الوقت - وصل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى الجزائر يوم الأحد في زيارة تهدف إلى استئناف الحوار بين البلدين، والذي ظل معلقًا لأكثر من ثمانية أشهر بسبب أزمة دبلوماسية غير مسبوقة، الزيارة تمثل نقطة تحول في العلاقات الثنائية التي شهدت توترات متزايدة في الفترة الأخيرة، ويُتوقع أن تساهم في حل العديد من القضايا العالقة بين البلدين.
الزيارة التي تمثل أول زيارة لمسؤول فرنسي رفيع المستوى إلى الجزائر بعد فترة من القطيعة، تأتي في وقت حساس حيث تسعى كل من فرنسا والجزائر إلى تعزيز التعاون في مجالات عدة، بما في ذلك الهجرة، القضاء، الأمن، والاقتصاد، بعد الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والجزائري عبد المجيد تبون، الذي تم في الـ 31 من مارس الماضي، تم الاتفاق على ضرورة إعادة إطلاق العلاقات بين البلدين بشكل سريع وفعال.
أزمة دبلوماسية وتأثيراتها
شهدت العلاقات بين فرنسا والجزائر تدهورًا ملحوظًا في الأشهر الماضية، حيث تسببت عدة ملفات حساسة في توتر الأجواء بين الجانبين، من أبرز هذه الملفات كانت قضية الهجرة، بالإضافة إلى دعم فرنسا للمغرب في نزاع الصحراء الغربية، هذه القضايا جعلت الجزائر تتخذ مواقف حازمة ضد باريس، ما أسفر عن تقليص التبادل التجاري بنسبة 30% وإضعاف التعاون الأمني بين البلدين، وكانت أزمة توقيف الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال في نوفمبر الماضي أحد أبرز الأحداث التي ساهمت في زيادة حدة التوترات.
لكن مع حلول العام الجديد، وتحت تأثير الضغوط الاقتصادية والسياسية، قررت الجزائر وفرنسا اتخاذ خطوات لإعادة بناء العلاقات، وحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف لوموان، فإن زيارة بارو تهدف إلى "تحديد برنامج عمل ثنائي طموح"، ووضع آليات عملية لتنفيذ الأهداف المشتركة بين البلدين.
الاجتماع مع المسؤولين الجزائريين
بدأت زيارة بارو بلقاء مع الرئيس عبد المجيد تبون في الجزائر العاصمة، حيث تمت مناقشة ملفات متعددة، بما في ذلك تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وفي تصريح له بعد الاجتماع، أشار بارو إلى أن "الهدف هو رفع الستار عن مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية"، مؤكدًا على ضرورة بناء حوار هادئ وشامل.
كما اجتمع بارو مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، حيث تمت مناقشة التحديات التي تواجه العلاقات الثنائية، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وتركزت المحادثات على "تفعيل آليات التعاون في جميع القطاعات"، على حد تعبير بارو، الذي أعرب عن تفاؤله بأن المرحلة المقبلة ستشهد تعزيز التعاون في مجالات حيوية مثل الأمن والهجرة.
ملف الهجرة: أحد أبرز القضايا المطروحة
من أبرز القضايا التي كانت محور الاهتمام خلال الزيارة، ملف الهجرة، حيث يسعى الجانبان إلى حل القضايا المتعلقة باتفاقية الهجرة الثنائية الموقعة عام 1994، والتي تنص على ضرورة قبول الجزائر لمواطنيها الذين ترغب فرنسا في ترحيلهم، وفي هذا السياق، أعرب وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو عن أمله في أن تتخذ الجزائر خطوات جادة لتنفيذ الاتفاقية بشكل صارم.
كما يتوقع أن يتم تناول قضية تأشيرات الدخول المتبادلة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية، وهي إحدى المسائل التي أثارت جدلاً في السابق وأثرت على تنقل المسؤولين بين البلدين.
التعاون الاقتصادي: تحديات وفرص
من ناحية أخرى، يشهد التعاون الاقتصادي بين الجزائر وفرنسا تحديات كبيرة، حيث تراجعت التجارة الثنائية بشكل ملحوظ، وخاصة في قطاع الحبوب، منذ أكتوبر 2024، استبعدت الجزائر الشركات الفرنسية من مناقصات استيراد القمح، وهو ما أثر بشكل كبير على الصادرات الفرنسية إلى الجزائر، وقد أثار هذا الأمر ردود فعل من التجار الفرنسيين الذين يأملون في أن تساهم زيارة بارو في إعادة التوازن لهذه العلاقات الاقتصادية.
ومن المتوقع أن يتم خلال زيارة بارو بحث قضايا أخرى مثل التعاون في مجالات النقل البحري والسيارات والزراعة، حيث يسعى الطرفان إلى تعزيز التعاون في هذه القطاعات الحيوية.
الآفاق المستقبلية
تأتي هذه الزيارة في وقت حساس بالنسبة لفرنسا والجزائر، حيث يتطلع كل طرف إلى تجاوز الأزمة السابقة وفتح صفحة جديدة في علاقاتهما، وبينما تسعى فرنسا للاستفادة من "النافذة الدبلوماسية" التي فتحها الرئيسان ماكرون وتبون، فإن الجزائر تأمل في إعادة بناء علاقة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وفي هذا السياق، أعرب بارو عن أهمية استغلال هذه الفرصة لتحقيق نتائج ملموسة في مجالات الهجرة، التعاون القضائي، الأمن، والاقتصاد، هذه الزيارة، التي يُنتظر أن تسهم في حل العديد من القضايا العالقة، تعتبر خطوة مهمة نحو تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون في المستقبل.