الوقت- في تطور جديد يعكس حجم الانتهاكات المتصاعدة داخل سجون الكيان الإسرائيلي، أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، الأربعاء، استشهاد الأسير الفلسطيني عبد الرحمن سفيان محمد السباتين (21 عاماً)، في ظروف غامضة داخل أحد مستشفيات الكيان الإسرائيلي، بعد أقل من شهر على اعتقاله. الحادثة أعادت إلى الواجهة ملف الأسرى الفلسطينيين، وما يتعرضون له من جرائم ممنهجة تشمل التعذيب، الإهمال الطبي، الإخفاء القسري، والقتل البطيء، في واحدة من أكثر المراحل دموية في تاريخ الحركة الأسيرة.
استشهاد في ظروف غير واضحة
وبحسب بيان مشترك صادر عن هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير، فإن الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية، بصفتها جهة الاتصال الرسمية مع الكيان الإسرائيلي، أبلغت المؤسستين باستشهاد الأسير عبد الرحمن السباتين، وهو من بلدة حوسان غرب محافظة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية. وأوضح البيان أن السباتين كان قد اعتقل في 24 يونيو/حزيران 2025، قبل أن يعلن عن وفاته داخل مستشفى “شعاري تسيدك” التابع للكيان الإسرائيلي.
وأكدت المؤسستان أن سلطات الكيان الإسرائيلي لم تقدم أي تفاصيل واضحة حول ظروف وفاته، ما يعزز الشكوك بشأن تعرضه لانتهاكات جسيمة خلال فترة اعتقاله القصيرة، خاصة في ظل التدهور الحاد في أوضاع الأسرى منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة.
سياق دموي متصاعد داخل السجون
استشهاد السباتين لا يأتي كحادثة معزولة، بل يندرج ضمن سياق أوسع من الجرائم والانتهاكات التي تصاعدت بشكل غير مسبوق داخل سجون ومعسكرات احتجاز الكيان الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية. وتشير مؤسسات حقوقية فلسطينية إلى أن هذه المرحلة تُعد “الأكثر دموية” في تاريخ الحركة الأسيرة، حيث تجاوز عدد الشهداء داخل السجون منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي حاجز المئة، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل استمرار سياسة الإخفاء القسري.
ووفق البيان، فإن عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ بدء حرب الإبادة تجاوز المئة شهيد، جرى الإعلان عن هويات 85 منهم فقط، فيما لا يزال العشرات من معتقلي قطاع غزة رهن الإخفاء القسري، دون أي معلومات عن مصيرهم، إلى جانب حالات إعدام ميداني لمعتقلين خلال عمليات الاعتقال أو التحقيق.
الإخفاء القسري.. جريمة مستمرة
أحد أخطر أوجه الانتهاكات التي يمارسها الكيان الإسرائيلي بحق الأسرى، هو الإخفاء القسري، خاصة بحق معتقلي قطاع غزة. إذ تؤكد مؤسسات الأسرى أن عدداً غير معروف من الفلسطينيين لا تزال أسماؤهم وهوياتهم مجهولة، ولم يُعترف حتى باعتقالهم رسمياً، ما يحرمهم من أبسط الحقوق القانونية والإنسانية، ويترك عائلاتهم في حالة انتظار دائم وقلق نفسي مستمر.
وتشير التقارير الحقوقية إلى أن الإخفاء القسري غالباً ما يكون مقدمة للتعذيب الشديد أو القتل، في ظل غياب الرقابة الدولية، ورفض الكيان الإسرائيلي السماح بزيارات مستقلة أو تحقيقات محايدة داخل سجونه ومعسكراته.
تحميل الكيان الإسرائيلي المسؤولية الكاملة
وحملت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير سلطات الكيان الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن استشهاد عبد الرحمن السباتين، معتبرتين أن وفاته نتيجة مباشرة لسياسات ممنهجة تقوم على الإهمال الطبي وسوء المعاملة والتعذيب. ودعتا إلى تدخل حقوقي دولي فاعل، يفضي إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات الجسيمة، في ظل استمرار احتجاز الأسرى في ظروف تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية.
وأكد البيان أن عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967، ممن عُرفت هوياتهم، ارتفع باستشهاد السباتين إلى 322 شهيداً، ما يعكس الطابع المزمن لسياسات القمع التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين.
أرقام صادمة عن واقع الأسرى
وبحسب الإحصاءات الفلسطينية، يقبع في سجون الكيان الإسرائيلي أكثر من 9300 أسير فلسطيني، بينهم أكثر من 50 أسيرة، ونحو 350 طفلاً، إضافة إلى مئات المعتقلين المحتجزين في معسكرات تابعة لجيش الكيان الإسرائيلي، حيث تسود ظروف احتجاز قاسية، تشمل الاكتظاظ الشديد، الحرمان من العلاج، سوء التغذية، ومنع الزيارات.
وتؤكد المؤسسات الحقوقية أن هذه الأوضاع تفاقمت بشكل خطير منذ بدء الحرب على غزة، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في حالات التعذيب الجسدي والنفسي، واستخدام أساليب تحقيق عنيفة، فضلاً عن سياسة التجويع المتعمد والإهمال الطبي، التي أدت إلى تدهور أوضاع صحية لعشرات الأسرى.
موقف حركة حماس
من جهتها، اعتبرت حركة حماس استشهاد الأسير عبد الرحمن السباتين “جريمة جديدة” تضاف إلى سجل الجرائم التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين. وقالت الحركة في بيان إن وفاة السباتين بعد تدهور وضعه الصحي داخل السجون تمثل دليلاً جديداً على سياسة “القتل البطيء” التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي، من خلال التعذيب وسوء المعاملة والتجويع والإهمال الطبي المتعمد.
وأضافت حماس أن هذه الجريمة تأتي في إطار سلسلة من عمليات الإعدام الممنهج داخل السجون ومراكز التحقيق، والتي أدت إلى ارتفاع خطير وغير مسبوق في عدد شهداء الحركة الأسيرة، في ظل غياب الرقابة الدولية وصمت المؤسسات الأممية والحقوقية.
وشددت الحركة على تحميل حكومة الكيان الإسرائيلي وإدارة مصلحة السجون المسؤولية الكاملة عن استشهاد السباتين، وعن مصير كافة الأسرى الذين يتعرضون للتعذيب والإخفاء القسري، لا سيما معتقلي قطاع غزة الذين لا يزال مصير الكثير منهم مجهولاً.
صمت دولي مريب
يثير استمرار هذه الجرائم تساؤلات جدية حول دور المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية الأممية، التي تكتفي في الغالب ببيانات الإدانة، دون اتخاذ خطوات عملية لوقف الانتهاكات أو محاسبة مرتكبيها. ويرى مراقبون أن هذا الصمت يمنح الكيان الإسرائيلي ضوءاً أخضر لمواصلة سياساته القمعية بحق الأسرى، بعيداً عن أي مساءلة حقيقية.
استشهاد الأسير عبد الرحمن السباتين يعكس جانباً قاتماً من واقع الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الكيان الإسرائيلي، حيث تتحول أماكن الاحتجاز إلى ساحات موت بطيء، تُنتهك فيها أبسط حقوق الإنسان. ومع استمرار الإخفاء القسري وارتفاع أعداد الشهداء، يبقى ملف الأسرى واحداً من أكثر الملفات إلحاحاً، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية لا يمكن تجاهلها، في ظل جرائم ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، وتستدعي تحركاً عاجلاً يتجاوز حدود الإدانة اللفظية.
