الوقت- نظّم اتحاد الكتّاب الروس، بالتعاون مع دار القوميات في العاصمة موسكو، ندوة تكريمية احتفاء بمسيرة المفكر اللبناني الروسي البارز سهيل فرح.
تضمنت الندوة عرض كتاب بعنوان "على تقاطع الثقافات والحضارات: الإسهامات العلمية والاجتماعية لسهيل فرح"، أعدّته وقدّمته الكاتبة والفيلسوفة الروسية الدكتورة ليديا دوفيدينكو، أمينة سر اتحاد الكتّاب الروس، ورئيسة تحرير المجلة الأدبية-الفلسفية "بيريغا"، إذ يستعرض هذا الكتاب توثيقا فريدا لمسيرة فكرية وإنسانية استثنائية لهذا الكاتب والمفكر، امتدت عبر أكثر من خمسة عقود.
افتُتحت الندوة بمقطوعات كلاسيكية لشوبان وباخ قدّمها عازف الكمان الشهير فيلانوف سيميونوف، ملهبة مشاعر الحضور وذاكرة الثقافة السمعية. ثم توالت المداخلات من نخبة من الشخصيات الفكرية والدبلوماسية والعلمية من روسيا وأوراسيا والعالم العربي، الذين قدّموا شهادات حية في فكر فرح وإسهاماته الجليّة في الحوار الحضاري، ومشروعه الطويل في التقريب بين الثقافات والأديان.
في مداخلة ذاتية خلال الندوة شارك سهيل فرح ببعض تأملاته حول مسيرته الفكرية، مسترجعا لحظة البداية في عمر السابعة عشرة، حين كتب مقارنة بين برتولد بريخت وستانيسلافسكي، وقدّمها برهبة إلى القاص اللبناني المعروف محمد عيتاني، الذي شجّعه على النشر، ثم روى كيف انتقل إلى موسكو بمنحة دراسية، حيث بدأ رحلته بين المسرح والإعلام، قبل أن يتحوّل إلى البحث الفلسفي والمقارنة الحضارية، مدفوعا بشغف اكتشاف الإنسان والكون والروح، وهربا من الانغلاق الإيديولوجي وضجيج الدعاية.
يرتكز مشروع سهيل فرح المعرفي على مقاربة مقارنة بين العقل الغربي الحداثي والعقل الشرقي المتخم بروح العصر الإيماني. ويجمع في معالجاته بين الفلسفة والدين والاجتماع والكونيات، في محاولة لرسم خريطة عقلية وأخلاقية جديدة لعالم متعدد، ومضطرب، ويتميّز أسلوبه بلغة فلسفية – أدبية، مشبعة بروح سوسيو-ثقافية وقيمية، تُضيء مفاهيم الإنسان والعدالة والحق والخير والجمال.
حصيلة هذه المسيرة الممتدة لأكثر من خمسين عاما تجاوزت ربع مئة كتاب، ما بين تأليف وإعداد وتحرير، باللغات الروسية والعربية والفرنسية والإنكليزية، إضافة إلى لغات أوروبية وآسيوية أخرى.
ورغم هذه الإنجازات، يصف سهيل فرح نفسه بأنه "طالب صف الحضانة" في مدرسة الوعي البشري. ويرى أن كل ما توصّل إليه من معرفة، ليس إلا خطوات صغيرة في رحلة لا تنتهي لفهم هذا الوجود المدهش والمضطرب.