الوقت- تتفاقم الأوضاع المعيشية في قطاع غزة يومًا بعد يوم نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 17 عامًا، والذي تصاعدت حدته بعد أحداث السابع من أكتوبر، وأصبحت أزمة الغذاء والدواء في القطاع أحد أبرز مظاهر الكارثة الإنسانية التي يعاني منها نحو 2.3 مليون نسمة، يعيشون في مساحة صغيرة مكتظة بالسكان، حيث أصبح الحصول على الاحتياجات الأساسية تحديًا يوميًا يواجه الغزيين.
ارتفاع الأسعار وشح الموارد
أدى إغلاق المعابر التجارية وفرض قيود مشددة على دخول البضائع إلى القطاع إلى نقص حاد في المواد الغذائية الأساسية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، وتشير تقارير محلية إلى أن أسعار السلع الأساسية مثل البندورة والبصل والبطاطس تضاعفت بشكل يفوق قدرة المواطن العادي.
تُعد الخضروات من المكونات الأساسية في أي وجبة منزلية، ولكنها باتت في غزة سلعة نادرة، فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر الكيلوغرام الواحد من البندورة والبصل إلى أكثر من 50 شيكلًا (13.33 دولاراً)، ما دفع الكثير من العائلات إلى الاستغناء عنها تمامًا أو شراء كميات رمزية تكفي بالكاد لإعداد وجبة بسيطة.
أم عمر سالم، نازحة من شمال غزة إلى خان يونس، تضطر إلى الاستغناء عن استخدام الخضروات الأساسية في الطهي بسبب أسعارها الباهظة، تقول: "لم نعد نشتري البندورة أو البصل، أصبحنا نكتفي بسلق العدس أو الخيار لإطعام أطفالنا، نحن نعيش مأساة حقيقية، ولكننا نحمد الله على كل حال."
اللحوم والفواكه خارج متناول الجميع
لم تعد اللحوم بأنواعها متوافرة للمواطنين العاديين، حيث تجاوزت أسعارها حدود المعقول، وأصبحت نادرة بسبب الحصار المفروض على إدخالها إلى القطاع، حتى الفواكه، التي كانت تُعتبر أحد الخيارات البديلة للغذاء، ارتفعت أسعارها بشكل كبير، ما جعلها رفاهية لا يستطيع معظم السكان تحملها.
أحد المواطنين في غزة يروي أنه لم يعد بإمكانه شراء الفواكه لأطفاله، ويكتفي بإطعامهم العدس والخبز، يقول: "لم تعد الحياة في غزة حياة، نحن نعيش فقط لنقاوم الجوع، ولكن إلى متى يمكننا الصبر؟".
ساهم الحصار المستمر في تقليل الإنتاج الزراعي المحلي بشكل كبير، نتيجة منع إدخال الأسمدة والبذور والمواد الزراعية، يقول هيثم محمد، صاحب محل لبيع الخضروات في خان يونس: "ما يتم إنتاجه محليًا لا يغطي سوى جزء بسيط من الاحتياجات، المواطنون يأتون إلى السوق ويتطلعون بحسرة إلى الخضروات، ولكنهم ينصرفون دون شراء أي منها لأن الأسعار تفوق إمكانياتهم".
أزمة الدواء: خطر يهدد الأرواح
إلى جانب أزمة الغذاء، تعاني غزة من أزمة دواء خانقة تهدد حياة المرضى في القطاع، فالمستشفيات تعاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، نتيجة منع الاحتلال إدخال الشحنات الطبية الضرورية.
يُعتبر مرضى الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان من أكثر الفئات تضررًا، حيث يعاني هؤلاء المرضى من نقص الأدوية الأساسية التي تُعتبر ضرورية لبقائهم على قيد الحياة، على سبيل المثال، يشير أحد التقارير إلى أن مخزون الأدوية الأساسية في مستودعات وزارة الصحة في غزة يكفي لأقل من شهر واحد، ما يضع حياة الآلاف في خطر وشيك.
تروي أم أحمد، وهي أم لطفل مصاب بالسرطان: "كل مرة أذهب إلى المستشفى، يقولون لي إن الدواء غير متوافر، أضطر للانتظار أو شراء الدواء من الخارج بأسعار مرتفعة جدًا، وهو ما يفوق قدرتي المالية".
تعاني المرافق الصحية من نقص حاد في المعدات الطبية والمستلزمات الأساسية، أجهزة العناية المركزة وغرف العمليات أصبحت غير قادرة على استيعاب المرضى بسبب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات.
الدكتور محمد السوافيري، مدير أحد المستشفيات في غزة، يقول: "نحن في وضع كارثي، نعتمد على مساعدات طارئة، ولكنها بالكاد تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية، إذا استمر الوضع على هذا النحو، فإننا سنشهد انهيارًا كاملاً للنظام الصحي".
منذ مايو الماضي، شدّد الاحتلال الإسرائيلي الحصار على غزة، ما أدى إلى إغلاق معبر رفح، الشريان الوحيد للقطاع، وإبقاء معبر كرم أبو سالم تحت سيطرة مشددة، نتيجة لذلك، أصبحت كميات البضائع التي تدخل إلى غزة محدودة للغاية وبأسعار مرتفعة جدًا.
وفقًا لتقرير البنك الدولي، تجاوزت نسبة التضخم في غزة 250%، بينما بلغت نسبة الفقر 100%، هذه الأرقام تعكس مدى تدهور الأوضاع الاقتصادية، حيث أصبحت معظم الأسر عاجزة عن تأمين قوت يومها أو شراء الأدوية.
الأزمة الغذائية والدوائية لم تقتصر آثارها على الجانب المادي فقط، بل امتدت لتشمل الأبعاد النفسية والاجتماعية، ارتفاع معدلات البطالة والفقر أدى إلى انتشار مشاعر الإحباط واليأس بين السكان، وزادت حالات التوتر والقلق بسبب عدم القدرة على تلبية احتياجات الأسرة.
في ظل هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة، يوجه سكان غزة نداءات متكررة للمجتمع الدولي للتدخل والضغط على الاحتلال من أجل رفع الحصار والسماح بإدخال كميات كافية من الغذاء والدواء.
عبد الرحمن الصابر، أحد سكان غزة، يقول: "نحن لا نطلب سوى حقنا في الحياة، يجب على العالم أن يتحرك لإنقاذنا، الوضع في غزة لا يمكن احتماله".
أزمة الغذاء والدواء في قطاع غزة هي نتاج مباشر للحصار الإسرائيلي والقيود المشددة على دخول البضائع، وفي ظل غياب تدخل دولي حقيقي، يستمر سكان القطاع في معاناتهم اليومية، وسط صمود مذهل وإرادة قوية للتغلب على هذه الظروف القاسية، ومع ذلك، فإن الحل الجذري لهذه الأزمة يتطلب تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي لإنهاء الحصار وضمان حصول سكان غزة على حقوقهم الأساسية في الغذاء والدواء والحياة الكريمة.