوديي الهوى. بعبارة آخرى، إن الإبتزاز السياسي هو العنوان الوحيد للهبة السعودية التي قطعت على الجيش اللبناني هبات عسكرية عدّة، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: فضح الحريرية السياسية المرتهنة لقرارت "آل سعود" ضاربة عرض الحائط مصلحة لبنان واللبنانيين، فقد أفضت هذه السياسة المتبعة من قبل "آل الحريري" خدمة لـ"آل سعود" إلى وقف الهبة الروسيّة في العام 2008، والإيرانية التي عُرضت للمرة الألف دون أن تلقى أي رد لبناني واضح.
ثانياً: لم يفاجئ القرار أغلب القوى الوطنية اللبنانية، والعديد من أبناء الشعب اللبناني، الذي وجد في هذا القرار إثباتاً جديداً لوقوف "آل سعود" في النقطة المواجهة للجيش اللبناني، وفضحاً لسياسة الرياض في الوقوف إلى جانب الإرهاب، فلو صوّب الجيش اللبناني بندقيته نحو الداخل، وتحديداً حزب الله لأغرقت الرياض الجيش بالأموال والسلاح، إلا أنه وبسبب وقوفه أمام الجماعات الإرهابية على الحدود اللبنانية السورية باتت "الهبات" ممنوعة عليه.
ثالثاً: حاولت السعودية من خلال إتهامها لحزب الله ووزارة الخارجية اللبنانية رمي الكرة في الملعب اللبناني، بغية إدخال لبنان مجدّداً في آتون الفتنة المذهبية. السعودية سعت للإستفادة من المواقف البنانية وسياسة النأي بالنفس الحكومية سواءً فيما يتعلق بالشعبين اليمني والبحريني أو الأزمة السورية، إلا أن هذه التهم الفاشلة في الشكل والمضمون والتوقيت لن تنطلي على ذو لب فطن.
رابعاً: لن يؤثر القرار السعودي بإلغاءِ الهبة على المؤسسةَ العسكريةَ اللبنانية، التي ستتدبرُ أمرَها من خلالِ قرارِ مجلسِ النواب الأخير بشأن تسليح الجيش، والهِباتِ من الدول الأخرى، وفق ما أوضح وزير الدفاع اللبناني سمير مقبل، خاصةً أن الأسلحة كافّة الأسلحة الفرنسية المنتقاة مسبقاً من قبل الكيان الإسرائيلي لن تسمح بأي سلاح "كاسر للتواز" التكتيكي، فضلاً عن الإستراتيجي.
خامساً: إن القرار السعودي الأخير يأتي في خضام الأزمة المالية الناتجة عن هبوط الأسعار بسبب "الهمجية النفطية" السعودية، وبالتالي يأتي قرار "آل سعود" في إطار سياسة "التقشف" التي وصلت لخصخصة العديد من المؤسسات الرسمية السعودية، وعلى رأسها بيع أسهم في شركة "أرامكو النفطية".
لم تكن العلاقات السابقة بين السعودية وحزب الله سابقاً في أحسن أوحوالها، ولكن الرياض آنذاك كانت تحاول فصل الملفات عن بعضها والتعاطي مع لبنان تحديداً بشيئ من الواقعية بإعتبار أن "رباطة الجأش" كانت عنواناً لسياستها الخارجية، إلا أنه مع وصول الطاقم الجديد غدت سياسة حكام الرياض "الهمجية" و"الصبيانية" التي لن تتوقف عند وقف المساعدات تجاه لبنان. بالأمس أمير الكبتاغون ، اليوم وقف الهبة والآتي أعظم.