الوقت- بعد مرور يومين على دخول "التهدئة الإنسانية" المؤقتة في قطاع غزة، تبدو حالة الهدوء الحالية "المخيفة" وكأنها أنفاس عابرة لسكان القطاع، الذين عاشوا لمدة 48 يومًا تحت وطأة القتال العنيف والقصف الدامي الذي لم يستثنِ أي شيء من الدمار، سواء كان ذلك بشرًا أو نباتًا أو حتى حجرًا، وبينما يتنفسون الهواء النقي للمرة الأولى في فترة طويلة، يثير وصول هذه التهدئة الغامضة العديد من التساؤلات والشكوك، وتتسائل الساحة العامة الآن عن طبيعة هذه التهدئة ومن الذي يستفيد منها أكثر، هل هي في مصلحة "حماس" أم في مصلحة إسرائيل؟ تعد هذه التساؤلات هامة وتتطلب إجابات دقيقة وواضحة، حيث يتابع الجميع تطورات الأحداث على أمل فهم الدوافع وراء هذه الخطوة، ومع اقتراب نهاية فترة التهدئة، يثير السائلون تساؤلات حول ما الذي ينتظرهم بعد انتهاء هذه الفترة، وكيف سيتشكل شكل المعركة المقبلة؟ وهل ستستمر حالة الهدوء أم أن الصراع سيتجدد بشكل مكثف؟ تبقى هذه التساؤلات محور اهتمام الرأي العام، حيث يبحث الجميع عن رؤية أوضح حول مستقبل القطاع ومسار الأحداث السياسية والإنسانية في الوقت القادم.
هدنة لمعركة قادمة
بالرغم من اتفاق التهدئة في قطاع غزة، الذي جاء برعاية من قبل قطر ومصر والولايات المتحدة، والذي شمل شرطًا قويًا فرضته المقاومة الفلسطينية، وهو انسحاب جميع أنواع الطائرات الإسرائيلية من سماء القطاع، بما في ذلك الحربية وتلك المستخدمة في التصوير والتجسس، بدأت "إسرائيل" الآن في البحث عن وسائل سرية أخرى لجمع المعلومات الأمنية والاستعداد بشكل جيد للمعركة الجديدة.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن جيش الاحتلال يستغل فترة الهدنة في قطاع غزة لجمع معلومات استخباراتية وتعزيز قواته، وزعمت الصحيفة أن الجيش يلتزم بما ينص عليه اتفاق الهدنة، ولا يرسل طائرات مسيّرة في أجواء غزة لجمع المعلومات، ولكنه يستخدم وسائل استخباراتية أخرى بهدف تحقيق أهدافه، وأوضحت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي يعمل خلال فترة وقف إطلاق النار على حماية قواته المتمركزة في قطاع غزة، يتضمن ذلك تعزيز جهوزيته اللوجستية ودراسة الوضع، وسيعمل على وضع الخطط اللازمة لاستمرار الحرب، بالإضافة إلى جمع المعلومات الاستخباراتية والتأكد من صدق الأوامر المستقبلية.
وأوضحت المعلومات، أن الجيش الإسرائيلي يعتبر نفسه في حالة تأهب على خطوط الدفاع، ويواجه تحديات عملياتية خلال هذه الفترة، وأشارت إلى أن أي تهديد للقوات يلقى رد فعل قويًا، وهكذا يتعهد الجيش بالاستمرار في تصديه لأي تحديات قد تطرأ، وفي الوقت نفسه، يُعلن جيش الاحتلال عن استعداده لاستئناف هجماته بعد انتهاء الهدنة، حيث لا يُسمح خلالها لسكان القطاع بالعودة إلى المناطق الشمالية ووادي غزة، يُزعم أن الهجوم البري هو السبب الذي دفع حركة حماس إلى إعادة الأسرى، ورغم التصعيد القوي والتهجير الواسع للمدنيين في سعيهم للبحث عن الأسرى والمحتجزين، فإن جهودهم لم تنجح.
وأفاد جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه استفاد من الساعات الأخيرة قبل بداية وقف إطلاق النار لتنفيذ عدة هجمات وتدمير نفق يُزعم أنه متواجد تحت مستشفى الشفاء، وبهذا أعلن انتهاء عملياته العسكرية في المجمع الطبي، وفي هذا السياق، يؤكد جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الهدنة لا تعني نهاية الحرب، وقد قامت قواته بنقل نفسها إلى مناطق معتبرة "آمنة" في الساعات الأخيرة قبل بدء وقت وقف إطلاق النار، يهدف ذلك إلى الحفاظ على جاهزية القوات في الميدان، مما يمكنها من استئناف القتال بشكل فوري بعد انقضاء فترة الهدنة.
على الجانب الآخر، تعمل حركة "حماس" بجد للاستفادة من أيام التهدئة التي تستمر لمدة 4 أيام، بهدف التحضير لمرحلة جديدة من الحرب قد تمتد لأشهر، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، وبعد الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر، حددت "إسرائيل" أهداف حربها في الإطاحة بحركة حماس من السلطة، وقتل قيادتها، وتحرير الأسرى الإسرائيليين في غزة، وإنهاء أي تهديد أمني ينطوي على القطاع الذي دمترته على رؤوس سكانه، يشير محللون عسكريون إلى أن الهدنة التي تمتد لمدة أربعة أيام تُمكِّن حماس من الاستعداد لمرحلة جديدة من الحرب، والتي قد تستمر لأشهر، بهدف تقليص زخم الهجوم الإسرائيلي وخلق ضغوط دولية لإنهاء الصراع دون تحقيق أهداف "إسرائيل".
حماس ونصرها على الصهاينة
بحسب رئيس الأبحاث السابق في قسم المخابرات العسكرية الإسرائيلية، يوسي كوبرفاسر، فإن الأمر الأكثر أهمية الآن بالنسبة لحركة حماس هو ضمان بقائها على قيد الحياة، وأضاف أن الحركة تطمح إلى إطلاق سراح الرهائن تدريجيًا، بهدف تحويل "فكرة هزيمة حماس برمتها إلى شيء لن يحدث أبدا"، يعتقد قادة حماس أنهم حققوا نصرًا كبيرًا من خلال هجمات السابع من أكتوبر، من خلال توجيه ضربة استخباراتية وعسكرية لإسرائيل، ومن خلال الحفاظ على كبار قادتهم في مأمن من رد "إسرائيل".
وتتكون قيادة "حماس" من حوالي 15 عضوًا، يتمركزون عادة في غزة والدوحة وبيروت، يتخذون قراراتهم على أساس الإجماع، ومع ذلك، أصبحت استراتيجية الحرب التي تنتهجها الحركة الآن محصورة بشكل وثيق داخل غزة، وربما تكون غير معروفة حتى لقيادة حماس السياسية في المنفى، يصعب التنبؤ بتحركاتها التالية بسبب هذا التحدي الداخلي، وفقًا لتقارير إعلامية.
وتعتقد "إسرائيل" أن زعيم حركة "حماس" في غزة، يحيى السنوار، هو الشخص الذي يدير العمليات، بالتعاون مع القائد العسكري محمد ضيف وعدد قليل من القادة الكبار الآخرين، ويُعتبر السنوار الشخصية الرئيسية التي حملت مسؤولية هجوم السابع من أكتوبر، ووُصِفَ من قِبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه "رجل ميت يمشي"، وذلك في إشارة إلى الهدف المتعلق بقتله، السنوار يعمل على تحقيق أهدافه، بما في ذلك تأمين إطلاق سراح سجناء فلسطينيين، وكان ذلك أحد الأهداف الرئيسية لهجوم 7 أكتوبر.
قطر، جنبًا إلى جنب مع مصر والولايات المتحدة، توصلت إلى اتفاق هدنة لأربعة أيام قابلة للتمديد، ينص الاتفاق على تبادل 50 رهينة محتجزين في غزة مع 150 معتقلاً فلسطينيًا لدى "إسرائيل"، في خطوة إيجابية، أطلقت حماس الجمعة سراح 24 شخصًا، بينهم 13 امرأة وطفل إسرائيلي، و10 أشخاص من تايلاند وشخص فلبيني، بالمقابل، أفرجت "إسرائيل" عن 39 فلسطينيًا من سجونها، وبموجب الاتفاق، وافقت إسرائيل على إضافة يوم إضافي لوقف إطلاق النار مقابل كل دفعة إضافية تضم 10 رهائن من النساء أو الأطفال، يتم إطلاق سراح هؤلاء الرهائن إضافة إلى الخمسين الأصليين المتفق عليهم، وفقًا لتقرير "وول ستريت جورنال"، يشير إلى أن حماس تحتجز ما يصل إلى 100 امرأة وطفل كرهائن، مما يعني أنها يمكنها تمديد وقف إطلاق النار لفترة تصل إلى تسعة أيام وفقًا للاتفاق الحالي.
ويرى محللون أن السنوار سيسعى إلى استغلال فترة التوقف واحتمال إطلاق سراح الرهائن في المستقبل لتمديد وقف إطلاق النار إلى ما بعد الأيام الأربعة، وقد يحاول إطلاق سراح فلسطينيين مسجونين بتهم أكثر خطورة لتعقيد الموقف، يقول المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان، إن السنوار قد يعلن عدم العثور على كل المختطفين، مُبرزًا وقوفه ضد طيران الطائرات المسيرة في سماء غزة ودورها في توفير معلومات استخباراتية للجيش الإسرائيلي بهدف استخدام ذلك لاحقًا، وفي سياق متصل، أكد المحلل السياسي الإسرائيلي يوآب شتيرن أن حماس ستستغل الهدنة المرتقبة للاستعداد لمواجهة الهجوم الإسرائيلي المتوقع، والتصدي له، ومن المتوقع أن تعمل حماس على تصوير حجم الدمار الذي لحق بالقطاع ونشره إعلاميًا، بهدف التأثير على الرأي العام الدولي وتبرير استمرار مقاومتها، في الوقت نفسه، من المتوقع أن تستغل "إسرائيل" فترة الهدنة لتنفيذ هجوم كبير على مدينة السنوار وخان يونس، بهدف عزل الشمال والجنوب وفرض ضغوط على حماس للخروج من الأنفاق والقتال أو الاستسلام.
الخلاصة، وأمام هذه الرؤية الموضوعية للوضع القائم، يتزايد التساؤل حول شكل المعركة المقبلة والخطط التي قد تعتمدها الأطراف المتورطة، يعتبر الجنرال الإسرائيلي السابق ومستشار الأمن القومي، جيورا إيلاند، أن القتال في الجنوب سيكون أكثر صعوبة نظرًا لوجود النازحين الفلسطينيين، مما قد يعمق الأزمة الإنسانية ويزيد الضغط الدولي على "إسرائيل" لوقف الحرب، وفيما يتعلق بشكل المعركة المقبلة، يمكن توقع أن تستمر الاشتباكات بين "إسرائيل" وحماس، مع تصاعد التوترات في المناطق الحدودية، يعود السؤال حول ما إذا كانت "حماس" تمتلك أوراق مفاجئة إلى العديد من العوامل، من بينها قدرتها على الاحتفاظ بدعم السكان في ظل تداول الأنباء حول الأوضاع الإنسانية الصعبة في غزة، يمكن أن تكون لديها استعدادات وخطط مستعدة للمرحلة التالية من الصراع.
أما بالنسبة للقائد البارز في "حماس"، يحمل يحيى السنوار مسؤولية كبيرة، وتوقعات الإسرائيليين تشير إلى أنه قد يسعى إلى تحقيق أهداف استراتيجية متقدمة، مثل إطلاق سراح المزيد من الرهائن أو تحسين الظروف الإنسانية في غزة، يمكن أن يكون لديه تصعيد في الخطاب الإعلامي لتحقيق أهدافه وتحويل الضغوط الدولية لصالح "حماس".