الوقت- مضى ما يقارب أربعة أشهر على الحرب في غزة، خلافاً للوعود الأولية لنتنياهو ورفاقه فيما يتعلق بضمان صحة الأسرى الصهاينة لدى حماس والإفراج السريع عنهم، لكن نتيجة أربعة أشهر من الحرب، كانت الحرب العسكرية غير مثمرة، وتسببت في مقتل عدد كبير من الأشخاص، ومن بينهم جنود وضباط الاحتلال وجرح عدد كبير آخر من الصهاينة، وكلما بحثوا أكثر، قل عدد من عثروا عليه، وبالأساس لم يتمكنوا من العثور على شخص واحد على قيد الحياة خلال عملية البحث في تلك الحرب.
وقد أثرت هذه المأساة أكثر من أي شيء آخر على نتنياهو، الذي يواجه احتجاجات الشوارع كل يوم من قبل عائلات الأسرى الصهاينة، الذين يعتبرونه والجيش تحت سلطته قد خسروا الحرب ضد حماس، والذين يضغطون من أجل أن يبقي نفس العدد من الأسرى دون أن يقتلوا خلال القصف وفي الهجمات.. ولكن المسؤولين الصهاينة لم يضيعوا وقتهم في توقيع اتفاق السلام مع المقاومة؛ وهذا يعني أن على نتنياهو، بكل خبرته وتجربته السياسية، أن يرفع راية الاستسلام في وجه يحيى السنوار باعتباره العقل المدبر لاقتحام الأقصى.
والحقيقة أنه في عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر، انهارت تماماً هذه الفكرة الدائمة في عقل نتنياهو الذي اعتبر نفسه "حامي ومنقذ إسرائيل"، وانهارت دفعة واحدة أسطورة بطولته في تاريخ "إسرائيل" الحديث.
ويبدو أن هذا الحدث يشكل أكبر هزيمة لنتنياهو، حتى أكثر من انهيار الحكومة وإعادة فتح قضية المحكمة القضائية، التي تعرض لها نتنياهو خلال حياته السياسية الطويلة والمتقلبة؛ أي التعرض للضرب والسحق على الأرض من قبل خصم لم يأخذه على محمل الجد، ولكنه الآن خاضع لقدراته الإستراتيجية.
بل إن ردود فعل هذا الفشل وصلت إلى المشهد السياسي والإعلامي في الأراضي المحتلة، بما في ذلك هذا التصحيح الشائع هذه الأيام والذي يقول: "إسرائيل تنتظر حماس" و"نتنياهو ينتظر السنوار".
وهذا المصطلح إشارة إلى التغير الذي طرأ على حالة الكيان الصهيوني منذ الحرب مع الجيوش العربية المشتركة عام 1967 مقارنة باليوم، وفي ذلك العام، قال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، بعد إغلاق مضيق تيران، إنه "ينتظر رابين قائد الجيش الإسرائيلي".
في المقابل، كتب الفنان اليهودي حاييم هايفر، في محاولة لرفع معنويات الإسرائيليين قبل حرب 1967، أغنية عكس فيها ناصر وكتب "روبين ينتظر ناصر"، لذلك، تكتب وسائل الإعلام الإسرائيلية مرة أخرى بسخرية عن هزيمة الجيش في غزة، بأن نتنياهو ينتظر رد يحيى السنوار على الاتفاق الذي يقترحه الوسطاء.
وفي هذا الصدد، على سبيل المثال، قال الجنرال يسرائيل زئيف للقناة 12 العبرية: "حقيقة أننا ننتظر السنوار وليس العكس، يعني أنه لم يكن هناك أي ضغط عسكري عليه أو أن تقارير الجيش عن النجاحات مبالغ فيها."
سماع مثل هذه التهكمات جعل نتنياهو متعطشاً للدماء أكثر من تعطشه لإنقاذ حياة الأسرى، وحشد كل أجهزة المخابرات والجيش وجميع أجهزة التجسس التابعة للحلفاء الغربيين لإحضار رأس "السنوار".
لكن يحيى السنوار (أبو إبراهيم) لم يظهر نفسه كرجل في مجال إدارة الحرب فحسب، بل استطاع بتكتيكات واستراتيجيات حربية معقدة أن يحول غزة إلى مستنقع وميدان قتل لقوات الاحتلال، وأن يكون دعما كبيرا للمقاومين في تحقيق النصر في هذه الساحة، ومن ناحية أخرى، فهو نفسه قد ترعرع في قلب أجهزة المخابرات والأمن في قيادة حماس، وهو يعرف جيداً كيف لا يقع في الفخ ويجعل الصهاينة يائسين ومحبطين من العثور على آثار لوجوده.
وفي مثل هذا الوضع، لجأ الصهاينة في الأيام الأخيرة إلى لعبة الحرب النفسية الصبيانية، على أمل العثور على أثر للسنوار، من أجل إخراجه من مخبئه أو الحصول على معلومات بهذا الشأن.
ومؤخراً، قال يوآف غالانت، وزير الحرب في الكيان الصهيوني، تماشياً مع هذه الحرب النفسية، "السنوار لا يقود الحرب، ولا يملك أي سيطرة على قواته، وكل ما يهمه هو إنقاذ حياته".
وفي الشهر الماضي، نشر الجيش الإسرائيلي منشورات لإحداث فجوة في صفوف مقاتلي وقيادة حماس، فيما عرض مكافأة لمن يدلي بمعلومات حول مكان وجود السنوار، أو شقيقه محمد السنوار، القائد العام لحركة حماس ومحمد الضيف وغيرهما من قادة المقاومة، وكتبوا: "لا تموتوا من أجل السنوار"، وجاء في المنشورات التي تسخر من قادة حماس ما يلي: "يا أهل غزة، لقد فقدت حماس قوتها، ولا يستطيعون حتى قلي بيضة، نهاية حماس قريبة".
ولم يمر هذا الهتاف دون رد، وعلى الفور صرح أحد القادة البارزين في الحركة في بيان له أنهم منشغلون بـ"شوي الميركافا"، في إشارة إلى التدمير اليومي لما تسمى الدبابات المتقدمة للجيش الصهيوني، والتي نشرت قوى المقاومة فيديوهات تدميرها في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
وفي الحادثة الأخيرة، عندما تحدى وزير الحرب في الكيان قيادة السنوار، لم تخل المقاومة من رد، وقال حسام بدران، أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، ساخرًا: إذا كان هذا ماذا يقول جالانت، إذن لماذا فشلوا في عملية عاصفة الأقصى في 7 أكتوبر وبعدها؟!".
وتابع بدران: "القائد السنوار رمز وطني وقائد كامل وشخصية بارزة في المعركة، لكن هذه المعركة ليست معركة شخصية، بل معركة بين الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال منذ عقود وكيان مجرم احتل أرضنا وسماءنا، واستحوذ على مصائرنا".
الحرب النفسية التي يشنها الصهاينة ضد السنوار تظهر أكثر من أي شيء آخر مدى تأثير يحيى السنوار في عملية حرب غزة والكابوس الذي تسبب فيه في نوم أعين قادة تل أبيب.
الغرض من الحرب النفسية هو التأثير على الأفكار والمعتقدات والمشاعر والاتجاهات والسلوك بين المدنيين والمقاومة، بين مقاتلي المقاومة وقيادتها، وبين المقاومة وحلفائها.
وقد حاولت "إسرائيل" استخدام الحرب النفسية لإثارة انقسام سياسي وأخلاقي بين المدنيين والمقاومة، إلى حد أنها تقول، على سبيل المثال، إن قادة حماس يستخدمون الناس "كدروع بشرية".
في حين أن قادة المقاومة، وخاصة يحيى السنوار، يتواجدون في قلب الأزمة وفي سياق المعركة إلى جانب مقاتلين آخرين من المقاومة، وهم يديرون المشهد ويسيطرون عليه عن كثب في كل لحظة، ما يؤدي إلى إنهاك الجيش، والاحتفاظ بالأسرى، وإيقاف الآلة العسكرية، لقد كان الصهاينة موجودين في غزة، نتنياهو وغيره من كبار القادة العسكريين والسياسيين الصهاينة هم الذين يُنتقدون من قبل عائلات الأسرى، والذين يجلسون في بيوتهم وملاجئهم الآمنة والذين يقتلون المستوطنين بإرسالهم الى مقاتلين اسود تدربوا على يد أحد قادة المقاومة الشجعان، والذي اسمه السنوار.