الوقت- بعد أن شنّ الكيان الصهيوني هجماته العدوانية على إيران في الـ 13 من يونيو/حزيران بذريعة مواجهة ما أسماه تهديد البرنامج النووي الإيراني، استهدفت الولايات المتحدة، بالتزامن مع هذا العدوان الوحشي، ثلاثة مواقع نووية إيرانية.
وكتب موقع "تشاينا-يو إس فوكس" التحليلي في مذكرة، مشيرًا إلى هذه الهجمات التي دفعت إيران إلى رد صاروخي حاسم: "بعد هذه العملية، أعلنت إيران وإسرائيل والولايات المتحدة النصر، وهذا لا يُظهر فقط اختلاف فهم الأطراف للنتيجة، بل يُظهر أيضًا شدة اللعبة النووية، فكيف ينبغي فهم النتيجة؟ يمكن القول إنه لا يوجد رابح حقيقي سوى قلة من السياسيين".
أفادت وسائل الإعلام بأن "إسرائيل كشفت عن نقاط ضعفها الاستراتيجية بطرق متعددة في هذه المعركة". منذ نهاية حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل)، بنت "إسرائيل" أسطورة قوتها التي لا تُقهر في الشرق الأوسط، قبل هجوم حماس في أكتوبر 2023، لم تُعانِ "إسرائيل" من هزيمة عسكرية كبيرة، كما أن مزاياها العسكرية الهائلة، بما في ذلك كونها الدولة الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية في المنطقة وتتمتع بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة، لم تستطع منع هجمات حماس العسكرية، ناهيك عن منع إيران من الرد العسكري المباشر بعيد المدى.
وأشارت مجلة "تشاينا-يو إس فوكس" إلى أن إيران نجحت في اختراق نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي بمزيج من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، ما يُظهر ضعف "إسرائيل" الاستراتيجي أمام العالم، ومهما حاول بنيامين نتنياهو (رئيس وزراء الكيان الصهيوني) التمويه بشأن نجاح عملياته العسكرية، فإن "إسرائيل" لا تستطيع إخفاء المخاطر الهائلة التي يُشكلها هذا الضعف، وستضطر إلى مواجهتها في السنوات القادمة.
إيران أظهرت قدرتها العسكرية وإرادتها السياسية في مهاجمة "إسرائيل" عن بُعد
وأكدت وسائل الإعلام الصينية أن "إيران تكبدت خسائر، لكنها حققت إنجازات مهمة"، ووصفت هذه الإنجازات بأربعة أبعاد مختلفة، مضيفةً:
أولاً، أظهرت إيران قدرتها العسكرية وإرادتها السياسية في مهاجمة "إسرائيل" عن بُعد،هذا في حين أن فرص إيران في الحصول على الدعم العسكري الأجنبي محدودة مقارنةً بـ"إسرائيل"، فباستثناء عدد قليل من الدول أو المنظمات الدولية، صعّبت عقود من العقوبات على إيران ليس فقط المشاركة في التبادلات الخارجية من خلال صادرات الطاقة، بل أيضاً الحصول على مساعدة عسكرية أجنبية فعّالة، ومع ذلك، تُضيف المذكرة أن إيران أثبتت قدرتها على شن ضربات بعيدة المدى ضد "إسرائيل"، وبالتالي تُشكّل تهديداً حقيقياً للأراضي المحتلة.
ثانياً، من خلال ضبط النفس الاستراتيجي والعمليات السياسية الفعّالة، لم تنجح إيران فقط في منع تحوّل الصراع إلى مواجهة مع الولايات المتحدة، بل أدركت أيضاً بوضوح الاختلافات الجوهرية والأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل.
ثالثاً، أظهرت إيران صمودها الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي القوي في هذا الصراع، بمعنى آخر، لا تزال إيران تمتلك قدرات صناعية وعسكرية لا تمتلكها دول أخرى في المنطقة، ولم تُدمر مقوماتها كقوة في غرب آسيا.
رابعًا، على الرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني، إلا أنه لم يُقضَ عليه بعد، لذلك، لا تزال القضية النووية ورقة رابحة مهمة في يدها.
خيارات الولايات المتحدة محدودة فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية
لاحظت مجلة "تشاينا-يو إس فوكس" أنه في الوقت نفسه، أظهرت الولايات المتحدة قدرتها على شن ضربات بعيدة المدى وإرادتها السياسية للدفاع عن "إسرائيل"، إلا أن عملها العسكري كشف أيضًا عن محدودية خيارات الولايات المتحدة فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية في سعيها للانسحاب الاستراتيجي من المنطقة.
قد تختلف تقديرات المجتمع الدولي لآثار قصف المنشآت النووية الإيرانية بناءً على مصادر استخباراتية وأساليب تقييم ومواقف سياسية مختلفة، ولكن هناك إجماع أساسي على أنه على الرغم من تضرر بعض المنشآت النووية الإيرانية بشكل خطير، إلا أنها لم تقترب من تدمير قدراتها النووية، على العكس من ذلك، زادت هذه الهجمات من تقويض ثقة إيران الناشئة بالولايات المتحدة، وصعّبت على الرأي العام تقييم نواياها النووية. باختصار، لم تُعزز هذه الهجمات موقف الولايات المتحدة من القضية النووية الإيرانية، ولم تُعزز رغبة إيران في التفاوض.
وتضيف وسائل الإعلام الصينية: بالنسبة لإدارة ترامب، هناك طريقتان فقط لتدمير المنشآت النووية الإيرانية: الأولى هي تغيير النظام في إيران للقضاء على الإرادة السياسية لمواصلة البرنامج النووي، وهو خيار غير عملي، والثانية هي القصف المتكرر للمنشآت النووية الإيرانية لمنع إعادة بنائها.
لكن بما أن المنشآت النووية الإيرانية تقع في الغالب تحت الأرض أو في الجبال، فإن فعالية أي مغامرة عسكرية أمريكية لا تزال موضع تساؤل، بمجرد أن تعيد إيران بناء دفاعاتها الجوية وتنظيم استخباراتها العسكرية، تصبح مخاطر أي عمل عسكري من هذا القبيل لا تُصدق، إن الضرر الذي ألحقته الهجمات على إيران بالمجتمع الدولي لا يُحصى.
وأكد الموقع الإلكتروني أنه "لا يوجد رابح حقيقي، باستثناء قلة من السياسيين الذين استخدموا القضية النووية كذريعة لتحقيق مكاسب سياسية"، مضيفًا: "على العكس، فإن الضرر الذي ألحقته هذه الهجمات بالمجتمع الدولي لا يُحصى. على سبيل المثال، قوضت بشكل خطير سلطة نظام منع الانتشار النووي العالمي.
جميع المنشآت النووية الإيرانية التي تعرضت للهجوم تخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي هيئة قانونية مُخولة بمراقبة المنشآت النووية للدول الأعضاء في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لم تُعلن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قط أن إيران تمتلك برنامجًا للأسلحة النووية أو أنها اتخذت قرارًا بتطوير أسلحة نووية.
علاوة على ذلك، أرست هذه الهجمات سابقة سيئة للغاية فيما يتعلق باحترام النظام الدولي لما بعد الحرب. تجاهلت إسرائيل والولايات المتحدة الدبلوماسية، ومزقتا الاتفاقيات الدولية، وقصفتا دولة أخرى ذات سيادة بتهور، قد يُؤجج هذا السلوك المتهور الفوضى التي تشهدها حاليًا المجتمع الدولي وإعادة قانون الغاب إلى بقية الأطراف المتحضرة.
وأشارت مجلة "فوكس" الصينية الأمريكية أيضًا إلى أنه في نهاية المطاف، أضرت هذه الهجمات بشدة بعملية حل القضية النووية. ولطالما كان انعدام الثقة أكبر عقبة في المفاوضات، ولا شك أن العمل العسكري الأمريكي زاد من تشكيك الإيرانيين في صدق الولايات المتحدة.
والأمر الأكثر إثارة للخوف هو أنه إذا لم يُضمن أمن أي دولة بشكل فعال ولم تُراعَ النزاهة في المفاوضات النووية، فقد يُعيد الإيرانيون تقييم رغباتهم الاستراتيجية، ما سيُثير تحديات جديدة وغير متوقعة للعالم أجمع.