الوقت- في الوقت الذي ازداد فيه شبح التهديدات الأمنية في الفضاء العالمي وضوحًا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته بناء درع دفاع صاروخي هو الأكثر تطورًا في العالم للولايات المتحدة؛ مشروع يحمل الاسم الرمزي "القبة الذهبية"، ويشبه بوضوح نظام "القبة الحديدية" الصهيوني، ولكن على نطاق أوسع بكثير، ويتضمن شبكة واسعة من الأقمار الصناعية لكشف الصواريخ وتتبعها وتدميرها.
قبة ترامب الذهبية.. طموح أم رادع؟
زعم ترامب أن هذا النظام الدفاعي المكلف، ولكنه "ضروري"، يهدف إلى حماية الولايات المتحدة من التهديدات الصاروخية - وخاصة من قوى مثل الصين وروسيا، وحتى كوريا الشمالية. في تصريحاته، أكد ترامب على ضرورة مواجهة الصواريخ الباليستية، وحتى تلك التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وهي صواريخ يصعب مواجهتها أكثر بكثير من الصواريخ التقليدية نظرًا لسرعتها وقدرتها على المناورة، وصرح بأنه يتوقع أن يدخل النظام حيز التشغيل بحلول نهاية ولايته الرئاسية في يناير 2029.
لكن السؤال هو: هل يُعدّ هذا النظام مجديًا من الناحيتين التقنية والاقتصادية، بالنظر إلى المساحة الجغرافية للولايات المتحدة والتكاليف الباهظة المترتبة عليه؟
التحديات التقنية والاقتصادية للقبة الذهبية
التغطية الإقليمية: القبة الحديدية الإسرائيلية نظام تكتيكي مصمم لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى ضمن منطقة صغيرة نسبيًا، ويتطلب توسيع نطاق هذا النظام ليشمل دولة بحجم الولايات المتحدة، وخاصةً لمواجهة الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، بناء ونشر آلاف منصات الاعتراض والرادارات المتطورة.
ووفقًا لترامب، سيشمل البرنامج ولايات ألاسكا وفلوريدا وجورجيا وإنديانا، وأضاف إن الحكومة الكندية أبدت أيضًا اهتمامها بالمشاركة في البرنامج.
حاليًا، لا يوجد نظام فعال تمامًا لاعتراض الصواريخ الأسرع من الصوت (تلك التي تتجاوز سرعتها 5 ماخ وتتميز بقدرة مناورة عالية)، وتُبذل جهود في البنتاغون والمؤسسة الدفاعية الأمريكية، لكن التكنولوجيا لا تزال في مرحلة البحث والتطوير.
التكاليف: حتى على مستوى "إسرائيل"، تُعدّ تكلفة كل اعتراض باستخدام القبة الحديدية باهظة، وتشير التقديرات إلى أن إنشاء قبة ذهبية عالمية، بتقنيات تفوق ما هو موجود اليوم، سيكلف مئات المليارات من الدولارات، تبلغ الميزانية الأولية للمشروع 25 مليار دولار، وستصل التكلفة النهائية إلى 175 مليار دولار بعد اكتماله.
ومع ذلك، لا يوجد إجماع بين البيت الأبيض والكونغرس بشأن تكاليف هذا المشروع، وقد أعلن مكتب الميزانية في الكونغرس (CBO) عن أرقام أعلى بكثير من تقديرات ترامب في تحليله لتكاليف المشروع.
وفي هذا الصدد، يرى تقرير مكتب الميزانية في الكونغرس أن نظام الدفاع الصاروخي الذي اقترحه ترامب "يتطلب قدرة دفاع صاروخي أوسع من الأنظمة التي تناولتها الدراسات السابقة"، نظرًا للتهديدات الأكثر تعقيدًا.
بناءً على هذا التقدير، يبلغ الخيار الأقل تكلفة 161 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل التكاليف إلى 542 مليار دولار، يأتي هذا في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات في الميزانية المحلية ودينًا وطنيًا متزايدًا.
من المرجح أن يستخدم مشروع "القبة الذهبية" لترامب أيضًا تقنيات ناشئة مثل الذكاء الاصطناعي (AI) والليزر عالي الطاقة (HELWS) لتنفيذ نظام دفاعي ضد تهديد الصواريخ الموجهة المتطورة فرط الصوتية، يمكن لهذه التقنيات أن تزيد بشكل كبير من تكلفة التصميم ووقت التنفيذ.
استثمرت الولايات المتحدة في تقنية الليزر عالي الطاقة (نظام أسلحة الليزر عالي الطاقة) منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على الرغم من أن الخبراء يعتبرون أن لهذه التقنية قيودًا مهمة مثل قيود الطقس، والحاجة إلى طاقة هائلة (تتطلب مفاعلات عالية الطاقة أو مكثفات فائقة)، ومدى أقصر من الصواريخ الاعتراضية.
حرب النجوم في عهد ريغان.. قصة ردع نفسي
تشبه فكرة ترامب إلى حد كبير مشروع "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" (SDI)، المعروف باسم "حرب النجوم"، الذي طرحه رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي، صُمم هذا البرنامج أيضًا لإنشاء نظام لاعتراض الصواريخ النووية السوفيتية في الفضاء، باستخدام أشعة الليزر المدارية، والأقمار الصناعية الدفاعية، وتقنيات الخيال العلمي التي عُرضت في صناعة السينما الأمريكية (هوليوود) للتأثير على الرأي العام.
على الرغم من أن المشروع لم يُنفَّذ قط بسبب تعقيده التقني، وتكاليفه الباهظة، والمعارضة المحلية والدولية، إلا أن تأثيره النفسي والدعائي على الاتحاد السوفيتي كان هائلاً، يعتقد المحللون أن هذه الضغوط النفسية والاقتصادية دفعت الاتحاد السوفيتي إلى تخصيص موارد هائلة للمنافسة العسكرية، ما أدى في النهاية إلى انهياره الاقتصادي والأيديولوجي، وهي قضية يبدو أنها أصبحت الآن على جدول الأعمال لمواجهة الصين.
لم يُخفِ ترامب هذا في خطابه، قائلاً: "نحن نُكمل العمل الذي بدأه الرئيس ريغان قبل 40 عامًا، هذا النظام الأمني غير المسبوق سيُنهي التهديدات الصاروخية للوطن الأمريكي إلى الأبد"، هل يعيد التاريخ نفسه؟
يعتقد بعض المحللين أن مشروع ترامب "القبة الذهبية" قد يكون أداةً للحرب النفسية وزيادة الإنفاق العسكري أكثر منه برنامجًا حقيقيًا للدفاع الصاروخي، على غرار النهج الذي اتبعه ريغان خلال الحرب الباردة، في عالمٍ تتزايد فيه المنافسة الصينية الأمريكية، قد يكون دفع بكين وموسكو إلى سباق تسلحٍ مكلف جزءًا من استراتيجية واشنطن للردع.
ومع ذلك، هناك اختلافاتٌ رئيسية: فالصين وروسيا الآن أكثر مرونةً اقتصاديًا وتكنولوجيًا من الاتحاد السوفيتي، ولديهما خبرةٌ أكبر في التحايل على العقوبات والضغوط الغربية، كما أن المجتمع الأمريكي أقل استعدادًا لقبول الإنفاق العسكري الهائل اليوم، ولا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية والتعليمية والصحية المحلية.
على الرغم من أن مشروع "القبة الذهبية" قد يبدو للوهلة الأولى حلمًا طموحًا وغير واقعي، إلا أنه قد يكون لعبةً متعددة الجوانب؛ سواءً للاستهلاك المحلي أو للحرب النفسية الدولية، والسؤال الرئيسي هو: هل سيدخل العالم مرةً أخرى في سباق تسلحٍ استنزافي؟ أم إن تجربة الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي ستجبر الأطراف الفاعلة على تبني نهج أكثر عقلانية استراتيجية هذه المرة؟