الوقت- من خلال كسر كل المحرمات الإنسانية، حوًل الكيان الصهيوني غزة إلى مختبر للأسلحة المستقبلية. ويشير هذا الإجراء إلى تحرك تل أبيب نحو حروب غير إنسانية وقاسية تعتمد على التكنولوجيا، حيث لا تكون حياة البشر مهمة، بل مجرد فعالية واستعراض للقوة. إن الهجمات الواسعة التي شنها الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة خلال الأشهر التسعة عشر الماضية تظهر أن الكيان استخدم كل الأسلحة الحديثة لقتل الفلسطينيين على نطاق واسع، وأنه انتهك عمليا كل الحدود الإنسانية والأخلاقية في هذه المعركة.
ويعد استخدام الطائرات الانتحارية بدون طيار، والروبوتات المتفجرة، والقنابل الذكية، وأنظمة الحرب الإلكترونية مجرد بعض الأدوات التي استخدمها الجيش الإسرائيلي لاستهداف المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين. وفي مايو/أيار 2024، بدأ الاحتلال باستخدام الروبوتات المتفجرة لأول مرة خلال الغارة الثانية على مخيم جباليا شمال غزة. ويرسم هذا الشكل الجديد من الحرب صورة حية للوضع المميت وغير المتكافئ الذي يعيشه سكان غزة منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
قصص صادمة عن أداء الروبوتات والطائرات بدون طيار
وأفاد شهود عيان ومصادر ميدانية بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم تقنيات متطورة، مثل الروبوتات المتفجرة، في عمليات هدم مستهدفة لمنازل الفلسطينيين، وخاصة في مدينتي رفح وخان يونس جنوب قطاع غزة. وأصبحت هذه المناطق في كثير من الأحيان هدفا لهذه الأعمال بعد إخلائها قسرا وقصفها. وبحسب مشاهدات مراسلين عدد من وسائل الاعلام في غزة، فإن الجيش الإسرائيلي يستخدم روبوتات أرضية يتم التحكم بها عن بعد، وتحمل كميات كبيرة من المتفجرات. يتم إرسال هذه الروبوتات إلى المباني وتفجيرها عن بعد، دون أن يضطر الجنود إلى الاقتراب من الأماكن الخطرة.
وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش الأورومتوسطية، فإن الكيان الإسرائيلي يستخدم هذه الروبوتات المتفجرة لإحداث دمار واسع النطاق وقتل في المناطق الشمالية من غزة. وتتم هذه الأعمال، خاصة خلال الهجوم المستمر منذ تسعة أيام على هذه المناطق، بالتزامن مع ارتكاب جرائم جماعية، والقتل العمد، والتجويع، والتهجير القسري على نطاق واسع. وتؤكد المنظمة أن كل روبوت قادر على تدمير ستة إلى سبعة منازل في وقت واحد.
وتشير التقارير إلى أن استخدام مثل هذه الروبوتات المتفجرة في المناطق السكنية يعد انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي والإنساني، حيث أن هذه الأجهزة غير قابلة للسيطرة ولا يمكن حصر تأثيرها في أهداف عسكرية محددة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى مقتل المدنيين. وفي مدينة خان يونس جنوب القطاع، قال المواطن محمد البويوك إن روبوتاً صغيراً دخل منزل عائلته المكون من ثلاثة طوابق وانفجر بشكل كامل بعد إخلاء المنطقة بالقوة. "كنا نشاهد من بعيد"، قال. تحرك شيء ما داخل المنزل، ثم حدث انفجار ضخم وانهار المنزل بالكامل. "في تلك اللحظة، لم يكن هناك صراع أو مقاومة عسكرية، كان مجرد روبوت ينفذ مهمته." وتؤكد صور الأقمار الصناعية والتقارير الإعلامية الدولية أن العديد من المباني دمرت ليس بسبب القصف الجوي ولكن بسبب الانفجارات الداخلية المستهدفة، وهو ما يعزز فرضية الاستخدام الواسع النطاق للروبوتات والألغام التي يتم التحكم فيها عن بعد.
غزة، مختبر الأسلحة الحديثة في تل أبيب
وبحسب المعلومات التي جمعتها وزارة الإسكان في غزة، فقد تم تدمير أكثر من 73 ألف وحدة سكنية بشكل كامل أو جزئي منذ بداية الحرب. وأفادت مصادر طبية أيضاً أن العديد من الجثث التي تم تسليمها إلى المستشفيات كانت مشوهة بشدة، وتم انتشال بعضها من تحت الأنقاض بعد أيام من الانفجارات العنيفة داخل المباني. كما استخدم الكيان الإسرائيلي قطاع غزة كحقل اختبار لتقنياته العسكرية الجديدة. واتهمت منظمات حقوق الإنسان إسرائيل مرارا وتكرارا باستخدام غزة "كمختبر مفتوح" للأسلحة والتقنيات العسكرية التي يتم تقديمها لاحقا للعالم على أنها "مختبرة في المعارك".
إن استخدام هذه التقنيات يظهر أن تل أبيب لم تدخر أي جريمة من أجل تحقيق أهدافها العسكرية، ومن خلال تجاوز الحدود الأخلاقية والقانونية، حولت غزة إلى حقل اختبار لأدوات الحرب الأكثر فتكاً. إن تزايد استخدام كيان الاحتلال للروبوتات المتفجرة والطائرات بدون طيار الانتحارية في حرب غزة يشير إلى انتقال الكيان الصهيوني إلى نوع من الحرب التكنولوجية اللاإنسانية التي تعتمد على الدمار الواسع وقتل المدنيين بدلاً من المواجهة العسكرية المباشرة. إن هذه الإجراءات، على الرغم من أنها تؤدي إلى تفاقم الطبيعة الإجرامية للحرب، تشكل اختباراً خطيراً للمجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان لمواجهة التقنيات التي محت فعلياً الخط الفاصل بين الحرب العسكرية والإبادة الجماعية.
أهداف تل أبيب في اللجوء إلى الروبوتات والطائرات بدون طيار
أحد الأهداف الرئيسية لاستخدام الروبوتات الانتحارية والطائرات بدون طيار هو تقليل المخاطر التي يتعرض لها الجنود الإسرائيليون في الصراعات الحضرية. وتسمح هذه الأدوات بالوصول إلى عمق المناطق السكنية دون الحاجة إلى وجود جسدي ويتم التحكم فيها عن بعد، مما يقلل من الخسائر البشرية للجيش الصهيوني. كما أن الروبوتات المسلحة والطائرات بدون طيار قادرة على تدمير أهداف محددة مسبقًا بدقة عالية. وتسمح هذه الطريقة للجيش الإسرائيلي باستهداف المباني والأنفاق وحتى الأهداف المتحركة دون اشتباك مباشر وبسرعة أكبر.
ويرى الخبراء أن استخدام تل أبيب لهذه التقنيات ليس مجرد عمل عسكري، بل هو جزء من استراتيجية واعية لخلق حالة من الخوف وانعدام الأمن بين سكان غزة، وهي الاستراتيجية التي تكشف مرة أخرى عن الجوانب اللاإنسانية والإجرامية للحرب ضد الشعب الفلسطيني. ويسعى الكيان الإسرائيلي أيضًا إلى إجراء اختبارات ميدانية على تقنيات عسكرية جديدة لاستخدامها في المستقبل أو بيعها إلى دول أخرى.
وفي الختام، أصبحت حرب غزة الآن رمزاً لمختبر لا يرحم لتقنيات الدمار الشامل. وتشير تقارير شهود العيان ومنظمات حقوق الإنسان إلى أن استخدام الروبوتات والطائرات بدون طيار لا يتم لأغراض عسكرية محددة فحسب، بل يهدف أيضًا إلى تدمير النسيج الاجتماعي والنفسي في غزة بشكل كامل. إن استخدام هذا النوع من الأسلحة يشير إلى تحرك إسرائيل نحو حروب غير إنسانية ووحشية تعتمد على التكنولوجيا، حيث لا تكون حياة البشر مهمة، بل مجرد فعالية واستعراض للقوة. وفي الوقت نفسه، فإن صمت أو تواطؤ بعض القوى العالمية مع هذه الجرائم مهد الطريق لوقوع المزيد من المآسي.