الوقت- تُعدّ وكالة التعاون الإنمائي الإسرائيلية (ماشاف) ذراع النفوذ الناعم للكيان الصهيوني، وهدفها الرئيسي هو اكتساب نفوذ سياسي واقتصادي تحت ستار أهداف التنمية المستدامة، تُعزز الوكالة علاقاتها الدبلوماسية بمشاريع في مجالات الزراعة والصحة وإدارة المياه، ولكن خلف الكواليس، تُستخدم هذه المساعدات لمواجهة العزلة، وكسب الأصوات في الأمم المتحدة، والتنافس مع قوى عالمية مثل الصين والدول العربية.
السياق التاريخي من التحالف الأولي إلى العودة الاستراتيجية
تأسست وكالة التعاون الإنمائي الإسرائيلية (ماشاف) في ستينيات القرن الماضي كأداة لتوسيع نفوذ "إسرائيل" في دول العالم، عندما سعى الكيان إلى كسر عزلة الأفارقة بعد الاستقلال، خلال تلك الفترة، أقامت "إسرائيل" علاقات دبلوماسية مع أكثر من 30 دولة أفريقية، ونفذت منظمة ماشاف مشاريع مثل التعليم الزراعي وإدارة المياه، ومع ذلك، بعد حرب عام 1973، قطعت العديد من هذه الدول علاقاتها، ما شكّل ضربةً لاستراتيجية ماشاف، منذ العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عادت "إسرائيل" بقيادة نتنياهو إلى أفريقيا واستخدمت ماشاف لإعادة بناء العلاقات، مركزةً على "دبلوماسية التنمية" لكسب الدعم في الأمم المتحدة ضد القرارات الفلسطينية.
لم تكن هذه العودة مبنية على احتياجات أفريقيا التنموية، بل على المصالح الاستراتيجية لـ"إسرائيل"، نفذ ماشاف مشاريع مثل مراكز التدريب في إثيوبيا وكينيا، لكن منتقدين، مثل قناة الجزيرة، يجادلون بأن هذه المساعدات هي "غاية" إسرائيلية للنفوذ، حيث تُستخدم التنمية كغطاء لأهداف جيوسياسية، على سبيل المثال، تُقدم ماشاف مساعدات لإثيوبيا (أكبر متلقٍّ بقيمة 1.3 مليار دولار بحلول عام 2025) ظاهريًا للزراعة، لكنها جزء من جهد للوصول إلى موارد مياه النيل ومنافسة مصر.
الأهداف الخفية: النفوذ السياسي والاقتصادي وراء التنمية
أهداف ماشو في أفريقيا جيوسياسية في معظمها، بحجة التنمية، تستخدم "إسرائيل" ماشو لكسب الأصوات في الأمم المتحدة، من ناحية أخرى، يُصرّ المنتقدون على أن ماشو جزء من منافسة ناعمة مع القوى الإقليمية، مثل مواجهة نفوذ تركيا والمملكة العربية السعودية في أفريقيا.
اقتصاديًا، يُنشئ ماشو أسواقًا للشركات الإسرائيلية. مشاريع الري بالتنقيط في كينيا وأوغندا، التي يُروّج لها ماشو، تُولّد اعتماداً على التقنيات الإسرائيلية مثل شركة نتافيم، وهي شركة ناشطة في المستوطنات الفلسطينية غير الشرعية، هذا النهج، الذي يُوصف بـ"السياسة التكنولوجية"، يُحوّل التنمية إلى أداة لتصدير المعرفة الإسرائيلية، بينما تبقى جذورها الاستعمارية (مثل استخدام الموارد الفلسطينية للابتكار) مخفية، في الواقع، إن "هدف" إسرائيل في أفريقيا هو تحويل القارة إلى سوق للأسلحة والتكنولوجيا والنفوذ السياسي، وليس حل مشاكل الفقر والتنمية.
التأثير على الدول المتلقية: التبعية وإضعاف الاستقلال
مع أن مساعدات ماشاف مفيدة على المدى القصير، إلا أنها على المدى الطويل تجعل الدول الأفريقية تابعة وتُضعف استقلاليتها، وقد دربت مشاريع ماشاف التدريبية آلاف المتخصصين الأفارقة، لكن هؤلاء الأفراد غالبًا ما يصبحون معتمدين على التكنولوجيا الإسرائيلية، التي تتطلب تكاليف صيانة باهظة وتُعيق التنمية المحلية، ويُجادل النقاد بأن هذا النموذج، على غرار المساعدات الاستعمارية، يستغل الموارد المحلية ويُفاقم الأزمات الاقتصادية.
على المستوى السياسي، تُمثل ماشاف أداةً لشراء الدعم، لكن هذا الدعم هش، بعد حرب غزة، قلصت دول مثل جنوب أفريقيا علاقاتها، ما يعكس مقاومة شعبية للنفوذ الإسرائيلي، كما يتضح التأثير السلبي على حقوق الإنسان: فقد ساهم تعاون ماشاف الأمني في أفريقيا في انتهاكات حقوق الإنسان، مثل استخدام تقنيات المراقبة الإسرائيلية للقمع.
وأخيرًا، يُزعم أن عمل ماشاف في أفريقيا يهدف ظاهريًا إلى التنمية، لكن هذه الأنشطة جزء من استراتيجية "إسرائيل" الجيوسياسية للنفوذ السياسي والاقتصادي، من خلال مشاريع مثل الري في كينيا والتعليم في إثيوبيا، تكتسب الوكالة أسواقًا أفريقية وبعض الدعم، لكنها تخلق تبعيات وتحد من استقلال الدول، هذا الفعل، المتجذر في المنافسة العالمية، لا يعيق التنمية المستدامة فحسب، بل أدى أيضًا إلى مزيد من عزلة "إسرائيل" ينبغي على الدول الأفريقية التعامل مع هذه المساعدات بحذر والتركيز على التنمية المحلية.
