الوقت- يرى محللون سياسيون في أنقرة أن مجموعة مؤثرة في البنية السياسية الأمريكية تسعى إلى إقناع ترامب بمعارضة التعاون النووي بين أردوغان وبوتين، وكان أحد الزعماء الذين فرحوا بإعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لأن العلاقات بين أنقرة وواشنطن لم تكن في حالة جيدة خلال رئاسة جو بايدن، والآن يأمل فريق أردوغان في الحصول على المزيد من الفرص لمرافقة ترامب والتعاون معه، لكن السؤال هنا هو: هل التعاون الذي يتوقعه أردوغان سيشمل كل المجالات؟ على سبيل المثال، ما هو الموقف الذي سيتخذه دونالد ترامب تجاه تحول تركيا إلى قوة نووية وإلى أي مستوى سيرفع مستوى التعاون بين أنقرة وموسكو؟
هذه هي الأسئلة التي شغلت أذهان العديد من وسائل الإعلام ومراكز الفكر التركية، ويأتي هذا في ظل وضع لم يصل فيه بعد نبض ذهبي متفائل إلى أنقرة، ولا أحد يعرف ما إذا كان ترامب سيعامل أردوغان بلطف أم لا، ويأمل فريق أردوغان ليس فقط في الحصول على شحنة مكونة من 40 مقاتلة من طراز إف-16 من الولايات المتحدة، بل أيضًا العودة مرة أخرى إلى قائمة مصنعي ومشتري أجزاء طائرة إف-35 المقاتلة.
الملف النووي بين تركيا وروسيا والمنظور الأمريكي
كان من المفترض أن يفتتح محطة أكويو للطاقة النووية في تركيا، التي بناها مهندسون روس، تزامنا مع الانتخابات الرئاسية لعام 2024، ما سيجلب عالما من الأصوات والانتباه إلى أردوغان وحزب العدالة والتنمية، ولكن هذا لم يحدث، ولم يتم افتتاح سوى وحدة واحدة من الوحدات النووية الأربع في محطة الطاقة رسميا، وكان هذا الإجراء غير فعال ولا معنى له إلى درجة أن فلاديمير بوتين فضل رفض دعوة أردوغان وعدم الذهاب إلى أكويو لحضور حفل الافتتاح.
وفي وقت سابق، اعتقد العديد من المعلقين السياسيين الأتراك أن السبب الرئيسي وراء التأخير في استكمال بناء محطة الطاقة هو سياسة بوتين الخاصة تجاه تركيا، وأنه يريد المماطلة في هذا المشروع بحجة دعم أردوغان لأوكرانيا من خلال الطائرات دون طيار، لكن الآن أظهر تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن القضية أكثر تعقيداً مما تصور المحللون المؤيدون لأردوغان.
وأظهرت الصحيفة أن حجب الموارد المالية لاستكمال بناء محطة الطاقة النووية الروسية في تركيا كان مؤامرة أمريكية، والآن تريد مجموعة من الأمريكيين المؤثرين إقناع ترامب بعدم الموافقة على حصول تركيا على الطاقة النووية واستخدام كل الوسائل لإبعاد أردوغان عن بوتين.
ولقد حولت روسيا 5 مليارات دولار نقداً إلى تركيا عبر قناة مصرفية رسمية لتوفير الموارد المالية اللازمة لاستكمال بناء محطة الطاقة النووية، ولكن محققاً مالياً تابعاً لوزارة الخزانة الأمريكية اكتشف ذلك أثناء مراجعته للمعاملات في بنك جي بي مورجان، وقد سلم تقريره السري إلى المستشار الأمني الأعلى للبيت الأبيض عندما وصلت 3 مليارات دولار من الأموال إلى أنقرة واقترح مصادرة الـ 2 مليار دولار المتبقية في أسرع وقت ممكن، بناء على أوامر مباشرة من بايدن، ومن المثير للاهتمام أن التحويل المالي المذكور حدث قبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ولم تكن العقوبات المالية ضد روسيا مدرجة على جدول الأعمال بعد.
"خاندي فرات".. المرأة التي هبت لمساعدة أردوغان
برزت السيدة خاندي فرات، المراسلة البارزة في صحيفة حرييت التركية، إلى الصدارة في ليلة الانقلاب الفاشل في عام 2016، لأنه تمكن من إجراء مكالمة فيديو عبر الإنترنت مع أردوغان في برنامج تلفزيوني مباشر باستخدام هاتفه المحمول، ما دفع أردوغان إلى دعوة أنصاره إلى النزول إلى الشوارع مباشرة على الهواء، وفي وقت لاحق، قام بعض رجال الأعمال القطريين المؤيدين لأردوغان بشراء الهاتف المحمول لخاندي فرات مقابل مبلغ كبير، وحصل هو نفسه على مكانة خاصة كصحفي مقرب من الرئيس.
والآن، تابعت السيدة فرات تفاصيل تقرير وول ستريت جورنال وكتبت عن هذه القضية: "لقد تابعت قضية حجب الموارد المالية المتعلقة بمحطة الطاقة النووية الروسية في تركيا مع العديد من المسؤولين في الحكومة وحزب العدالة والتنمية، "ليس لديهم معلومات مفصلة، لكنهم يعتقدون أن توقيت إصدار التقرير له أهمية سياسية كبيرة"، وكان إبراهيم قالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية آنذاك، ونور الدين نباتى، وزير المالية والخزانة آنذاك، يديران بشكل مباشر التحويلات المالية بين روسيا وتركيا، لكنهما ردا على أسئلة صحيفة حرييت، رفضا تقديم تفسير بشأن هذه المسألة.
وتابعت خانده فرات، موضحة السبب الرئيسي والدافع وراء نشر التقرير في صحيفة وول ستريت جورنال: "أخبرني مسؤولون في الإدارة أن التوقيت المحدد لنشر التقرير يشير إلى أن فريقا سياسيا قويا مناهضا لتركيا يعمل في واشنطن، وتحديدا في الكونجرس، وقد عمدت المجموعة إلى تسريب هذه المعلومات عمداً بهدف جذب انتباه المستشارين الأمنيين والدبلوماسيين لإدارة دونالد ترامب، الهدف الرسمي للفريق هو: تشجيع ترامب على معارضة تحول تركيا إلى قوة نووية والضغط على أردوغان لإبعاد نفسه عن فلاديمير بوتين".
وتتابع صحيفة حرييت: "اقترح مفتشو وزارة الخزانة المالية على جو بايدن مصادرة جميع الأموال المحولة من روسيا"، لكن مستشار الأمن القومي لبايدن لديه هذا الرأي: في هذا الأمر، لا ينبغي لنا أن نركز فقط على روسيا.
إن تطبيق الصرامة المفرطة من شأنه أن يزيد من المسافة بين تركيا والولايات المتحدة، لا ينبغي لنا أن نجعل السلطات في أنقرة ترد، كما اتُهمت المجموعة المالية الأمريكية "سيتي جروب" بتحويل عدة مليارات من الدولارات نقداً، بالتواطؤ والتنسيق مع أنقرة، بحجة تمويل محطة الطاقة النووية، لكن الوجهة الأصلية لم تكن محطة الطاقة، بل تم استخدامها لتحقيق بعض الأهداف الاستراتيجية الروسية الأخرى، وتم إرسال الأموال إلى حسابات أخرى عبر البنك الزراعي التركي، الذي تحايل على بعض العقوبات الأمريكية القديمة، لكن جو بايدن رفض الضغط على تركيا بشأن هذه القضية، وفي نهاية المطاف، كل ما فعله هو إصدار أمر لوزارة العدل بالاستيلاء بسرعة على ملياري دولار من الأموال الروسية، و"تم الاستيلاء على هذه الأموال من قبل الولايات المتحدة قبل أن تصل إلى مقاولي محطة أكويو للطاقة النووية في روسيا".
وأضافت السيدة خاندي فرات إن الحكومة الأمريكية تعتبر تركيا "حليفًا استراتيجيًا ولكن لا يمكن التنبؤ بتصرفاته"، ومن غير المرجح أن يتغير هذا الموقف في عهد دونالد ترامب، لكن شخصيات مؤثرة في الكونجرس الأمريكي تريد أن تكون حذرة وحازمة، وتقدم لترامب عملية من شأنها أن تعارض بشكل فعال التقدم النووي التركي وتمنع التعاون مع روسيا.
في هذه الأثناء، قد يشعر إبراهيم كالين، بصفته الرئيس الحالي لجهاز الاستخبارات التركي، بالغضب من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بسبب إدارتها المزعومة لعملية التحويل المالي بين روسيا وتركيا، وقد لا تكون واشنطن راغبة في التفاعل والتعاون مع كالين.