الوقت- في هذه الأيام، وبينما تشهد تركيا توترات سياسية بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية، ينتقد العديد من المحللين السياسيين والاقتصاديين في البلاد عدم فعالية السياسات الاقتصادية لأردوغان.
في هذه الأثناء، هناك محللون يعتقدون أن المشكلة الأساسية في الاقتصاد التركي تتمثل في عدم وجود زعيم قوي قادر على حماية المصالح الوطنية بشكل صحيح.
محمد علي فيرتشين هو أحد هؤلاء المحللين، يرى فيرتشين أنه على الرغم من الخوف والقلق الكبيرين لدى دونالد ترامب والاقتصاد الأمريكي بشأن القوة الاقتصادية للصين، إلا أن تركيا هي التي يجب أن تشعر بقلق أكبر، لأن الإحصائيات تثبت أن تركيا تعتمد بشكل أكبر على الاقتصاد الصيني مقارنة بالولايات المتحدة، كما أن مراجعة التقارير المالية للسنوات القليلة الماضية تشير إلى أن مصير العديد من القطاعات الصناعية والتحويلية في تركيا مرتبط باستيراد المواد الخام والسلع الوسيطة من الصين، وهذا قد يشكل تهديداً كبيراً للسوق التركية بأكملها على المدى المتوسط.
دعونا نراجع تحليل هذا التهديد الذي قدمه محمد علي فيرسين، الصحفي التركي والمراقب السياسي والاقتصادي:
منظر جوي للاقتصاد التركي
أريد أن أتحدث عن الاقتصاد الكلي في تركيا وأسأل: إذا قمنا بالتقاط صورة جوية للاقتصاد التركي، مثل الكاميرا من السماء، ماذا سنرى؟ ولكن قبل أن أعرض لكم الأبعاد المختلفة لهذه الصورة، أود أن أشير إلى بعض القرارات والإجراءات المثيرة للجدل التي اتخذها دونالد ترامب فيما يتصل بالاقتصاد الصيني، وسوف ترون أن هذه القضية مرتبطة بشكل مباشر بقضايا الاقتصاد الكلي في تركيا.
يقول دونالد ترامب: "لقد سرقت الصين مصانعنا وتسرقنا من خلال التجارة الخارجية"، هل تعتقد أنه على حق؟
وحسب الجداول الإحصائية لـ"التجارة الخارجية بين الولايات المتحدة والصين"، باعت الصين بضائع بقيمة 5.872 تريليونات دولار إلى الولايات المتحدة خلال الأعوام الـ12 الماضية، في حين اشترت بضائع بقيمة 1.554 تريليون دولار فقط.
يوضح هذا الجدول أن العجز في التجارة الخارجية للولايات المتحدة يبلغ بالضبط 4 تريليونات و317 مليار دولار، وعلى هذا النحو، في الولايات المتحدة، تبلغ نسبة تغطية الصادرات إلى الواردات 26.5%، ويبلغ معدل العجز 73.5%.
والواقع أن الإحصائيات المذكورة لا تتضمن معلومات عن الصادرات إلى الولايات المتحدة من الشركات التي أنشأتها الصين في دول مثل فيتنام وكمبوديا وإندونيسيا وبنجلاديش والمكسيك!
إذن... ماذا ستفعل لو كنت ترامب؟ هل تسمح لدولة منافسة لك على المستوى العالمي أن تهز عرشك من خلال جني أموال لا نهاية لها منك؟
هل تستطيعون أن تتسامحوا مع هذا العجز في التجارة الخارجية وتستمرون في التباهي والادعاء بالوطنية؟
ويوجد لدى أنصار ترامب العشرات من هذه الحجج، كما أن المجتمع الأمريكي يؤيد إلى حد كبير تصريحات إدارة ترامب، وبناء على الإحصائيات والأرقام على الأقل، يمكننا أن نقول بأمان: بصرف النظر عن بعض ادعاءات ترامب الكاذبة وسلوكه الدرامي، فإن مخاوفه بشأن القوة الاقتصادية للصين ليست بلا أساس.
وبما أن الصادرات الأمريكية إلى تركيا لا تذكر، لكن الواردات من الصين كبيرة، فمن حق ترامب أن يشعر بالقلق إزاء هذا الوضع.
والآن، مع المعلومات المذكورة أعلاه والنمط المقارن، دعونا نسأل أنفسنا: ما هو وضع الاستيراد والتصدير بين تركيا والصين؟ هل يجب أن نكون قلقين مثل ترامب؟ في وضع يحاول فيه دونالد ترامب، من خلال انفعالاته وأفعاله المثيرة للجدل، إدارة ركن من المصالح الاقتصادية الأمريكية ضد الصين بأي طريقة ممكنة؛ كيف ننظر نحن في تركيا إلى الصين؟ إلى أي مدى أصبحنا معتمدين على الصين، وما هي الحالة الحالية لإحصاءات تجارتنا الخارجية والعجز التجاري؟
ورداً على الأسئلة أعلاه، لا بد لي من القول: بالنسبة للاقتصاد التركي، أصبحت الصين المصدر الأهم لواردات السلع، وأصبحت معظم قطاعاتنا الصناعية تعتمد على هذا البلد، وبناء على بيانات التجارة الخارجية بين الصين وتركيا، يمكن الاطلاع على المعلومات التالية: صدرت تركيا 37.1 مليار دولار إلى الصين في السنوات الـ12 الماضية، ولكن على النقيض من ذلك، استوردت الولايات المتحدة بضائع بقيمة 352.4 مليار دولار من الصين، وفي هذه الحالة وحدها، بلغ العجز في التجارة الخارجية 315.3 مليار دولار بالضبط، وبعبارة تقريبية ومريحة: خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، مقابل كل دولار واحد من البضائع التي صدرتها تركيا إلى الصين، استوردت تركيا بضائع من ذلك البلد بقيمة 10 دولارات!
وإذا قارنا بيانات التجارة الخارجية للولايات المتحدة والصين مع بيانات الصين وتركيا، نجد أن نسبة تغطية الصادرات إلى الواردات في التجارة الخارجية لتركيا والصين هي 10.5%، بينما في الولايات المتحدة تبلغ هذه النسبة 26.5%.
ومن الواضح أن تركيا في وضع أسوأ بكثير من الصين مقارنة بالولايات المتحدة: ففي مقابل كل دولار من الصادرات، تستورد تركيا 10 دولارات، وقد تكون هناك أسباب معقولة وعشرات الأسباب غير المعقولة لذلك، وفي مقدمتها ارتفاع مستوى الواردات من المواد الخام والسلع الوسيطة للتصدير.
دعونا لا ندخل في جزء التبرير ونؤكد فقط على أن هذا الوضع غير المستقر مقلق للغاية بالنسبة للاقتصاد التركي، لكننا لا نفكر في هذا الأمر وسنستمر في ذلك في الوقت الراهن.
والسؤال الآن هو: كيف تنوي تركيا تعويض هذه العجز؟ على سبيل المثال، هل سيكون لزاما عليها تمويل نفسها عن طريق الاقتراض من الحكومة والبنوك الصينية؟ هل سيتم تغطية هذا العجز من خلال الاستثمار المباشر الصيني في تركيا؟ الجواب على كلا السؤالين هو سلبي.
فماذا ستفعل تركيا؟ الجواب: لسوء الحظ، كل ما سيفعله هو "التوسل للحصول على القروض والاقتراض من الخارج".
وفي هذا المجال، لجأت الحكومة إلى الحصول على "قروض مجمعة"، وهذا أحد أسوأ الأمثلة على الاقتراض الأجنبي، والذي يتميز بمعدلات فائدة عالية ويُمنح لعميل واحد من خلال توفير الأموال والتعاون بين العديد من البنوك التجارية أو بنوك الاستثمار.
إن الحصول على قروض مجمعة هو في الأساس نوع من طقوس التسول، وبالإضافة إلى ذلك، فإن تكلفة هذا القرض المطلوب أكثر تكلفة من القروض العادية.
لنفترض أن خزانة الجمهورية التركية تريد اقتراض مليار دولار، ويرى أولئك القادرون على الإقراض أن أسعار الفائدة المرتفعة في تركيا معقولة، لكنهم يرونها محفوفة بالمخاطر، ثم اتفقوا فيما بينهم على أن نتقاسم هذا القرض، إذا أعلنت تركيا إفلاسها، فإننا جميعاً نتحمل المخاطر.
وبعد ذلك، يقوم كل بنك أو مؤسسة بإيداع ما بين 5 إلى 50 مليون دولار في "مجموعة القروض المشتركة"، ومع مشاركة العشرات من البنوك، يتم إكمال عملية جمع مليار دولار، يمكن اعتبار هذه المعاملات بمثابة "تسول مالي باهظ الثمن".
ألا يمكننا اتخاذ إجراء آخر ضد الصين؟ على سبيل المثال، ألا يمكننا، مثل الولايات المتحدة، زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية؟ لا، لا يمكننا ذلك! لماذا؟ لأن جزءاً كبيراً من المستوردين هم من عائلات ورفاق قادة حزب العدالة والتنمية، والحكومة لا تريد إزعاجهم!
وبالطبع، يمكنك القيام بأشياء أخرى أيضًا، على سبيل المثال، يمكننا أن نطلب من الصين زيادة الاستثمار المباشر في تركيا، من الممكن أن تبيع الصين سندات بقيمة 100 مليار دولار بأسعار فائدة منخفضة وآجال استحقاق لا تقل عن 30 عاما.
لكن حكومة أردوغان لم تتخذ أيًا من هذه الإجراءات، لأن هذا النهج يعتمد على الشعارات، وعندما ننظر إلى أرقام التجارة الخارجية، نرى أن كل هذا الشعار الذي يصر على مفاهيم الإنتاج "الوطني والمحلي" لا يشكل حتى كرة قطنية ذات أهمية حقيقية بالنسبة للحكومة.
ألمنا ليس واحد أو اثنين! لدينا هذا الوضع ليس فقط مع الصين، بل أيضًا مع فيتنام واليابان وكوريا.
دعونا نلقي نظرة على تجارتنا الخارجية على مدى 12 عامًا مع فيتنام وكوريا واليابان:
فيتنام: قمنا بتصدير بضائع بقيمة 3.4 مليارات دولار، واستوردنا بضائع بقيمة 24.3 مليار دولار.
اليابان: قمنا بتصدير بضائع بقيمة 5.9 مليارات دولار، واستوردنا بضائع بقيمة 50.1 مليار دولار.
كوريا الجنوبية: قمنا بتصدير بضائع بقيمة 9.9 مليارات دولار، واستوردنا بضائع بقيمة 88.1 مليار دولار.
أحد الأخطاء الاستراتيجية لحكومة أردوغان هو أنها بتخفيض الرسوم الجمركية جعلت جميع الأجانب يرغبون في التصدير إلى تركيا، بينما يفضل العديد من الناشطين المحليين أن يكونوا مستوردين فقط بسبب الأرباح العالية!
وفي مجال الاستثمار، كل ما تم فعله كان لمصلحة الدول الأجنبية فقط، على سبيل المثال، أكبر استثمار لليابان في تركيا هو شركة تويوتا، كما جلبت كوريا الجنوبية شركة هيونداي إلى تركيا.
إنهم ينتجون السيارات في تركيا، معتمدين على الأجور المنخفضة للعمال الأتراك، ويحققون أرباحًا ضخمة، وفي الواقع، وقعت الحكومة اتفاقيات التجارة الحرة مع كوريا واليابان، ما أدى إلى إزالة جميع الحواجز أمام الصادرات من هذه البلدان، ويأتي هذا في ظل وضع أصبحت فيه صادراتنا إلى هذه البلدان منخفضة، ولا نحقق أي ربح عملياً.
ويخبرنا الجدول أعلاه: إذا أردنا أن نلتقط صورة جوية للاقتصاد التركي في ظل هذه الظروف، فإن المقيم سوف يتساءل عما إذا كانت هذه صورة لبلد كريم لا يستفيد منه إلا الأجانب أم صورة لبلد لا يهتم قادته بالمصالح الوطنية للبلاد؟