الوقت- بدأت تداعيات الحرب التي شنها الصهاينة على الفلسطينيين في قطاع غزة بالانكشاف، ولا سيما على الصعيد الداخلي في الكيان، وكذلك على مستوى القيادات، فوسائل الإعلام التابعة للكيان تؤكد أن السلطات الإسرائيلية لم تقترب من تحقيق أي من الهدفين اللذين حددتهما على الرغم من مرور 100 يوم فلا هي قضت على حماس ولا حررت الرهائن.
وذكرت "يديعوت أحرونوت" التابعة للكيان أن تقديرات الجيش الإسرائيلي تشير إلى أن غالبية مقاتلي وقادة حماس بغزة على قيد الحياة بعد 100 يوم من الحرب، وما كانت هذه التداولات الإعلامية إلا نتيجة تزايد الضغوط الداخلية والخارجية، إذ بات ذلك ينعكس في إعلام الكيان الذي شهد اختلافات في الخطاب مع البيانات الرسمية.
نتنياهو وأهداف الحرب
بدا بديهيا أن المستقبل السياسي لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يعتمد على نتيجة الحرب، لذا لم يكترث بالدعوات المتزايدة لوضع حد للقتال، ومضى في حربه الإجرامية رغم ما جلبته من آثار كارثية وتهديدات للكيان، وصلت حد التهديد الوجودي، إذ إنه قال في مؤتمر صحفي بالتزامن مع مرور مئة يوم على الحرب: "سنواصل الحرب حتى النهاية.. لحين النصر التام".
وبدأت تتسرب أنباء عن مشاحنات داخل مجلس الحرب، وكشفت تقارير أن ال100 يوم من الحرب شهدت تفجر خلافات حادة، بل صراعات داخل حكومة الطوارئ ومجلس الحرب، إذ تتركز الخلافات الحادة وضبابية الرؤية حول مسألة الأسرى وملف ما بعد الحرب، وهو العنوان الذي فجّر وحده أكثر من جلسة لمجلس الحرب وحال دون انعقادها، إضافة إلى مواقف باتت تتكرر على نحو لافت ويصاحبها اتهامات لنتنياهو بأنها من تدبيره مصحوبة بالسؤال: لماذا يسمح بالنيل من قادة جيشه في زمن الحرب؟، فالداخل الإسرائيلي أصبح أكثر ميلا إلى أن نتنياهو يمدد الحرب لأسباب شخصية.
فقد أشارت صحيفة "هآرتس" إلى إصرار الحكومة الإسرائيلية على خيار الاستمرار في القتال من أجل التوصل إلى اتفاق لا يبدو أنه ينجح في الواقع، وتتطابق هذه الرؤية مع رأي الولايات المتحدة فقد كتبت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن نتنياهو استخدم نبرة التحدي في خطابه بعد 100 يوم من الحرب في غزة رغم تزايد الشكوك بشأن النتائج المحققة، وتزايد القلق الدولي من عدد الوفيات في غزة، وتزايد المخاوف من تحول الحرب إلى صراع إقليمي.
يترافق ذلك مع الإحباط المتزايد داخل البيت الأبيض تجاه نتنياهو بسبب رفضه معظم الطلبات التي تقدمت بها الإدارة الأمريكية بشأن الحرب في غزة، والتي تعتبر أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، إذ يتركز القلق الأمريكي على إمكانية عدم التزام "إسرائيل" بجدول زمني لخفض كثافة العمليات العسكرية في غزة، وحينها سيكون من الصعب على الرئيس الأمريكي جو بايدن الحفاظ على مستوى الدعم الحالي للحملة العسكرية الإسرائيلية وفق موقع "أكسيوس" الأمريكي.
ووفقا لمحللين سياسيين، يسود اعتقاد واسع بأن نتنياهو يدير هذه الحرب بدوافع سياسية شخصية، ويتهمه خصومه بالإخفاق في تحقيق أي من أهدافها، وبالوقوع رهينة لوزراء اليمين المتطرف.
تحولات الخطاب الإسرائيلي
نقلت مصادر تابعة لكيان الاحتلال عن وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس دعوته حكومة الحرب إلى دراسة صيغ جديدة قد تشجع حماس على الموافقة على صفقة من شأنها إطلاق سراح الأسرى المتبقين في غزة، لكن نتنياهو ووزير الجيش يوآف غالانت مصممان على مواصلة الضغط العسكري، وأوضحا أن "وقف القتال قبل الإطاحة بحكم حماس في القطاع يمكن أن يضر بالمصالح الأمنية لإسرائيل".
أما رئيس الشاباك السابق عامي أيالون فقال: إن "إسرائيل لن تتمتع بالأمن إلا بعد أن يكون للفلسطينيين دولتهم الخاصة، ودعا السلطات الإسرائيلية إلى الإفراج عن مروان البرغوثي لتوجيه المفاوضات من أجل إنشاء دولة للفلسطينيين"، موضحا أن تدمير حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ليس هدفا عسكريا واقعيا، وإن الحرب الحالية في غزة ربما تؤدي إلى ترسيخ الدعم لحماس، إذ يرى أن حماس “أيديولوجيا لها تنظيم، وللتنظيم جناح عسكري، لا يمكنك تدمير الأيديولوجيا باستخدام القوة العسكرية، ففي بعض الأحيان ستساعد في تجذرها بشكل أعمق إذا حاولت، وهذا هو بالضبط ما نراه. اليوم، 75% من الفلسطينيين يؤيدون حماس، قبل الحرب، كان التأييد أقل من 50%”.
فالخطاب الإسرائيلي بشكل عام بدأ يتحول إلى الخشية من دخول الكيان حرب استنزاف لن يخرج منها منتصراً، وسيكون لذلك آثار كارثية عليه، إذ بدأت تتردد مخاوف نفاد الصبر الأمريكي، وما لذلك من أثر حاسم في المعركة، وكارثية هذا التخلي إن حصل، فموقع "ولاه الإسرائيلي يقول: ” بعد 100 يوم على الحرب فإن صبر الرئيس بايدن بدأ ينفد والوضع بدا كارثيا ”.
وكذلك الوضع في الشمال، إذ يشير رئيس المجلس الإقليمي لمنطقة الجليل الأعلى غيورا زيلتس في حديث لوسائل إعلام الكيان إلى أن الوقت لا يعمل لمصلحتنا في الشمال، كل يوم يمر من دون أن تضع الحكومة أهدافا وتعمل لحفظ أمن سكان الجليل يتسبب بضرر قد لا يكون بالإمكان إصلاحه، وأكد ذلك رئيس المجلس الإقليمي موشيه دافيدوفيتش بقوله: "إنه بعد مئة يوم من الحرب حان الوقت للقول إن حكومة إسرائيل فشلت فشلا ذريعا ومؤلما في معالجة الوضع في الشمال".
كما شهدت التظاهرات داخل الكيان مؤخراً تحولا في الخطاب والشعارات والمطالب، فانتقلت من المطالبة بصفقة تعيد الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية إلى المطالبة بوقف الحرب واستقالة الحكومة، وتصدرت التظاهرات صورة الأسير الإسرائيلي الطيار ” رون أراد ” الذي لم يعرف مصيره منذ العام 1982 في دلالة على أن حكومة الكيان بنهجها المستمر في الحرب تذهب بالأسرى في غزة إلى المصير ذاته.
ومن الأسباب الجوهرية التي بدأت تفعل مفاعيلها في تغيير استراتيجية الكيان في حربه على غزة القلق والخشية التي بدأت تتصاعد في أوساط الكيان، من احتمال إدانة الكيان في مداولات محكمة العدل الدولية، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات تضر به، إذ إنها المرة الأولى في تاريخه الإجرامي، التي تجري فيها مقاضاته على الانتهاكات التي يرتكبها في حق الشعب الفلسطيني.
فربما تعمل هذه التحولات في الخطاب الداخلي الإسرائيلي، مرافقة للخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، على التأثير في استراتيجية الكيان في حربه الإجرامية على قطاع غزة، والإقرار بالفشل، وهذا ما قد يتيح الفرصة للفلسطينيين لفرض المعادلات والشروط الجديدة.