الوقت- في لحظة سياسية مشحونة، ومن قلب العاصمة الأمريكية واشنطن، أعادت الولايات المتحدة الأمريكية، عبر وزير خارجيتها ماركو روبيو، تأكيد موقفها الداعم لسيادة المملكة المغربية على إقليم الصحراء الغربية، مجددة بذلك سياسة سبق أن أحدثت ضجة دبلوماسية عندما أعلنها الرئيس السابق دونالد ترامب أواخر عام 2020.
جاءت التصريحات الحاسمة لروبيو خلال اجتماعه بوزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، حيث أكد أن "الولايات المتحدة لا تزال تعتبر مقترح الحكم الذاتي المغربي هو الأساس الوحيد الممكن للتوصل إلى حل عادل ودائم للنزاع حول الصحراء".
هذا الموقف لم يكن جديداً تماماً، لكنه حمل هذه المرة طابعاً أكثر صراحةً وحسمًا، وخاصة مع تأكيد المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، تامي بروس، على أن واشنطن ترى أن "الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية هو الحل العملي الوحيد القابل للتطبيق"، مشددة على ضرورة انخراط جميع الأطراف في مفاوضات "دون تأخير" على أساس هذا الطرح.
جذور الموقف الأمريكي
يعود الموقف الأمريكي الحالي إلى إعلان تاريخي اتخذه الرئيس ترامب في ديسمبر 2020، حيث أصدر مرسوماً رئاسياً يعترف بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء، في سياق اتفاق ثلاثي شمل المغرب و"إسرائيل" والولايات المتحدة، حصلت الرباط بموجبه على هذا الاعتراف في مقابل انضمامها إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع تل أبيب، لتكون بذلك رابع دولة عربية تقدم على هذه الخطوة بعد الإمارات والبحرين والسودان.
وقد اعتُبر هذا الاعتراف مكسباً دبلوماسيًا غير مسبوق للمغرب، وخاصة أنه تزامن مع فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة، في خطوة رمزية داعمة لمغربية الصحراء.
الجزائر ترد: "انحراف عن القانون الدولي"
من جهتها، لم تتأخر الجزائر في الرد، إذ أعربت وزارة خارجيتها، في بيان شديد اللهجة، عن "أسفها العميق" لموقف واشنطن، معتبرة أن تأكيد دعم الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يُعد "انحرافًا عن الإطار القانوني الدولي" و"مخالفة واضحة لقرارات الأمم المتحدة".
وجاء في البيان أن "قضية الصحراء الغربية تظل، في جوهرها، قضية تصفية استعمار لم تكتمل"، مشيرة إلى أن "الإقليم لا يزال مصنفًا لدى الأمم المتحدة كمنطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي"، كما شددت الجزائر على أن "شعب الصحراء لا يزال يتمتع بحق تقرير المصير، وهو حق ثابت بموجب القرار 1514 الصادر عن الجمعية العامة".
وهاجمت الجزائر ما وصفته بـ"الانحياز الأمريكي"، قائلة إن هذا الموقف لا يخدم مسار التسوية، بل يقوضه، مضيفة إن "أي محاولة لفرض حل خارج الشرعية الدولية لن يغير من الحقائق شيئاً".
خلفية النزاع: عقود من التعقيد
بدأ النزاع حول إقليم الصحراء الغربية بعد انسحاب الاستعمار الإسباني عام 1975، عندما سار المغرب بـ"المسيرة الخضراء" لتأكيد مطالبته بالإقليم، فيما أعلنت جبهة البوليساريو، بدعم جزائري، قيام "الجمهورية الصحراوية"، ورغم وقف إطلاق النار عام 1991 برعاية الأمم المتحدة، ظل الحل السياسي بعيد المنال، إذ يتمسك المغرب بمقترح الحكم الذاتي، في حين تصر البوليساريو على تنظيم استفتاء لتقرير المصير، وفق ما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار.
في الخلفية: شراكة جزائرية أمريكية متنامية
اللافت أن التصعيد الدبلوماسي حول ملف الصحراء يأتي في ظل جهود متزايدة لتعزيز العلاقات الجزائرية الأمريكية، وخاصة في المجالين الأمني والعسكري، فقد شهد مطلع العام الجاري توقيع مذكرة تفاهم عسكرية بين الجزائر والولايات المتحدة، كما تباحث الطرفان في مجالات التعاون الاستخباراتي البحري، وصفقات تسليح محتملة، ومشاريع مشتركة في مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل.
كما أبدت الجزائر استعدادها للتعاون مع شركات أمريكية كبرى، مثل "شيفرون"، لتقييم إمكانيات المحروقات في المناطق البحرية الجزائرية، في خطوة تحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز السياق الثنائي.
خريطة المواقف الدولية تتشكل
الموقف الأمريكي لا يُعد الوحيد المؤيد للمغرب. ففي أكتوبر الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارة إلى الرباط، تأييد بلاده الصريح لـ"السيادة المغربية على الصحراء"، بعد سنوات من التردد والغموض، كما أن ما يزيد على 30 دولة حول العالم فتحت قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، تأكيدًا لدعمها للمقترح المغربي.
رغم الدعوات المتكررة من مجلس الأمن لاستئناف المفاوضات بين المغرب والبوليساريو، بمشاركة الجزائر وموريتانيا، إلا أن الخلافات الجوهرية بين أطروحة الحكم الذاتي والاستفتاء لا تزال تحول دون إحراز تقدم ملموس.
في ظل هذا المشهد، يبدو أن الموقف الأمريكي الأخير يعمّق الانقسام أكثر مما يقرّب الحل، وبينما ترى الرباط فيه دعماً ثابتاً لسيادتها، تعتبره الجزائر تهديداً لشرعية القانون الدولي، ويبقى مستقبل النزاع مفتوحًا على جميع الاحتمالات، بين دبلوماسية نشطة وواقع ميداني جامد.