الوقت - لم تستطع كل الجهود العالمية المبذولة ردع كيان الاحتلال الإسرائيلي عن الاستمرار في حربه الإجرامية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، تلك الحرب التي وصلت مرحلة الإبادة الجماعية، وهو الأمر الذي شكل ضغطا على الكثير من الحكومات التي كانت تقف مواقف مترددة، وجعلها بالتالي تستدير في مواقفها، وإن لم تكن تلك الاستدارة بالكامل باتجاه الفلسطينيين، لكن الضغوط الشعبية استطاعت إحداث الأثر المطلوب منها.
المغاربة ضد التطبيع
ستبقى القضية الفلسطينية تسبب حرجاً كبيراً بين الشعوب والحكومات التي تسعى لعلاقات طبيعية مع كيان الاحتلال، ولا سيما في الفضاء العربي، وذلك لاندماج هذه القضية في الوجدان الجمعي العربي، واستحالة تجاهل ارتداداتها على مستوى المجتمعات العربية، ومن هنا تأتي أهمية الحراك الجماهيري تجاه فعل من نمط ما ضد كيان الاحتلال، فنتيجة للضغط الشعبي، أعلنت الحكومة الأردنية، استدعاء السفير الأردني في "إسرائيل" إلى الأردن، وطلبت من تل أبيب عدم إعادة السفير الإسرائيلي الذي غادر المملكة سابقا.
قال عضو مجلس النواب الأردني موسى هنطش: إن الضغط الشعبي في الأردن قوي جداً، وهناك مساحة مسموحة للحركة وإقامة الفعاليات المتضامنة مع غزة، ومنذ أول يوم طلبت القوى الشعبية ومجلس النواب من الحكومة استدعاء السفير الأردني وطرد سفير دولة الاحتلال من عمّان، مشيرا إلى أن هناك العديد من المطالب المتعلقة بإلغاء الاتفاقيات (وادي عربة والغاز)، وكذلك إعادة التجنيد الإجباري لحماية الأردن وحفاظاً عليه، وخصوصاً في ظل أطماع الاحتلال.
وكذلك المغاربة الذين لم يكونوا في يوم من الأيام راغبين بالعلاقة مع الكيان الإسرائيلي وما إن طبع المغرب تلك العلاقة، حتى بدأت الأصوات تتعالى رافضة التطبيع ومنددة به، وداعية إلى إلغائه، إذ كانت الأحداث الأخيرة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية دافعاً مباشراً لحشد المواقف، وفي مقدمتها تأكيد الحق الفلسطيني ورفض التعامل مع المحتل، حيث شهد العديد من المدن المغربية، بينها العاصمة الرباط، مئات التظاهرات والمسيرات المليونية والوقفات الحاشدة للتنديد باستمرار الغارات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وللمطالبة بدعم الشعب الفلسطيني، ووقف اتفاقية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي".
وقد وصف أحمد ويحمان رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، التعاطي الشعبي مع القضية الفلسطينية، بأنه يدل على أن "التطبيع سقط شعبياً، وبقي أن يسقط رسمياً، حتى يكون هناك تناغم وانسجام بين الرسمي والشعبي"، مشيراً إلى أن "المسيرات المليونية والوقفات اليومية التي تنظم بالبلاد، دليل على سقوط التطبيع، وأن كل يوم يمر مع بقاء هذا التطبيع، هو إهانة للشعب المغربي"، إذ إن أبرز المطالب التي ترفع في المظاهرات، هي إسقاط التطبيع، ومحذراً من استمرار "المراهنة على هذا التطبيع، لأن /إسرائيل/ خطر على المغرب وباقي الدول العربية والإسلامية الأخرى، وإن الرهان عليها هو رهان أثبتت الأحداث فشله.
ومع تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وضغط الشارع المغربي، والحالة الوجدانية للمجتمع المغربي، والتي كانت تقف في الصف الفلسطيني، وتسعى لدعمه، وتتطلع لانتصاره في تلك الحرب، أدى إلى توقف مسار العلاقات التطبيعية بين المغرب والكيان الإسرائيلي، وتوقفت الزيارات المتوالية التي كان يقوم بها وزراء إسرائيليون إلى الرباط، إذ إن هذه الحرب الوحشية التي يشنها كيان الاحتلال على الفلسطينيين أحرجت الحكومات المطبعة أمام شعوبها، ما دفعها لاتخاذ خطوات عديدة ومتفاوتة التأثير، وأدى ذلك إلى تراجع مستوى التطبيع خلال هذه المرحلة من الحرب.
وقد عبّرت الرباط في أكثر مناسبة عن قلقها البالغ من استمرار الأعمال العسكرية وتدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، مشيرة إلى أن الخطوات التصعيدية الإسرائيلية "تتنافى مع القانون الدولي الإنساني والقيم الإنسانية المشتركة وتنذر بتمدد الصراع واتساع رقعة العنف بشكل خطير"، ومنددة في الوقت ذاته بتقاعس مجلس الأمن والدول المؤثرة في القرار الدولي وعجزهم عن وضع حد لهذا الوضع الكارثي.
عريضة مغربية لإلغاء التطبيع
تتوالى مطالبات الفعاليات والهيئات والأحزاب السياسية بإلغاء التطبيع مع كيان الاحتلال، وكان آخرها مطالبة حزب "التقدم والاشتراكية"، بوقف كل أشكال التطبيع مع الكيان، وملاحقته أمام الجنائية الدولية.
وقد أفاد المرصد المغربي لمناهضة التطبيع في بيان له، بأنّ النقيب السابق عبد الرحمن بن عمرو وجّه مراسلة إلى رئيس الحكومة المغربية من أجل طلب عقد لقاء معه قصد تسليمه عريضة شعبية مطالبة بطرد ممثل مكتب الاتصال الصهيوني بالعاصمة الرباط والإلغاء الرسمي والنهائي لكل اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وقد أشار المرصد المغربي، إلى أنّ العريضة التي تمّ إطلاقها من أجل جمع توقيعات تطالب الحكومة المغربية بالتراجع عن اتفاقيات الذل والعار التي تم توقيعها في إطار التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل، وقد ضمت توقيع أكثر من 10 آلاف مواطن مغربي من مختلف المدن والشرائح والهيئات والتوجهات، وذلك خلال الفعاليات الشعبية الميدانية من مسيرات ووقفات وندوات ومحاضرات.
وجاء في نص المراسلة التي بعثها بن عمرو باعتباره وكيلاً للعريضة، إنّ "آلاف المغربيات والمغاربة وقعوا على العريضة الشعبية المطالبة بالإسراع في قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني ووضع حد لكل أشكال العلاقات معه"، مشيرة إلى أنّ هذه الخطوة تأتي بعد "تأكد صحة موقف الشعب المغربي الرافض للتطبيع مع المجازر اليومية وجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في حق آلاف الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين الذين يتم ذبحهم في مشاهد وحشية ما انفكت تهز العالم كله، يومياً"، منذ السابع من أكتوبر الماضي.
واعتبرت الشخصيات المغربية التي وقعت على العريضة، أن "استمرار التطبيع لا يزيد الكيان الصهيوني إلا تعنتاً وغطرسة وإمعاناً في القتل والتهجير والإجرام"، معبرين عن إدانتهم حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال في غزة وفي الضفة ضد المدنيين العزل، أطفالاً ونساءً وشيوخاً، بدعم وتحالف من عدد من الدول الغربية، إذ حيّا الموقعون على العريضة "المقاومة الفلسطينية لتصديها البطولي الشجاع والمستمر للعدوان الصهيوني، رغم عدم تكافؤ القوى البشرية والعسكرية، ورغم حالة الخذلان الرسمي من الدول العربية والإسلامية عن تقديم الدعم الإنساني والطبي العاجل، كحد أدنى من الواجب تجاه شعب عربي مسلم يتعرض لحرب إبادة جماعية ممنهجة".
ومن بين أبرز الشخصيات الموقعة على العريضة، وزير العدل السابق والقيادي في حزب "العدالة والتنمية"، مصطفى الرميد، والأمين العام السابق لحزب "التقدم والاشتراكية" والوزير السابق مولاي إسماعيل العلوي، والوزير السابق لحسن الداودي، والقيادي الاستقلالي، وكذلك الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، والحقوقيون عبد الرحيم الجامعي، وعبد اللطيف الحاتمي، ومنسق "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين"، عبد القادر العلمي، ورئيس "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع"، أحمد ويحمان.
ويُشترط في عريضة المقترحات أو المطالب التي تُقدّم إلى لجنة العرائض الحكومية، أن تكون موقّعة من خمسة آلاف مواطن، ومرفقة بصور لهوياتهم الشخصية، إذ إن العريضة؛ إحدى الوسائل المتاحة للمواطنين، لمطالبة الحكومة باعتماد سياسة عمومية أو إلغاء اتفاقيات، وبعد تقديمها، يُنتظر أن تقبل بها رئاسة الحكومة أو ترفضها، وفق القانون المنظم للعرائض.
وقد أطلقت الحكومة "لجنة العرائض" لتلقّي طلبات ومقترحات المواطنين في 2018، بقصد اتخاذ ما تراه مناسبا في شأنه من إجراءات، في إطار احترام أحكام الدستور والقانون.