الوقت- يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه حاليا مشاكل الجمود العسكري في غزة والالتماسات الاحتجاجية التي قدمها الجيش ضد عملية الحرب، مضطر إلى إبقاء قدم واحدة في نزاعات الحكومة والأخرى في جلسات المحكمة السرية مع بدء المحاكم في معالجة الاتهامات القضائية.
وفي الواقع، يبدو أنه مع فشل تحقيق أهداف الحرب في غزة، أصبحت قضية عقد محاكمات العزل الكابوس الرئيسي لنتنياهو لإسقاط الحكومة، هذه القضايا، المعروفة باسم "قضايا فساد نتنياهو"، خضعت للتحقيق الرسمي منذ عام 2016 ومرت بمراحل مختلفة حتى الآن، وانعقدت المحاكمة الأولى في الـ 24 من مايو/أيار 2020، ووُضع نتنياهو، بصفته رئيسًا للوزراء أثناء وجوده في السلطة، في مكان المتهم.
وبحلول عام 2024، كان قد تم عقد أكثر من 40 جلسة محاكمة، لكن عملية المحاكمة كانت بطيئة للغاية بسبب التأخير القضائي وتكتيكات فريق الدفاع عن نتنياهو. ومن المتوقع أن يصدر الحكم النهائي بحلول عام 2025، وسنناقش أدناه بالتفصيل الجوانب المختلفة لهذه القضايا، والتهم، وعملية المحاكمة، ومواجهة نتنياهو للكيان القضائي، وتكتيكاته للتهرب من الإدانة.
التهم الرئيسية في قضايا نتنياهو
يواجه نتنياهو اتهامات في ثلاث قضايا رئيسية، وهي القضية 1000، والقضية 2000، والقضية 4000، وتدور هذه القضايا بشكل رئيسي حول إساءة استخدام السلطة والرشوة والاحتيال.
1. القضية 1000 (الهدايا غير المشروعة)
وتتمثل التهمة الرئيسية الموجهة لنتنياهو في هذه القضية في تلقي هدايا غير قانونية من أفراد أثرياء ومسؤولين أجانب تصل قيمتها إلى نحو 700 ألف شيكل (ما يعادل 200 ألف دولار) بين عامي 2007 و2016.
واتُّهم نتنياهو وزوجته سارة نتنياهو بقبول هدايا فاخرة (مثل السيجار والمجوهرات والشمبانيا) من رجال أعمال أثرياء مثل المنتج الهوليوودي أرنون ميلشان والملياردير الأسترالي جيمس باكر مقابل تبرعات سياسية وضريبية.
2. القضية 2000 (التواطؤ مع وسائل الإعلام)
وكانت التهمة الرئيسية الموجهة إلى نتنياهو في هذه القضية هي التواطؤ مع صحيفة يديعوت أحرونوت (وهي صحيفة قريبة من اليمين) للحصول على تغطية إعلامية إيجابية مقابل الحد من توزيع الصحيفة المنافسة.
3. القضية 4000
وفي هذه القضية، يُتهم نتنياهو أيضًا بالتأثير على اللوائح الحكومية لمصلحة شاؤول إلويخ، مالك شركة الاتصالات بيزك، مقابل تغطية إيجابية على موقع "فالا!"، (تابعة لشركة بيزك).
رد فعل نتنياهو ومواجهته مع الجهاز القضائي
ووصف نتنياهو الاتهامات دائمًا بأنها "مؤامرة سياسية ومطاردة ساحرات" وأصر على براءته، لقد استخدم عدة استراتيجيات للتعامل مع المحاكمة:
1. التأخير في العملية القانونية
وقد تسبب الفريق القانوني لنتنياهو في تأخير عملية المحاكمة من خلال تقديم طلبات متكررة لإعادة النظر، وتأخير تقديم الأدلة، وتغيير محامي الدفاع.
2. استخدام السلطة السياسية لتقويض الكيان القضائي
وقد حاول نتنياهو في السنوات الأخيرة الحد من صلاحيات المحكمة العليا من خلال اقتراح إصلاحات قضائية وممارسة سيطرة أكبر على تعيين القضاة، وقد أثارت هذه الإجراءات احتجاجات واسعة النطاق في "إسرائيل".
3. الدعاية الإعلامية وإثارة الشك في الرأي العام
ومن خلال وسائل الإعلام الموالية لحكومته، اتهم نتنياهو الكيان القضائي بالتحيز السياسي وحاول حشد الرأي العام ضد القضاة.
لماذا لم يدخل نتنياهو السجن حتى الآن؟
وقد استخدم بنيامين نتنياهو وفريقه القانوني تكتيكات قانونية مختلفة لتأخير عملية المحاكمة، وتشمل بعض هذه التكتيكات ما يلي:
1. التأخير المتعمد في عملية المحاكمة: طلب فريق الدفاع عن نتنياهو مرارا وتكرارا تأجيل الجلسات، باستخدام تكتيكات قانونية لإطالة أمد المحاكمة (مثل التزامات الحكومة، أو مرض المحامي، أو الحاجة إلى مزيد من الوقت لمراجعة الأدلة)، على سبيل المثال، في عام 2021، تم تأجيل العديد من الاجتماعات بسبب جدول أعمال رئيس الوزراء المزدحم أو الصعوبات الفنية، كما قام نتنياهو بتغيير محامييه عدة مرات، وفي كل مرة كان يؤدي ذلك إلى إعادة كتابة القضية مؤقتًا.
وبالإضافة إلى ذلك، في كل مرة تحكم المحكمة ضد نتنياهو، يلجأ فريق الدفاع إلى المحكمة العليا لإطالة أمد العملية، على سبيل المثال، في القضية 4000، استأنف دفاع نتنياهو عدة مرات ضد رفض طلباته لقمع الأدلة، ومن بين التكتيكات الأخرى الطعن في كفاءة القضاة والمدعين العامين، وزعم فريق نتنياهو مرارا وتكرارا أن المدعين العامين والقضاة يتأثرون بالتحيز السياسي، ودعا إلى تغييرهم، على سبيل المثال، في عام 2020، رفع محاموه دعوى تحيز ضد النائب العام أفيخاي ماندلبليت وطالبوا بإبعاده عن القضية.
ومن بين التحركات الأخرى التي قام بها الفريق القانوني لنتنياهو طلبات متكررة للحصول على وثائق سرية، والتي تستغرق شهورا لمراجعتها، على سبيل المثال: في قضية عام 2000، أمضى محاموه أشهراً في محاولة الوصول إلى المحادثات المسجلة من قبل الحكومة.
2. إساءة استخدام السلطة السياسية: من خلال الحفاظ على قاعدته الحزبية وائتلافاته السياسية، منع نتنياهو الضغوط المباشرة التي دفعته إلى الاستقالة، ومن أهم هذه التدابير استخدام الإصلاحات القضائية للضغط على المحاكم، وفي السنوات الأخيرة، حاول نتنياهو الحد من صلاحيات المحاكم وتقليل احتمالات إدانته من خلال إصلاحات قضائية مثيرة للجدل، في عام 2023، أثارت خططه لتقليص سلطة المحكمة العليا احتجاجات واسعة النطاق، لكن هذا الضغط السياسي عمل لمصلحته في قضايا المحكمة.
3. عدم صدور حكم نهائي: يتمتع نتنياهو بحصانة نسبية حتى صدور الحكم النهائي.
4. الدعم من جانب شريحة من المجتمع: يعتبره جانب من اليمين الإسرائيلي ضحية "الكيان القضائي اليساري" ويدعمه، ويعتقدون أن هذه الاتهامات هي ذريعة للإطاحة بزعيم يميني.
شعارات مثل "المدعي العام الكاذب!" "وأصبحت العدالة مسيسة!" ويظهر في المظاهرات التي يتظاهر فيها أنصاره.
استقطاب المجتمع: مؤيدو نتنياهو ومعارضوه
ولم تكن القضايا القانونية التي رفعها بنيامين نتنياهو تشكل تحدياً قانونياً فحسب، بل كانت أيضاً قوة انقسامية سياسية واجتماعية عميقة في الأراضي المحتلة، وقد أدت هذه المحاكمات إلى استقطاب المجتمع الصهيوني، وتفاقم التوترات بين الفصائل السياسية، بل حتى زيادة عدم الاستقرار السياسي، وفي حين تشير استطلاعات الرأي إلى أن الثقة العامة في المحكمة العليا انخفضت بشكل حاد بين اليمين، فإن معارضي نتنياهو، الذين يعقدون مظاهرات مستمرة ضد الحكومة، يزعمون أنه يسعى إلى الحفاظ على السلطة بأي ثمن من خلال تقويض سيادة القانون.
في هذه الأثناء، تصاعدت المظاهرات بين أنصار ومعارضي نتنياهو مرارا وتكرارا إلى اشتباكات جسدية وعنيفة، كما حدث في عام 2023، حيث قام المتظاهرون المناهضون لنتنياهو بإغلاق الطرق المؤدية إلى الكنيست (البرلمان)، ولجأ بعض أنصاره إلى العنف، ومع تصاعد هذه الصراعات، أصبح الخوف من الحرب الأهلية أكثر بروزاً من أي وقت مضى في الأجواء السياسية في "إسرائيل"، لأنه إذا أدين، فقد يعتبر أنصاره الكيان الديمقراطي غير شرعي، وإذا تمت تبرئته، فسوف يرى معارضوه أن الكيان القضائي فاشل.
إن المؤيدين التقليديين لنتنياهو هم في الغالب من المهاجرين من أوروبا الشرقية، واليهود الأرثوذكس، وسكان المستوطنات المحتلة، الذين غالبا ما يعتبرون الكيان القضائي معاديا للصهيونية، في المقابل، يعارض الشباب والطبقات المتعلمة في المناطق الحضرية نتنياهو بشكل عام ويدعمون الإصلاح القضائي.
وفي الأجواء السياسية، أصبح نتنياهو عاملاً يزيد من صعوبة تشكيل ائتلاف الأحزاب وتشكيل الحكومة، وفي واقع الأمر، أصبحت الائتلافات الحكومية هشة في السنوات الأخيرة بسبب الخلافات حول قضايا نتنياهو، على سبيل المثال، انقسمت بعض الأحزاب (مثل حزب يمينا) بسبب دعم نتنياهو أو معارضته.
باختصار، يمكن القول إن قضية التحقيق في التهم الموجهة إلى نتنياهو لم تعد مجرد قضية قضائية تتعلق به شخصيا، بل كشفت هذه القضايا عن الانقسامات العميقة في المجتمع الصهيوني أكثر من أي وقت مضى.