الوقت- بدأ التخبط الأمريكي- الإسرائيلي في الحرب على غزة يظهر للعلن من خلال خرق قوانين العدل الدولية و محاولة الضغط على حماس و الشعب الفلسطيني من خلال منظمة الأونروا و الذي جاء من خلال دعوة الولايات المتحدة الأمريكية للدول الغربية لتعليق مساعداتها للمنظمة التي تعمل على تأمين نحو 150 ملجأ لإيواء ما يزيد على مليون و 200 ألف نازح في غزة وحدها، في ظل مزاعم مشاركة 12 من موظفيها في عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي.
الموقف الأمريكي أثار حفيظة كينيث روث المدير السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش، والذي كتب على حسابه في تويتر يقول "أتمنى لو كانت حكومة الولايات المتحدة سريعة في تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل بناء على قرار محكمة العدل الدولية بوجود إبادة جماعية معقولة (ناهيك عن الأدلة الوفيرة على جرائم الحرب) مثلما فعلت مع تعليق المساعدات للأونروا بسبب تواطؤ مزعوم لـ12 موظفا في هجوم حماس".
ولطالما كانت الرغبة الإسرائيلية في التخلص من الوكالة ودورها قائمة بشكل دائم، فقد دعا نتنياهو في العام 2018 إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين تحت مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة وإنهاء وجود الأونروا؛ إذ اعتبرها تعمل لمصلحة الفلسطينيين وتخلد قضية اللاجئين.
ماهي الأونروا؟
أنشئت الوكالة في العام 1949 لتقديم المساعدات الإنسانية في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية التي أسفرت عن تشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين في الشرق الأوسط، وكان الهدف منها في البداية أن تكون وكالة مؤقتة، ولكنها واصلت تقديم الدعم للاجئين الفلسطينيين على مدار ستة عقود.
وبدأت الأونروا عملها بالفعل عام 1950 بتفويض عمل يصل إلى 3 سنوات قابلة للتجديد، على أن تشمل ولايتها تقديم برامج مساعدات وتوظيف لنحو 700 ألف لاجئ فلسطيني في 5 أماكن تشمل قطاع غزة، والضفة الغربية، والأردن، وسوريا، ولبنان، ولخص الأمريكي جون ديفيس مدير الأونروا في عام 1959 رؤيته لدور الوكالة بأنه بمثابة "تكلفة منخفضة الثمن يدفعها المجتمع الدولي مقابل عدم حل المشاكل السياسية للاجئين الفلسطينيين"، وقد دفع ديفيس باتجاه توسيع صلاحيات الأونروا لتشمل توفير التعليم وتقديم المنح الدراسية للجامعات، وهو ما تحقق بمرور الوقت لتشمل مهام الأونروا تقديم خدمات في مجال الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية والمساعدات الطارئة مثل الخيام والبطانيات والمياه والغذاء في ظروف الشتاء الصعبة، وأوقات جولات القتال. ومع توسع نطاق خدمات الأونروا انخفضت نسبة المساعدات من إجمالي ميزانيتها من 61% في عام 1960 لتصل إلى 6% فقط حاليا، وأصبحت الوكالة تمثل شريان حياة لنحو 5.5 ملايين لاجئ فلسطيني عبر تقديم خدمات اجتماعية واقتصادية مقابل التغاضي عن حقوقهم السياسية.
ولم تشارك الوكالة أبدًا في مفاوضات السلام، وركزت بدلًا من ذلك اهتمامها على الجهود الإنسانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط في المناطق التي يتركز فيها أكبر عدد من الفلسطينيين المشردين، وقد اعترضت حكومة الاحتلال الصهيوني بشكل منتظم على المنظمة، إذ إنها ترفض الطلب الفلسطيني بحق العودة للاجئين المشردين بسبب الصراع العربي الإسرائيلي.
ولكن على الرغم من تحفظات كيان الاحتلال الاسرائيلي، فإن المنظمة معترف بها دوليًا لجهودها الإنسانية، وتلعب دورًا رئيسيًا في المنطقة.
دعم غربي لنازية كيان الاحتلال
بينما تقدم العديد من الدول الغربية دعما سياسيا وعسكريا لكيان الاحتلال الاسرائيلي رغم المجازر المروعة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 26 ألف شهيد فلسطيني، تتذرع ذات الدول بمشاركة 12 موظفا فقط من الأونروا في طوفان الأقصى لقطع التمويل.
حيث سارعت كل من الولايات المتحدة وإيطاليا وكندا وأستراليا وبريطانيا وفنلندا إلى تعليق تمويلها للوكالة، إثر المزاعم الصهيونية، وقد وجد الموقف الغربي ترحيبا من قبل أعضاء الحكومة والمعارضة في كيان الاحتلال الإسرائيلي رغم الخلافات بينهما بشأن الحرب على غزة، فقد عبر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن ارتياحه من القرار الأمريكي واعتبره خطوة مهمة نحو محاسبة الأونروا، وتجاهلت هذه الدول مقتل أكثر من 150 من موظفي الوكالة على يد الجيش الإسرائيلي خلال العدوان على غزة، وهو أكبر عدد من القتلى يُسجل في صفوف موظفي الأمم المتحدة في حرب واحدة منذ تأسيسها، وما يلفت الانتباه؛ سرعة رد فعل الدول المانحة بالتزامن مع صدور أمر محكمة العدل الدولية “بقبول” وقوع إبادة جماعية في غزة، ودعوتها لضمان تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين العالقين في قطاع غزة.
لماذا تريد حكومة الاحتلال التخلص من الأونروا؟
يرى كيان الاحتلال الاسرائيلي أن الأونروا تساهم في إدامة قضية اللاجئين، بل تضخيمها مع زيادة عدد اللاجئين المسجلين بها من 700 ألف شخص في عام 1948 إلى 5.5 ملايين شخص حاليا نظرا لمنح أبناء وأحفاد اللاجئين في عام 1948 صفة اللاجئ.
وتعتبر تل أبيب أن عودة اللاجئين تمثل تهديدا ديموغرافيا للأغلبية اليهودية في "إسرائيل"، وبالتالي فهي قضية غير قابلة للحل في أي مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين، ولذا تدفع باتجاه دمج اللاجئين في أماكن إقامتهم؛ وبالأخص في دول الجوار، ولتحقيق ذلك، قدمت دراسة مطولة عام 2020 نشرها معهد الأمن القومي في كيان الاحتلال الإسرائيلي؛ 4 بدائل في مقدمتها تفكيك الأونروا ونقل ميزانيتها إلى حكومات الدول المضيفة للاجئين، واقترحت الدراسة التي صدرت بعنوان "70 عاما للأونروا: حان الوقت للإصلاحات الهيكلية والوظيفية" نقل صلاحيات الوكالة وميزانيتها وجميع ما يخصها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويتركز عمل المفوضية على نقل اللاجئين إلى دولة ثالثة بما يتيح لهم الحصول على حق الإقامة الدائمة والتجنس، وهو ما سيقود إلى سحب صفة اللاجئ من اللاجئين الفلسطينيين في حال تجنسهم بجنسية دول أخرى.
ويأتي التضييق على الأونروا في سياق جهود تفكيك قضية اللاجئين تمهيدا للدفع باتجاه مفاوضات غير متوازنة تضغط على الفلسطينيين عبر وضعهم بين خيار القتل والتهجير أو القبول بدولة مشوهة مجردة من السلاح والسيادة، وتتنازل عن حق العودة لتفقد أحد أبرز مقومات القوة الديمغرافية.
وفي حربها الأخيرة على غزة أثارت الوكالة غضب كيان الاحتلال الاسرائيلي بشكل كبير وتدهورت العلاقة بين الجانبين، إذ قالت الوكالة في أكثر من مرة إن قوات كيان الاحتلال تستهدف أهدافا مدنية، بما في ذلك مدارسها ومراكز الإسعاف، وكانت محكمة العدل الدولية، قد أخذت في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد كيان الاحتلال الاسرائيلي بتهمة ارتكاب جرائم حرب، تقارير وكالة الأونروا حول معاناة الفلسطينيين؛ حيث أشارت المحكمة لتقرير الأونروا الذي قالت فيه إن "القصف مستمر على غزة وتسبب بنزوح كبير للسكان وأجبروا على مغادرة منازلهم إلى أماكن ليست أكثر أمنا وتضرر أكثر من مليوني شخص نفسيا وبدنيا والأطفال مرعوبون"، وكانت تقارير الوكالة تملك مصداقية كبرى عن الحديث عن المجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين في غزة، وهو ما أثار حفيظة كيان الاحتلال وجعله أكثر رغبة في التخلص من الوكالة ودورها.
مبررات الكيان الصهيوني
ولتحقيق الهدف الاستراتيجي الأهم من عملية تشويه الأونروا و التخلص من شبح عودة اللاجئين يطرح الكيان الصهيوني عدداً من المبررات من ضمنها:
قيام الأونروا بتدريس المناهج المحلية في مدارسها التي تمثل 58% من ميزانيتها الإجمالية، إذ تؤكد تلك المناهج التعليمية على حق العودة وتندد بالمشروع الصهيوني في فلسطين، و يزعم الكيان الصهيوني أن ذلك يناقض نشر مفاهيم السلام.
بالإضافة لذلك يتذرع الكيان بذريعة تقديم الأونروا لخدمات اجتماعية واقتصادية لمصلحة نحو 1.2 مليون لاجئ مسجل في غزة، ما يتيح لحركة حماس توجيه مواردها المالية للأنشطة العسكرية بدلا من توجيهها للخدمات الاجتماعية والاقتصادية.
الخوف من الحفاظ على الهوية الفلسطينية التي يحاول الكيان الصهيوني العمل جاهدا على نسفها وطمسها حيث إن وجود 1% فقط من الأجانب بين موظفي الأونروا، وهو ما يساهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية بواسطة الموظفين الفلسطينيين، ويحد من قدرة الأجانب على التواصل بشكل مباشر مع المجتمعات الفلسطينية، أخيرا، وهو المبرر الأكثر استخداما، عضوية بعض موظفي الأونروا في جماعات المقاومة الفلسطينية أو استخدام منشآتها في عمليات المقاومة، وهو مبرر يظهر مع كل موجة تصعيد للهروب من المسؤولية مما تقترفه آلة العدوان الغاشم بحق أصحاب الأرض.
ورقة ضاغطة
لطالما استخدمت الولايات المتحدة و الدول الغربية الأونروا كورقة للضغط على فلسطين وشعبها لتمرير مخططات صهيونية حيث استخدمت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورقة تمويل الأونروا للضغط على الفلسطينيين في سياق طرحها لصفقة القرن والرفض الفلسطيني لها، فأعلنت واشنطن في عام 2018 وقف تمويل الأونروا بحجة الحاجة لبديل أكثر فعالية في مساعدة اللاجئين.
واليوم بعد فشل تركيع غزة بالقنابل والصواريخ والحصار لسنوات، جاء الدور لمحاولة تركيعها من خلال حجب المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأونروا، على الرغم من أن الوكالة الأممية قلصت خدماتها منذ فترة، و الهجوم عليها خطير وتحديدا المحاولة الدائمة لتغيير الوظائف السياسية والإنسانية التي وجدت من أجلها.
ختام القول
إن خطوة وقف التمويل لنحو 60% من تمويل الأونروا بجوار حصار غزة واستمرار المجازر اليومية تمثل إعداما فعليا للاجئين الفلسطينيين بالأخص في غزة والضفة الغربية، وهو ما يتطلب من الدول الرافضة للاحتلال المبادرة للضغط لاستكمال مهام الأونروا ووقف الحرب ورفع الحصار كي يحقق الفلسطينيون الحد الأدنى من متطلبات الحياة، فالحد من قدرة الأونروا على القيام بخدماتها تجنٍ لا ينبغي أن يحدث، حيث إن تعليق تمويل الأونروا عقاب جماعي للفلسطينيين، على الرغم من أن مخطط تصفية خدمات وكالة "الأونروا" ليس جديدا لكنه دخل اليوم مرحلة حرجة.