الوقت- يعيش الكيان الصهيوني اليوم على وقع فضيحة سياسية مدوّية تكشف حجم الانحطاط الذي وصلت إليه مؤسساته العليا، بعد أن كشفت القناة 12 العبرية عن شبهات صفقة سرّية بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوغ. هذه الصفقة، التي وُصفت بأنها "هزة أرضية سياسية"، تقوم على دعم نتنياهو لترشيح هرتسوغ لرئاسة الكيان مقابل حصوله لاحقًا على عفو شامل يجنّبه المحاكمة في قضايا الفساد التي تلاحقه منذ سنوات. ما ظهر إلى العلن ليس مجرد وثيقة قانونية أو رأي سري، بل هو دليل إضافي على أن النظام السياسي في الكيان الصهيوني بات غارقًا في صفقات خلف الكواليس، حيث تُباع المناصب وتُشترى، وتُدار الدولة بمنطق المقايضة لا بمنطق القانون. وبينما يحاول هرتسوغ التنصل من مسؤوليته، تتكشف يومًا بعد يوم خيوط علاقة مريبة بينه وبين نتنياهو، علاقة تهدد ما تبقى من صورة "الديمقراطية" التي طالما تباهى بها الكيان الصهيوني أمام العالم.
وثيقة سرّية تكشف مخطط العفو المسبق: هرتسوغ كوسيط لإنقاذ نتنياه
تكشف الوثيقة القانونية السرية التي أُعدت عام 2019 عن مستوى غير مسبوق من التلاعب السياسي داخل الكيان الصهيوني، حيث درس فريق إسحاق هرتسوغ، الذي كان حينها يستعد للترشح لرئاسة الكيان، إمكانية منح نتنياهو عفوًا عامًا قبل حتى توجيه الاتهام إليه رسميًا. هذه الخطوة لم تكن مجرد نقاش قانوني عابر، بل كانت جزءًا من خطة مدروسة تهدف إلى حماية نتنياهو من المحاكمة مقابل انسحابه من الحياة السياسية. الأخطر من ذلك أن هرتسوغ تواصل مع شخصيات رفيعة، من بينها الرئيس السابق رؤوفين ريفلين ونتنياهو نفسه، في محاولة لاستطلاع إمكانية تمرير هذه الصفقة. هذا السلوك يكشف أن هرتسوغ لم يكن مجرد مرشح للرئاسة، بل كان لاعبًا سياسيًا مستعدًا لتقديم خدمات لرئيس حكومة متهم بالفساد، مقابل دعم سياسي يضمن له الوصول إلى أعلى منصب رمزي في الكيان. ورغم أن مكتب الرئيس حاول لاحقًا التنصل من الوثيقة، إلا أن وجودها بحد ذاته يكشف حجم التواطؤ الذي كان يجري خلف الأبواب المغلقة. إن مجرد التفكير في منح عفو مسبق لرئيس حكومة متهم بالرشوة وخيانة الأمانة، يكشف أن الكيان الصهيوني ليس سوى منظومة تُدار وفق مصالح شخصية، لا وفق القانون.
دعم الليكود المشبوه وصفقة العفو المؤجلة
انتخاب إسحاق هرتسوغ رئيسًا للكيان الصهيوني عام 2020 لم يكن حدثًا طبيعيًا كما حاولت المؤسسة السياسية تصويره، بل كان نتيجة دعم غير مسبوق من حزب الليكود بقيادة نتنياهو، الذي امتنع بشكل غريب عن تقديم مرشح منافس قوي. هذا الامتناع لم يكن صدفة، بل كان جزءًا من تفاهمات غير معلنة، حيث تم ترك الساحة مفتوحة أمام هرتسوغ ليصل إلى الرئاسة بسهولة، في مقابل التزامه الضمني ببحث إمكانية منح نتنياهو عفوًا في المستقبل. وسائل الإعلام العبرية نفسها تساءلت حينها عن سبب عدم ترشيح الليكود شخصية بارزة مثل ميريام بيريتس، التي كانت تحظى بدعم شعبي واسع. لكن نتنياهو تجاهل كل ذلك، وفضّل دعم هرتسوغ، وهو ما أثار الشبهات منذ البداية. اليوم، وبعد الكشف عن الوثيقة القانونية، يتضح أن دعم نتنياهو لم يكن بدافع "التوافق الوطني"، بل كان جزءًا من صفقة سياسية مظلمة تهدف إلى إنقاذه من المحاكمة. إن انتخاب رئيس للكيان بهذه الطريقة ينسف تمامًا فكرة استقلالية منصب الرئاسة، ويحوّل هذا المنصب إلى أداة في يد رئيس حكومة متهم بالفساد، يستخدمها لحماية نفسه من العدالة.
غضب داخلي وتضارب روايات
ردود الفعل على هذه الفضيحة كشفت حجم الغضب داخل الأوساط السياسية والإعلامية في الكيان الصهيوني، حيث اعتبر كثيرون أن ما جرى يمثل تهديدًا مباشرًا لما تبقى من "الديمقراطية" المزعومة. فهرتسوغ، الذي يفترض أن يكون رمزًا للوحدة والنزاهة، وجد نفسه متورطًا في نقاشات حول عفو سياسي لرجل يواجه اتهامات خطيرة. ورغم نفيه القاطع لأي علاقة بالوثيقة، إلا أن تبريراته بدت ضعيفة ومتناقضة، خاصة بعد أن اتضح أن مساعده كان على اتصال بمحامين لإعداد رأي قانوني حول العفو. أما نتنياهو، فقد استغل الفوضى ليقدّم طلبًا رسميًا للعفو، في خطوة تؤكد أنه كان ينتظر اللحظة المناسبة لإحياء الصفقة. هذه التطورات تكشف أن الكيان الصهيوني ليس فقط كيانًا يعاني من فساد سياسي، بل كيان تُدار مؤسساته وفق مصالح شخصية ضيقة، حيث يتلاعب القادة بالمناصب والسلطات لتحقيق مكاسب فردية. كما أن تدخل شخصيات خارجية، مثل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يزيد من تعقيد المشهد، ويعطي انطباعًا بأن القضية تتجاوز حدود السياسة الداخلية، لتصبح جزءًا من شبكة نفوذ دولية تخدم مصالح نتنياهو.
انهيار الثقة وتآكل مؤسسات الكيان
تداعيات هذه الفضيحة قد تكون كارثية على مستقبل النظام السياسي داخل الكيان الصهيوني، لأنها تكشف أن أعلى منصبين — رئاسة الحكومة ورئاسة الكيان — قد يكونان جزءًا من صفقة فساد كبرى. فإذا ثبت وجود تفاهمات بين نتنياهو وهرتسوغ، فإن ذلك يعني أن الكيان يعيش أزمة أخلاقية وسياسية عميقة، وأن مؤسساته لم تعد قادرة على حماية نفسها من التلاعب السياسي. كما أن هذه القضية قد تؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور في النظام القضائي، خاصة إذا تم منح نتنياهو عفوًا في نهاية المطاف. وفي الوقت نفسه، قد يجد هرتسوغ نفسه في موقف حرج، حيث سيضطر إلى اتخاذ خطوات استثنائية لإثبات استقلاليته، وربما مواجهة ضغوط سياسية وإعلامية غير مسبوقة. إن ما يجري اليوم ليس مجرد فضيحة عابرة، بل هو مؤشر على انهيار تدريجي في بنية النظام السياسي داخل الكيان الصهيوني، الذي طالما حاول تقديم نفسه كـ"واحة ديمقراطية" في الشرق الأوسط. لكن الحقيقة التي تكشفها هذه القضية هي أن الكيان الصهيوني يتآكل من الداخل، وأن الفساد فيه أخطر من أي تهديد خارجي.
انكشاف أعمق لشبكة المصالح الخفية
مع توالي التسريبات واتساع دائرة الجدل، بدأت تتكشف ملامح شبكة مصالح أعمق مما ظهر في البداية، حيث لم تعد القضية محصورة في وثيقة قانونية أو اتصالات فردية، بل باتت تعكس نمطًا متجذرًا من المقايضات السياسية داخل الكيان الصهيوني. فالعلاقة بين هرتسوغ ونتنياهو لم تكن مجرد تواصل عابر، بل جزءًا من منظومة نفوذ تتداخل فيها المصالح الحزبية مع الطموحات الشخصية، وتُستخدم فيها المناصب العليا كأدوات تفاوض. كما أن صمت بعض الأطراف السياسية، وتردد أخرى في المطالبة بتحقيق شفاف، يشير إلى خشية من انكشاف المزيد من الصفقات التي قد تطال شخصيات أخرى. هذا المشهد يعزز الانطباع بأن الأزمة ليست حدثًا طارئًا، بل نتيجة تراكمات طويلة من الفساد السياسي الذي تغاضت عنه المؤسسة الحاكمة. ومع تصاعد الضغوط الشعبية والإعلامية، يبدو أن الكيان مقبل على مرحلة اختبار حقيقية قد تعيد رسم موازين القوى داخله.
في النهاية، تكشف هذه الفضيحة أن الكيان الصهيوني يقف أمام أزمة سياسية وأخلاقية غير مسبوقة، حيث تتداخل المصالح الشخصية مع أعلى المناصب الرسمية، وتتحول الرئاسة إلى ورقة مساومة لإنقاذ رئيس حكومة متهم بالفساد. ورغم محاولات هرتسوغ ونتنياهو نفي وجود أي صفقة، إلا أن الوثائق والتسريبات والوقائع المتتابعة تشير إلى عكس ذلك. إن ما يجري اليوم يهدد بتقويض ما تبقى من ثقة الجمهور في مؤسسات الكيان، ويكشف أن الفساد لم يعد مجرد حالات فردية، بل أصبح جزءًا من بنية النظام نفسه. ومع استمرار الضغوط الإعلامية والسياسية، قد تتحول هذه القضية إلى نقطة تحول في تاريخ الكيان الصهيوني، وربما تفتح الباب أمام انهيار التحالفات التقليدية وإعادة تشكيل المشهد السياسي بالكامل. ما هو مؤكد أن الكيان الصهيوني يواجه اليوم فشلاً حقيقياً فهو يغرق في مستنقع الصفقات السرية.
