الوقت- وصلت الحرب الأهلية في السودان بين قوات الجيش ومتمردي ما تسمى جماعة "الرد السريع" إلى مرحلة حاسمة، رغم التقدم الأولي الذي أحرزته قوات "الرد السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، إلا أن الوضع الحالي لهذه القوات في السودان ليس مواتياً للغاية.
بعد عامين من الحرب الأهلية في السودان، تشهد البلاد الآن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، لقد انهارت البنية التحتية تقريبًا، كما أدى تفاقم المجاعة في خضم الحرب إلى مقتل ما لا يقل عن 150 ألف مواطن سوداني، وقيل أيضًا إن ما يقرب من 15 مليون شخص نزحوا داخل السودان وخارجه حتى الآن.
من له اليد العليا؟
وشهدت الحرب في السودان خلال الأشهر القليلة الماضية تحولات استراتيجية لمصلحة القوات العسكرية الرسمية، حيث تمكنت الأخيرة من استعادة السيطرة على مناطق حيوية، وخاصة العاصمة الخرطوم، وقد قام مركز الدراسات الإستراتيجية بالقاهرة بدراسة الوضع الميداني في السودان في تقرير، وعلى أساسه يمكن التمييز بين المناطق التي يسيطر عليها طرفا الحرب:
المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني: سيطر الجيش على ساحل البحر الأحمر وولايتي القضارف وكسلا، بالإضافة إلى ولايات نهر النيل والشمالية والنيل الأزرق بحلول مارس 2025، كما تمكن الجيش السوداني من السيطرة الكاملة على العاصمة الخرطوم، وتمكن من طرد مسلحي قوات الدعم السريع من آخر قواعدهم في منطقة الصالحية جنوب غرب أم درمان، والتي كانت تعتبر موقعاً استراتيجياً للمسلحين، وتعتبر ولايتا سنار والجزيرة من المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني أيضاً.
المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات قوات الدعم السريع: على الرغم من التراجعات الميدانية والخسائر الفادحة، تواصل ميليشيات قوات الدعم السريع السيطرة على مناطق ذات أهمية استراتيجية، بما في ذلك أربع من الولايات الخمس في جنوب وغرب ووسط وشرق دارفور، وعاصمة دارفور الفاشر، وجنوب كردفان، وخاصة منطقة القوز والدبيبات، هي أيضاً مناطق أخرى تحت سيطرة قوات الرد السريع.
تحديات الميليشيات المتمردة
تواجه ميليشيات قوات الدعم السريع السودانية تحديات عسكرية ولوجستية وأمنية وسياسية عديدة.
التحديات العسكرية: تواجه ميليشيات قوات الدعم السريع تحديات عسكرية كبيرة بسبب تفوق الجيش السوداني في القوة الجوية والمركبات المدرعة، وتعتمد قوات الدعم السريع بشكل كبير على قوة المشاة، كما أدت الغارات الجوية إلى إلحاق أضرار بمخازن الأسلحة والإمدادات التابعة لها.
التحديات الأمنية: لقد تورطت ميليشيات قوات الدعم السريع أيضًا في التوترات الداخلية وأضعفت تماسكها، وقد برزت المنافسة بين القادة المحليين الطموحين فيما بينهم، كما أدى ظهور الفصائل المتنافسة إلى إضعاف نفوذهم بين القبائل المحلية في السودان، وخاصة في دارفور.
التحديات السياسية والدبلوماسية: تواجه قيادة ميليشيا قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي ضغوطاً سياسية ودبلوماسية واتهامات من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وقد أدت هذه الاتهامات إلى عزلها على الساحة الدولية، وعلى المستوى الإقليمي، سحبت بعض الدول، مثل تشاد، دعمها السابق لقوات الدعم السريع بعد ضغوط من المجتمع الدولي.
التحديات الاقتصادية: يعتمد المسلحون أيضًا إلى حد كبير على مصادر التمويل غير الرسمية، مثل تهريب الذهب والوقود والضرائب على المعابر غير القانونية، هذه الموارد غير مستقرة ومعرضة للانهيار في أي لحظة، ومن ناحية أخرى، لم يعد الزعماء المحليون خاضعين لقائد قوات الرد السريع كما كانوا في السابق.
التحديات الاجتماعية والشعبية: واجهت ميليشيات الرد السريع رفضاً شعبياً واسع النطاق في وسط وشرق السودان، وشهدت هذه المناطق أيضًا خلال الأشهر القليلة الماضية تحركات احتجاجية ضد ميليشيات قوات الدعم السريع، وحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن عمليات النهب والقتل والاغتصاب أدت إلى تآكل الشرعية الاجتماعية لميليشيات الرد السريع.
إلى أين يتجه مستقبل السودان؟
ونظراً لتعقيدات الوضع السوداني وتعدد الأطراف المعنية، فإن السيناريوهات المحتملة تتراوح بين التسوية العسكرية التدريجية لمصلحة الجيش، إلى ترسيخ الانقسام الجغرافي بسبب نشر قوات الدعم السريع في دارفور، إلى التسوية السياسية المفروضة بالضغوط الخارجية، وتعتمد كل هذه المسارات على توازن القوى والدعم الدولي وإرادة الأطراف المحلية في إنهاء الصراع، على النحو التالي:
السيناريو الأول: الانهيار التدريجي لقوات الدعم السريع: إذا استمرت القوات المسلحة السودانية في التقدم، مدعومة بالتفوق العسكري واللوجستي والدعم الإقليمي، وفي غياب الدعم الخارجي الكافي لقوات الدعم السريع، فمن المتوقع أن تتمكن المؤسسة العسكرية من تعزيز سيطرتها في السودان، ويحقق الجيش تقدما سريعا في غرب السودان، في حين يتراجع نفوذ قوات الدعم السريع في المناطق الحضرية الحيوية، وتتفاقم الانقسامات الداخلية داخل الميليشيات.
السيناريو الثاني: التقسيم الجغرافي: قد تسعى ميليشيات قوات الدعم السريع السودانية إلى تعزيز سيطرتها على منطقة دارفور، معقلها الرئيسي، وفرض واقع سياسي وجغرافي جديد يشبه حالة الحكم الذاتي غير الرسمي في تلك المنطقة، إن أي توقف في العمليات العسكرية للجيش السوداني قد يعطي لقوات الدعم السريع فرصة لتعزيز مواقعها في دارفور وقد يدخل سيناريو "تقسيم السودان" حيز التنفيذ.
السيناريو الثالث: التسوية السياسية من قبل القوى الخارجية: من المرجح أن تفرض القوى الإقليمية والدولية، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وغيرهما، حلاً سياسياً يتضمن دمج ميليشيا قوات الدعم السريع في مؤسسات الدولة مقابل نزع سلاحها، ويتطلب هذا السيناريو أشهراً من الوساطة والضغط، وقد يتضمن شروطاً مثل وقف إطلاق النار، أو الانسحاب من مناطق محدودة، أو ضمانات قانونية لقادة الميليشيات، أو دور سياسي محدود في المرحلة الانتقالية، ومن غير المرجح أن ينجح هذا السيناريو في ظل تضارب المصالح بين الجهات الفاعلة الدولية.