الوقت- في الآونة الأخيرة، برزت مؤشرات مقلقة حول تراجع استجابة جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي لأوامر الاستدعاء، تزامنًا مع استمرار الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر.
تزايدت التقارير حول حالات الرفض، والامتناع عن العودة للخدمة، بل والانسحاب الكامل من وحدات عسكرية نشطة، وهو ما وصفته مصادر إسرائيلية بـ"التهديد الخطير لجاهزية الجيش في جبهات القتال".
بحسب تقارير ميدانية وصحفية، فإن نسبة الاستجابة للاستدعاء تتراجع تدريجيًا منذ مطلع العام، مع تسارع واضح منذ نهاية أبريل وبداية مايو 2025. وتُعزى هذه الظاهرة إلى الإرهاق الجسدي والنفسي، الأعباء الاقتصادية المتزايدة، والانقسام الحاد في المجتمع الإسرائيلي حول جدوى استمرار الحرب.
انخفاض ملموس في نسب التجاوب العسكري
وفقًا لتقرير نشره موقع "عرب 48" في 2 مايو 2025، فإن وحدات الاحتياط شهدت انخفاضًا ملحوظًا في نسبة الحضور، التي تراوحت بين 75% و85% فقط خلال الأسابيع الأخيرة، مقارنة بنسبة بلغت أكثر من 100% في الأسابيع الأولى من اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.
وقد أوردت صحيفة هآرتس فی مطلع مایو الجاری أن إحدى كتائب المدرعات العاملة في شمال الأراضي المحتلة سجلت تراجعًا من 90% إلى 70% بين الجولة الثانية والثالثة من التعبئة، مع توقعات بهبوط النسبة إلى أقل من 50% في الجولات القادمة.
ولجأت بعض الوحدات العسكرية، بحسب تقرير لـ"عرب 48" نُشر في 13 مارس 2025، إلى فتح قنوات غير رسمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاستقطاب المتطوعين، حيث تحولت مجموعات داخل تطبيق "واتساب" و"فيسبوك" إلى ما يشبه مكاتب تجنيد بديلة، ينشر فيها الضباط طلبات دعم لمهام قتالية ولوجستية عاجلة، وهو ما اعتبره مراقبون دلالة على أزمة هيكلية في منظومة التعبئة العسكرية.
دوافع الرفض والانقسام المجتمعي
لا تقتصر أسباب الرفض على الجوانب العملية فحسب، بل تمتد لتشمل أبعادًا سياسية وأخلاقية. فقد كشف استطلاع حديث أجراه معهد ميسغاف للأمن القومي الإسرائيلي، ونقلته قناة الجزيرة ، أن 58% من جنود الاحتياط فقدوا ثقتهم برئيس الأركان ، بينما يرى 49% منهم أنه يجب أن يستقيل.
هذا التراجع في الثقة يعكس حالة إحباط لدى الجنود نتيجة غياب "رؤية استراتيجية حاسمة" للحرب، بحسب وصف أحد قادة الاحتياط في مقابلة مع موقع "واينت".
وتشير معطيات ميدانية إلى أن بعض الوحدات باتت تعمل دون ضباط قياديين، بعد أن فضّل بعضهم عدم الاستجابة للاستدعاء أو قدموا استقالاتهم. وقد خلت سرايا قتالية من قادة سرايا ونوابهم، ما أثر بشكل مباشر على كفاءة القيادة الميدانية، وفقًا لموقع "يورونيوز".
ما يحدث اليوم داخل الجيش الإسرائيلي لا يمكن اعتباره مجرد أزمة استدعاء عابرة، بل يعكس أزمة أعمق تتعلق بالثقة بالقيادة، الإرهاق المجتمعي، والانقسام السياسي حول مستقبل الحرب في غزة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى تمديد العمليات العسكرية، يواجه الجيش صعوبة متزايدة في تعبئة الموارد البشرية، وهي نقطة قد تفرض نفسها قريبًا في حسابات صنّاع القرار.
وفي حال استمرار تراجع الجنود في الاستجابة للاستدعاء، فإن أثر ذلك لن يقتصر على العمليات العسكرية في قطاع غزة وحدها، بل قد يؤثر أيضًا على قدرة الجيش الإسرائيلي على التعامل مع أي تهديدات في جبهات أخرى، مثل الحدود مع لبنان أو الضفة الغربية. وقد يؤدي هذا الوضع إلى ضغط على القيادة السياسية والعسكرية لإعادة النظر في خططها واستراتيجيتها بشأن استمرار الحرب وطريقة إدارتها