الوقت- وصفت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الهجوم الإسرائيلي المتواصل على مدينة غزة بأنه "هجوم إرهابي وجريمة فاقت النازية في وحشيتها"، محذّرة من أن الفلسطينيين في القطاع يتعرضون لجرائم تطهير عرقي وتهجير قسري تُرتكب على مرأى ومسمع العالم.
وقالت الحركة في بيان صدر السبت إن "الهجوم الوحشي الذي يشنه جيش الاحتلال الإرهابي على مدينة غزة عبر القصف المركّز على الأحياء السكنية والمدارس التي تحتضن النازحين غرب المدينة، يمثّل جريمة فاقت النازية في وحشيتها".
وأضافت إن "حكومة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو تواصل استهتارها بالقوانين الدولية، وتحديها للمجتمع الدولي وقيم الإنسانية، من خلال تصعيد عملياتها الإجرامية ضد أكثر من مليون مواطن في مدينة غزة".
وأكدت حماس أن الفلسطينيين في القطاع يواجهون "جرائم تطهير عرقي وتهجير قسري تُرتكب من جانب الجيش الإسرائيلي، في ظل صمت دولي وتخاذل المجتمع الدولي عن أداء واجباته".
وطالبت الحركة المجتمع الدولي ودول العالم الحر والدول العربية والإسلامية بالتحرك العاجل والجدي "لإحياء منظومة القيم والقوانين الإنسانية، ورفض الإرادة الأمريكية الظالمة التي توفر الحماية لقادة الاحتلال، وتمنح هذا الكيان المارق حصانة تجعله فوق المساءلة".
كما دعت الشعوب والجماهير الحرة في كل دول العالم إلى تكثيف الحراك المساند لغزة، والنزول إلى الميادين والساحات، ومواصلة مسيرة التضامن "حتى وقف جريمة الإبادة المستمرة".
تصعيد عسكري متواصل
ويأتي بيان حماس في وقت يواصل فيه الجيش الإسرائيلي منذ 11 أغسطس/آب الماضي هجومًا عسكريًا واسعًا على مدينة غزة، بدأ من حي الزيتون جنوب شرق المدينة، مرورًا بحي الصبرة وأحياء شمالية، وصولًا إلى مناطق الغرب، وسط قصف جوي ومدفعي مكثف، وتفجير منازل باستخدام روبوتات مفخخة، وفق مصادر محلية.
وتحدثت تقارير عن حركة نزوح داخلية واسعة، حيث انتقل عشرات آلاف الفلسطينيين من شرقي وشمالي المدينة إلى مناطقها الغربية والوسطى، في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة.
دمار واسع
من جهته، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن الجيش الإسرائيلي دمّر منذ الـ 11 من أغسطس أكثر من 1600 برج وعمارة سكنية بشكل كامل، ونحو ألفي برج وعمارة أخرى بشكل بليغ، إضافة إلى تدمير 13 ألف خيمة للنازحين.
وأوضح المكتب أن هذا التدمير أدى إلى تشريد أكثر من 100 ألف فلسطيني كانوا يقطنون في تلك المساكن والخيام، ليتحوّلوا إلى نازحين داخل مدينة مدمرة تعاني من نقص حاد في المأوى والخدمات الأساسية.
الدفاع المدني: تطهير عرقي
بدوره، قال جهاز الدفاع المدني في غزة في بيان السبت إن "الفلسطينيين بمدينة غزة يتعرضون للتطهير العرقي وسط اشتداد القصف الإسرائيلي والتدمير الواسع الذي يستهدف ما تبقى من مبانٍ ومراكز لإيواء النازحين، ضمن مساعي تل أبيب لإعادة احتلال المدينة".
ودعا الدفاع المدني الدول والمنظمات الإنسانية والدولية إلى التدخل العاجل "لوقف الجنون الإسرائيلي الأعمى باستهداف المدنيين ومنشآتهم المتبقية في غزة".
خطة إسرائيلية لإعادة الاحتلال
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أقرت في الـ 8 من أغسطس خطة طرحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإعادة احتلال قطاع غزة تدريجيًا، تبدأ من مدينة غزة.
وبعد ثلاثة أيام، أطلق الجيش الإسرائيلي عملياته في المدينة، حيث كثف قصفه الجوي والمدفعي، ونفذ عمليات اقتحام محدودة، وأجبر آلاف السكان على النزوح القسري.
ومع مرور الأسابيع، توسعت العمليات الإسرائيلية من الجنوب الشرقي نحو الأحياء الجنوبية والشمالية ثم الغربية، مخلفة دمارًا واسعًا في البنية التحتية والمساكن.
أرقام الخسائر البشرية
منذ اندلاع الحرب في الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشير الإحصاءات الفلسطينية إلى مقتل أكثر من 64 ألفًا و800 شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة نحو 164 ألفًا آخرين بجروح متفاوتة.
كما أدى الحصار والتجويع إلى وفاة 420 فلسطينيًا، بينهم 145 طفلًا، نتيجة المجاعة ونقص الدواء والرعاية الصحية، حسب وزارة الصحة في غزة.
إبادة مستمرة
وتتهم الجهات الفلسطينية "إسرائيل" بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة، تشمل القتل الممنهج، التدمير، التهجير، والتجويع، بدعم أمريكي وصمت دولي رغم النداءات المتكررة من الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية لوقف الانتهاكات.
ويؤكد مسؤولون فلسطينيون أن استمرار القصف وتدمير البنية التحتية يهدف إلى تفريغ مدينة غزة من سكانها وإعادة احتلالها، ما يشكل وفق تعبيرهم "جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان".
أوضاع إنسانية كارثية
المشهد الإنساني في غزة يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.
- آلاف العائلات تعيش في العراء بعد فقدان منازلها.
- المخيمات والخيام التي أُقيمت للنازحين تتعرض للقصف والتدمير.
- المستشفيات تعاني من شلل شبه كامل بسبب نقص الوقود والدواء والمعدات.
- الأطفال والنساء يعيشون في ظروف قاسية وسط انعدام الأمن الغذائي وانتشار الأمراض.
وتحذر منظمات إغاثية دولية من أن غزة باتت تواجه "أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث"، وسط عجز المجتمع الدولي عن وقف الهجوم أو توفير حماية للمدنيين.
دعوات للتدخل الدولي
في ختام بيانها، شددت حماس على أن "التاريخ سيسجل موقف الدول والشعوب من هذه الجريمة البشعة"، مؤكدة أن ما يجري في غزة اختبار حقيقي للقيم الإنسانية والقوانين الدولية.
وطالبت الحركة بفرض عقوبات على إسرائيل ومحاسبة قادتها أمام المحاكم الدولية، ووقف الدعم الأمريكي والأوروبي الذي قالت إنه "يوفر الغطاء السياسي والعسكري لمجازر الاحتلال".
ردود فعل إقليمية ودولية
قوبل الهجوم الإسرائيلي المتواصل على مدينة غزة بسيل من الإدانات والتحذيرات من عدة أطراف إقليمية ودولية، حيث أعربت دول عربية وإسلامية عن قلقها العميق من "تجاوزات الاحتلال" وما يترتب عليها من تداعيات إنسانية خطيرة.
ففي القاهرة، شددت وزارة الخارجية المصرية على أن "التصعيد العسكري الإسرائيلي في مدينة غزة يهدد بانفجار الأوضاع على نحو غير مسبوق"، داعيةً إلى "وقف فوري لإطلاق النار، وتجنب استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، وإتاحة الفرصة أمام المساعدات الإنسانية للوصول إلى مستحقيها دون عوائق".
وفي أنقرة، اعتبرت وزارة الخارجية التركية أن ما يجري في غزة "جريمة ضد الإنسانية، تتطلب تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي"، مؤكدة دعمها الكامل للشعب الفلسطيني ورفضها "أي محاولات لفرض وقائع جديدة عبر التهجير القسري والتطهير العرقي".
أما في طهران، فقد جدّدت الخارجية الإيرانية مطالبتها بمحاسبة قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية، مؤكدة أن "التخاذل الدولي يشجع إسرائيل على المضي في جرائمها، وأن صمت القوى الكبرى يضفي غطاءً سياسيًا على سياسة الإبادة الجماعية في غزة".
وعلى الصعيد الأوروبي، عبّرت دول مثل إسبانيا وأيرلندا وبلجيكا عن قلقها من حجم التدمير في مدينة غزة، وطالبت بوقف العمليات العسكرية التي تستهدف المدنيين، فيما اكتفت دول أخرى بالدعوة إلى "ضبط النفس" وإفساح المجال أمام المساعي الدبلوماسية.
الأمم المتحدة من جانبها، عبّرت عبر المتحدث باسم الأمين العام أنطونيو غوتيريش عن "صدمة عميقة" إزاء تقارير الدمار والنزوح في مدينة غزة، مؤكدة أن "استهداف المساكن والمرافق المدنية، بما في ذلك المدارس والملاجئ، يُعد انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني".
وفي الشارع العربي والعالمي، تواصلت التظاهرات في عواصم عدة للتنديد بالهجوم الإسرائيلي والمطالبة بوقف الإبادة المستمرة، فقد شهدت لندن وباريس وبرلين وواشنطن مسيرات شارك فيها الآلاف، رفعوا خلالها أعلام فلسطين ولافتات تطالب بإنهاء الحرب ومحاسبة إسرائيل.
هذه الردود، وإن عكست تضامنًا شعبيًا ورسميًا متزايدًا، إلا أنها لم تُترجم بعد إلى خطوات عملية قادرة على وقف الهجوم أو توفير حماية فورية للمدنيين في غزة، ما يثير تساؤلات حول جدوى النداءات المتكررة، وإلى أي مدى يمكن أن تتحرك المنظمات الدولية لإلزام إسرائيل باحترام القوانين والاتفاقيات الدولية.
بهذا، تتواصل فصول الهجوم الإسرائيلي على مدينة غزة، وسط إدانات فلسطينية وتحذيرات إنسانية، وصمت دولي يثير تساؤلات حول مستقبل المدينة وسكانها الذين يواجهون القصف والتدمير والتهجير في ظل غياب أي أفق لحل سياسي أو إنساني قريب.