الوقت- تُظهر الأنشطة الأخيرة التي قامت بها وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) في أبريل/نيسان 2025، بما في ذلك تجديد قسم الأطفال في المكتبة الوطنية الكينية، وإقامة مهرجان أطفال العالم التركي، ومهرجان خبز السلام الخامس عشر، وإحياء ذكرى السيادة الوطنية ويوم الطفل، التركيز الخاص الذي توليه تركيا للأطفال باعتبارهم محور الدبلوماسية الدولية.
وتسعى هذه المشاريع، التي تبدو خيرية في ظاهرها، إلى تحقيق أهداف استراتيجية متعددة الطبقات تتجاوز مجرد المساعدات.
أحد الأهداف الرئيسية لتركيا هو تعزيز الدبلوماسية الناعمة من خلال خلق روابط عاطفية وثقافية مع الأطفال من مختلف البلدان.
استثمرت الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) بشكل كبير في الأطفال في مختلف البلدان من خلال تنفيذ مشاريع مثل تجديد قسم الأطفال في المكتبة الوطنية في كينيا، وإقامة مهرجان أطفال العالم التركي، واستضافة أطفال من ألبانيا والبوسنة وفلسطين وقيرغيزستان في مهرجان "خبز السلام"، وإحياء ذكرى السيادة الوطنية ويوم الطفل في الـ 23 من أبريل 2025.
وتعكس هذه الإجراءات، إلى جانب الأهداف الخيرية، استراتيجيات تركيا متعددة الطبقات لتعزيز نفوذها العالمي.
ومن المرجح أن يكون لدى الأطفال، باعتبارهم بناة مجتمعاتهم في المستقبل، والذين لديهم تجربة إيجابية في تركيا (مثل التعليم الجيد أو الضيافة الثقافية)، وجهة نظر إيجابية عن البلاد عندما يكبرون.
إن هذا النهج، وخاصة في بلدان مثل فلسطين، التي تتمتع بأهمية سياسية كبيرة، من شأنه أن يساعد في تعزيز مكانة تركيا كداعم إنساني دون تأجيج التوترات السياسية بشكل مباشر.
ومن أهداف هذه السياسة التي تركز على الطفل في الدبلوماسية العامة لأنقرة تعزيز الهوية الثقافية والوحدة الإقليمية.
ويعد مهرجان أطفال العالم التركي مثالاً واضحاً على جهود تركيا لإحياء العلاقات الثقافية مع البلدان الناطقة بالتركية، ومن خلال جمع الأطفال من هذه البلدان، لا تعمل تركيا على تعزيز الهوية التركية المشتركة فحسب، بل تقدم نفسها أيضًا كمركز ثقافي وسياسي للمنطقة.
وقد تؤدي هذه الخطوة إلى التعاون الاقتصادي والسياسي مع الدول الناطقة بالتركية على المدى الطويل، وخاصة في المنافسة مع قوى أخرى مثل روسيا أو الصين في آسيا الوسطى.
علاوة على ذلك، تسعى تيكا إلى عولمة قيمها الوطنية من خلال الاحتفال بيوم السيادة الوطنية ويوم الطفل وتسليط الضوء على إرث أتاتورك.
إن هذا اليوم المخصص لأطفال العالم يمنح تركيا فرصة لتقديم نفسها باعتبارها رائدة في مجال حقوق الطفل، ومن خلال دعوة الأطفال من بلدان أخرى وإظهار حسن الضيافة، تقدم تركيا صورة لبلد حديث وإنساني قادر على أن يكون فعالاً في المفاوضات الدولية أو جذب الاستثمارات الأجنبية، ويساعد هذا النهج أيضًا على الحد من الانتقادات الدولية للسياسات الداخلية لتركيا.
ومن منظور جيوسياسي، يمكن أن يكون الاستثمار في الأطفال بمثابة أداة للتأثير على المدى الطويل، وفي مناطق مثل البلقان (ألبانيا والبوسنة) أو أفريقيا (كينيا)، حيث تتنافس تركيا مع القوى الغربية والشرقية، تساعد هذه المشاريع في بناء قواعد اجتماعية موالية لتركيا.
إن التعليم والثقافة أدوات تأثير فعالة ومنخفضة التكلفة، وتخلق مقاومة أقل من التدخلات العسكرية أو الاقتصادية، ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تنطوي على مخاطر أيضًا؛ وقد تنظر بعض البلدان إلى هذه التدابير باعتبارها محاولات للتأثير الثقافي أو السياسي المفرط، وهو ما قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية.
والتحدي الآخر هو استدامة هذه المشاريع، إن إعادة بناء البنية التحتية أو إقامة الفعاليات الثقافية يتطلب موارد مالية وبشرية مستمرة، وإذا فشلت تيكا في دعم هذه المشاريع على المدى الطويل، فإن التأثير الإيجابي الأولي قد يتلاشى.
وعلاوة على ذلك، فإن التركيز على الأطفال من بلدان محددة (مثل فلسطين أو البلدان الناطقة بالتركية) قد يؤدي إلى اتهامات بالانتقائية، وخاصة إذا تم تجاهل مناطق أخرى.
وفي نهاية المطاف، تسعى مشاريع تيكا للأطفال إلى الجمع بين الدبلوماسية الناعمة، وتعزيز الهوية الثقافية، والتأثير الجيوسياسي، وتسمح هذه الإجراءات، من خلال استخدام الأطفال كجسور للتواصل، لتركيا بتوسيع نفوذها بشكل غير مباشر وعلى المدى الطويل، ولكن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على قدرة تركيا على الحفاظ على التوازن بين الأهداف الإنسانية والطموحات السياسية.