الوقت- مع استمرار القصف والصواريخ والهدم أضحت رائحة الموت هي الغالبة في غزة والتي دفنت معها أحلام الأطفال تحت الركام، فعلى مدى أشهر أثبتت مشاهد قتل الأطفال وترويعهم واستهدافهم عنجهية المحتل وسلوكه الإجرامي وإمعانه في سياسة القتل بدم بارد، ومع ارتفاع حصيلة المآسي الإنسانية في غزة تظهر الأرقام والبيانات الإحصائية معلومات مخيفة وخاصة فيما يتعلق بأعداد الشهداء من الأطفال، فضلا عن مخاطر المجاعة التي تتربص بسكان القطاع والتي حتى الآن ظهر أن العالم عاجز عن التعامل معها. في هذا الشأن وحسب المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة أونروا فإن عدد ضحايا غزة من الأطفال نتيجة العدوان الغاشم فاق عدد الأطفال من ضحايا الحروب في العالم بأكمله خلال 4 سنوات في إشارة إلى فداحة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة.
وأضاف لازاريني "هذه حرب على الأطفال، حرب تُشن على مستقبل الأطفال"، وشارك لازاريني رسماً بيانياً تم إعداده بناءً على بيانات الأمم المتحدة ووزارة الصحة الفلسطينية في غزة، يظهر عدد الأطفال الذين قُتلوا في غزة في الفترة من الـ 7 من أكتوبر إلى 29 فبراير، وعدد الأطفال الذين قُتلوا في الحروب في السنوات الأربع الماضية، وأظهر الرسم البياني أن عدد الأطفال الذين قتلوا في الحروب خلال السنوات الأربع الماضية بالعالم بلغ 12 ألفًا و193، بينما بلغ عدد الأطفال الذين قُتلوا في غزة أكثر من 12 ألفًا و300 طفل، ودعا لازاريني إلى وقف فوري لإطلاق النار من أجل أطفال غزة.
حرب على الطفولة
أمام أعين العالم حول كيان الاحتلال الصهيوني غزة إلى مقبرة للطفولة قتل فيها عشرات الآلاف من الأطفال أو أصيبوا بجروح خطيرة، ما اقترفته حروب العالم عبر 4 سنوات استطاعت آلة القتل الصهيونية إنجازه في 5 أشهر لعلها تدخل موسوعة غينس في الإرهاب والنازية العالمية.
وفي كل لحظة تمر يقوم جيش الاحتلال بمحو أجيال في غزة، ويقتل جنوده الأطفال بأعداد تنافس أبشع الحروب، وهذا ما لا يمكن نسيانه، إذ كيف لشعب أن ينسى من قتل أبناءه بهذه الطريقة؟ وكيف لأصحاب الضمائر الحية في جميع أنحاء العالم أن يظلوا صامتين إزاء هذا القتل الجماعي للأطفال؟
وفي هذا الشأن يقول فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) على موقع التواصل الاجتماعي إكس: إن "هذه الحرب حرب على الأطفال، حرب على طفولتهم ومستقبلهم"، واستشهد بإحصائية تفيد بأن عدد الأطفال الذين قتلوا في غزة منذ الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلى من عدد الأطفال الذين قتلوا خلال 4 سنوات في جميع الصراعات حول العالم.
معاناة جسدية وعقلية
يُعدّ الأطفال ضمن أبرز الضحايا، الذين أزهقت أرواحهم، وتمزقت أسرهم، وهدمت منازلهم، وصار بعضهم يتامى لأسر استشهدت بالكامل أو نازحين مع ذويهم بحثا عن أمان افتقد في يوميات الحرب.
فبالإضافة إلى الشهداء، هناك الجرحى بإصاباتهم المختلفة والخطيرة، وفي هذا السياق تحدثت غيميت توماس المنسقة الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في فلسطين عن المعاناة المطلقة للأطفال الذين يصلون بكثافة إلى مستشفيات تفتقر لكل شيء، حيث لا يمكن علاجهم في ظروف مناسبة بسبب نقص الأدوية ومنتجات التخدير، فالأطفال الفلسطينيون يعانون من الضغط المستمر الناتج عن العنف والجوع والعطش والبرد، فضلا عن الضيق النفسي المرتبط بفقدان والديهم وأسرهم وأصدقائهم وأجزاء من أجسادهم، ناهيك عن منازلهم وألعابهم وعالمهم.
وفي هذا السياق روى رئيس بعثة أطباء بلا حدود في فلسطين، ليو كانز، قصة الطفلة مريم (6 سنوات) التي بُترت ساقها اليمنى، ووجهها نصف محترق، وقد فقدت شقيقها وأختها وأمها، ووالدها مفقود، فلم يبق لديها سوى خالتها، كما روى قصة ملاك (5 سنوات) التي استشهدت بقصف على صالة استأجرتها منظمته للعاملين فيها وأعطت إحداثياتها لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتجسد مريم وملاك جيلا من الأيتام يرون حاضرهم ومستقبلهم مدمرا، حيث فقد أكثر من 17 ألف طفل أحد الوالدين أو كليهما حسب منظمة أطباء بلا حدود.
وتشير تقارير طبية إلى أن الأطفال المحرومين من براءة الطفولة سيكبرون –إن تركتهم آلة القتل الصهيونية أحياء- مع أثار جسدية وعقلية مدى الحياة، فالأطفال يعيشون في خوف من الموت الوشيك، ناهيك عن الأطفال الذين تعرضوا لبتر أطرافهم دون تخدير متحملين آلاما جسدية وعاطفية يصعب تصورها، فبالإضافة إلى أنهم فقدوا منازلهم وعائلاتهم، فإنهم يفقدون أجزاء من أجسادهم وبالتالي يجب عليهم التعايش مع الإعاقات الجسدية.
ليسوا أرقاماً
في محاولة من قناة الجزيرة الإخبارية لإيقاظ الضمائر النائمة في العالم قامت بنشر أسماء أكثر من 31 ألف شهيد سقطوا ضحايا العدوان الغاشم على غزة، العالم الذي اعتاد مشاهد القتل والإجرام الصهيوني بحق أهالي فلسطين وأصبح يتابع فصولها يوميا على الهواء مباشرة صوتًا وصورة، دون أن يتحرّك أحد بجدّية لإيقافها.
وبدأت مذيعة الجزيرة، النشرة بالقول "هذه كانت العناوين.. ولكن يوميات القتل قصفا وجوعا على امتداد 156 يوما هي ما وراء هذه العناوين".
وأضافت "عشرات آلاف الشهداء.. هنا حولنا ترون أسماءهم لأنهم ليسوا أرقاما"، وأشارت إلى أنه "لم تسلم عائلة في القطاع من فقدان عزيز؛ فقوائم الأسماء تشمل كل العائلات بل إن عائلات بأسرها في غزة اختفت من السجل المدني.. قتلوا بالقصف والغارات وتدمير المربعات السكنية أو الحرب على المستشفيات وصولا إلى مجاعة تفتك بمئات الآلاف"، وأكملت "هنا نستعرض أسماء 31 ألفا و45 إنسانا، كل له اسم وعائلة وحكاية تروى".
ختام القول
أظهر استشهاد ما يزيد على 31 ألف شخص- أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، وإصابة الآلاف، وهدم ما يقرب من نصف المنازل والبيوت في قطاع غزة على رؤوس أصحابها- دون أن يحرّك العالم ساكنًا سواء لدى العرب أو الغرب، سوءات الجميع شرقًا وغربًا، ولم ينجُ من ذلك سوى ضحاياها الذين سقطوا ودفعوا أرواحهم ثمنًا للحرية ضد محتل متطرف ومجنون، فشل العرب جميعًا في توفير الحماية لشعب غزّة الأعزل، ولم يجرؤُوا على اتخاذ موقف قوي يمكنه ردع كيان الاحتلال الصهيوني ووقف جرائمه، وظلت مطالبهم بوقف إطلاق النار مجرد كلمات تتكسّر على صخرة التواطؤ و"الفيتو" الأمريكيّ.
هؤلاء الشهداء سيبقون شهداء بالفعل على أكبر عملية تواطؤ ضد شعب أعزل، وستظل صور أطفال غزة- الذين قتلتهم ألة الفتك الصهيونية بوحشية- كابوسًا يطارد كلَّ مَن كان بإمكانه وقف هذه المقتلة، أو على الأقلّ رفضها وانتقادها، ولم يفعل!