الوقت - أثار الاقتراح الذي قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ما يبدو لإعادة إعمار غزة والتهجير القسري لسكان المنطقة في الوقت نفسه، قلقاً كبيراً في الدول العربية، وفي هذا الصدد، يبدو الآن أن الحكومات العربية تبحث عن خطط بديلة.
من أين جاءت خطة ترامب لغزة؟
ويواصل ترامب تنفيذ خطته لإعادة إعمار غزة التي تعتمد على الهجرة القسرية للفلسطينيين من هذا القطاع إلى الدول العربية وإعادة إعمار تلك المنطقة على النمط الغربي، وكما ذكرت دويتشه فيله، فإن فكرة ترامب تستند إلى وثيقة مكونة من 49 صفحة أعدها في وقت سابق من هذا الصيف جوزيف بلازمان، أستاذ الاقتصاد المقيم في واشنطن، وتتضمن خطة أستاذ الاقتصاد لغزة إطلاق الطاقة المتجددة، ونظام السكك الحديدية الخفيفة، والمطارات والموانئ، والحكومة الرقمية، والفنادق على الشاطئ.
وفي الصيف الماضي، قال بلازمان في إحدى المحاضرات الصوتية إنه من أجل تحقيق خطته، يتعين إخلاء غزة بالكامل، وكان قد اقترح أن الولايات المتحدة يمكن أن تعتمد على مصر في قبول لاجئي غزة، لأن مصر مدينة للولايات المتحدة.
الحكومات العربية واستحالة خطة ترامب
أدانت معظم حكومات الشرق الأوسط خطة ترامب بشأن غزة، وانتقدت مصر والأردن، الدولتان اللتان عرض ترامب عليهما استضافة سكان غزة بعد التهجير القسري "خطة ترامب"، كما أكدت مصر بوضوح أن إعادة إعمار غزة لن تكون ممكنة إلا مع استمرار وجود الفلسطينيين هناك.
كما عارضت خمس دول عربية، هي السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن، وحسين الشيخ مستشار رئيس السلطة الفلسطينية، خطة ترامب لنقل سكان غزة إلى مصر والأردن في رسالة مشتركة إلى الحكومة الأمريكية، لكن حجة ترامب تستند إلى افتراض أن مصر والأردن، اللتين تتلقىان مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية والدعم العسكري من الولايات المتحدة، لن يكون أمامهما خيار سوى قبول خطته، على الرغم من أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بعد رحلة إلى واشنطن الأسبوع الماضي، نشر تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي أكد فيها موقف الأردن الثابت ضد تهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
ويخشى المسؤولون الأردنيون أيضاً من أنه إذا أُجبر مليونا فلسطيني من غزة على دخول مصر والأردن، فقد يكون الثلاثة ملايين فلسطيني الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، التي تحد الأردن، هم التاليين في النزوح القسري.
عواقب خطة ترامب على الدول العربية
يبدو أن تطبيق خطة ترامب بشأن التهجير القسري لشعب غزة ستكون له عواقب وخيمة على الحكومات العربية الأخرى المتحالفة مع الولايات المتحدة، وبالطبع على الحكومة الأمريكية وتل أبيب:
خرق الاتفاقية الأمنية الأردنية الأمريكية: الأردن هو أحد أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وفي عام 2021 وقع اتفاقية تعاون دفاعي تسمح للقوات والمركبات والطائرات الأمريكية بالدخول والعمل بحرية في الأردن.
ويقول خبراء: إن النزوح القسري للفلسطينيين المقيمين في غزة إلى الأردن يشكل "تهديدا وجوديا" للحكومة التي تقودها عائلة الملك عبد الله المالكة، وإذا سقطت الحكومة الأردنية فإن التعاون الأمني مع الولايات المتحدة سوف يتعرض للخطر أيضا، ومن هذا المنظور، ربما لا يكون الضغط الشديد على الأردن في مصلحة واشنطن، لأن المصالح الأمريكية في المنطقة سوف تتعرض للخطر من ناحية أخرى.
نهاية السلام بين مصر و"إسرائيل": قالت مصر أيضًا إنها ستنهي معاهدة السلام طويلة الأمد مع "إسرائيل" إذا حاولت "إسرائيل" إجبار الفلسطينيين على الانتقال إلى شبه جزيرة سيناء، وكانت هناك أيضًا تقارير عن زيادة القوات العسكرية المصرية في سيناء، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان الوجود المتزايد للقوات المصرية في سيناء هو استجابة مباشرة لتصريحات ترامب.
في الوقت نفسه، أرجأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أيضًا زيارته المقررة إلى واشنطن، وربما يكون هذا التأجيل أيضًا رد مصر على خطة ترامب لإجلاء سكان غزة بالقوة.
السلام السعودي الإسرائيلي في خطر: أحد التأثيرات والنتائج الأخرى لخطة ترامب فيما يتعلق بتهجير الناس من غزة هو أن خطط تطبيع العلاقات بين الدول العربية و"إسرائيل" قد أزيلت أيضًا من على الطاولة، ورغم أن ترامب يريد مواصلة خفض التصعيد بين السعودية و"إسرائيل"، فإن السعوديين أكدوا باستمرار في الأشهر الأخيرة أنهم لن يوافقوا على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" ما لم يكن لهذا التطبيع مسار واضح نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وفي هذه الحالة فإن خطة التهجير القسري لسكان غزة إلى مصر هي الطلقة الأخيرة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولا شك أن تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والسعودية سوف يفشل من خلال تنفيذ التهجير القسري لسكان غزة.
النفوذ الحقيقي للدول العربية ضد ترامب
وفي الوقت نفسه، يواجه ترامب تحديات كبيرة في تنفيذ خطته، ويعتقد بريان كاتوليس، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن هناك قضايا لوجستية تكاد تكون مستحيلة لتنفيذ خطة ترامب لغزة والتي يجب معالجتها، ويرى كاتوليس أن أهم نفوذ تمتلكه الدول العربية ضد خطة ترامب هو وحدتها المتزايدة في معارضتها والدفع نحو حل الدولتين في فلسطين.
ويرى أحمد عبودة، الخبير في العلاقات الخارجية في مركز تشاتام هاوس البريطاني في لندن، أن أياً من الدول العربية لا تريد أن تكون على مسار الصراع مع ترامب، لكنها تحاول تشكيل جبهة عربية موحدة ضد خطة ترامب، ولذلك فإن العديد من الدول العربية على اتصال بمن لا يزال في وزارة الخارجية والبنتاغون والكونغرس الأمريكي للضغط على ترامب لوقف خطته بشأن غزة.
في هذه الأثناء، قالت عدة دول عربية إنها ستقدم المقترحات اللازمة لإعادة إعمار غزة، ومن المرجح أن يرافق الاجتماع الطارئ للجامعة العربية، المقرر عقده في القاهرة بمصر بعد عشرة أيام، مسودة خطط لإعادة إعمار غزة.
وقد تم تقدير تكلفة إعادة إعمار غزة بأكثر من 30 مليار دولار (28.6 مليار يورو)، كما أعلنت مصر أنها من المرجح أن تنظم مؤتمرا للمساعدة في إعادة إعمار غزة، وقال مروان مشعل، نائب مدير الدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، في تحليل: إن جامعة الدول العربية قد تتخذ خطوات لمساعدة مصر والأردن إذا قطعت الولايات المتحدة المساعدات عن البلدين، وعلى هذا الأساس، يبدو أن الدول العربية تخطط لمواجهة خطة ترامب في غزة بكل قوة.